معهد عبري: حكومة لبنان الجديدة تهدد أمريكا ودول الخليج وإسرائيل

الاثنين 10 فبراير 2020 06:19 م

بالرغم من تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان في 21 يناير/كانون الثاني 2020 فيما يفترض أنه استجابةً لمطالب المتظاهرين، استمرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.

ويلاحظ استياء شعبي من تركيبة الحكومة ونقص الثقة في قدرتها على المضي قدماً في الإصلاحات اللازمة للتخفيف من حالة البلاد المزرية، كما أنه ليس من الواضح المدة التي يمكن لهذه الحكومة أن تستمر فيها.

منذ انطلاق الاحتجاجات في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، طالب المتظاهرون بتشكيل حكومة مؤلفة من خبراء ليسوا ضمن النخبة السياسية الحاكمة الفاسدة، على أمل أن يتمكنوا من معالجة مشاكل لبنان العميقة بشكل صحيح.

ومع ذلك، قوبلت المطالب باستجابة جزئية فقط؛ فعلى الرغم من أن معظم أعضاء الحكومة العشرين، بمن فيهم رئيس الوزراء "حسان دياب"، هم أكاديميون دون انتماء سياسي رسمي، فإنهم ينظر إليهم على أنهم "حكومة حزب الله"، لأن القائمة تم تحديدها فعليًا من وراء الكواليس، من قبل "حزب الله" والأحزاب في معسكر 8 مارس/آذار.

لم يدعم الحزب السني لرئيس الوزراء السابق "سعد الحريري"، إلى جانب أحزاب أخرى من تحالف 14 آذار، رئيس الوزراء الجديد واختار عدم الانضمام إلى الحكومة.

وفي حين أن وزيرين فقط هما عضوان رسميان في "حزب الله"، يمثل البقية شركاء للحزب، وهكذا فإن الحكومة الجديدة في الواقع تعكس تأثير "حزب الله" القوي على النظام السياسي في لبنان وتضع أمام الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الخليج معضلة فيما يتعلق بمساعدتها الاقتصادية للبنان، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للدولة المتعثرة.

في 21 يناير/كانون الثاني 2020، أي بعد شهر واحد من تعيين "حسان دياب" كرئيس وزراء لبنان الجديد، شكل "دياب" حكومة مؤلفة من 20 وزيراً، من بينهم 6 نساء، حيث تشغل أرفعهن منصب وزيرة الدفاع ونائبة رئيس الوزراء (في الدول العربية يعد هذا التمثيل السياسي للمرأة أمرًا لم يسبق له مثيل).

أكد "دياب" وأنصاره من "حزب الله"، الذين دفعوا من أجل ترشيحه وصوتوا لصالحه في البرلمان، أن هذه الحكومة مؤلفة من تكنوقراط لا يخضعون لأي تأثير سياسي وبقيادة سني، كما يقتضي الدستور اللبناني.

وأعلن رئيس الوزراء أنها "حكومة إنقاذ" تهدف إلى تلبية مطالب المتظاهرين الذين سعوا إلى استبدال من هم في السلطة والدفع بإصلاحات قد تساعد في تحسين الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان.

ولاحقا، اتخذ "دياب" تدابير فورية تهدف إلى إثبات نيته الوفاء بالوعود. فقد تم تمرير ميزانية 2020 خلال الأسبوع الأول من الحكومة، وتمت الموافقة على نشر "خطة إنقاذ" مالية.

سخط المتظاهرين المستمر

ومع ذلك، لم يكن هذا كافيًا لاسترضاء المتظاهرين، الذين يوجهون الآن انتقاداتهم إلى الحكومة الجديدة، حيث ينظرون إلى أعضائها كممثلين للنخبة الفاسدة التي سعوا إلى استبدالها.

ويعتبر هؤلاء الوزراء في الواقع خبراء، فكثير منهم يحملون شهادات أكاديمية متقدمة، وليس لديهم انتماء سياسي، لكن تركيبة الحكومة قررتها الأحزاب في معسكر "حزب الله" - معسكر 8 آذار - الذي قضى وقتًا طويلاً في الجدل حول التعيينات الوزارية مع الحرص على توزيع الحقائب على مرشحيهم المفضلين وفقًا للأولويات الطائفية الحزبية.

تم تعيين وزيرين فقط ينتميان لـ"حزب الله" واثنين من شريكه الشيعي حركة "أمل"، ومع ذلك، فإن هناك 10 وزراء يمثلون شركاء "حزب الله" المسيحيين؛ التيار الوطني الحر بقيادة "جبران باسيل"، وهو وزير الخارجية السابق الذي لا يتمتع بشعبية وصهر الرئيس "ميشال عون"، وتيار "المرده".

تضم هذه الحكومة أيضًا وزيرين درزيين منتميين لحزب موالٍ لسوريا يدعم "بشار الأسد"، وإلى جانبهم، هناك 4 أعضاء سنيين في الحكومة (رئيس الوزراء و3 وزراء آخرين) مستقلون ظاهريًا.

لم تحصل الحكومة بعد على تصديق برلماني، لكن يبدو أن الموافقة مضمونة بالنظر إلى تأثير معسكر 8 آذار في البرلمان.

ولا يتمتع رئيس الوزراء الجديد بدعم حزب "المستقبل" السني برئاسة رئيس الوزراء السابق "سعد الحريري"، أو الأحزاب الأخرى في المعسكر الموالي للغرب الذي يعارض "حزب الله" - معسكر 14 آذار.

نفوذ "حزب الله"

استخدم "حزب الله" الأغلبية التي حققها معسكره في انتخابات 2018 لاختيار رئيس الوزراء السني في لبنان، وبالتالي، خلق بحكم الواقع سابقة في تعطيل التوازن الدقيق الذي تم التوصل إليه في السنوات الأخيرة بين مختلف الجماعات الطائفية في البلاد، والتي تتطلب أن يكون رئيس الوزراء قائدًا بارزًا مقبولًا للطائفة السنية إلى جانب رئيس مسيحي ورئيس البرلمان الشيعي.

ومع ذلك، يحتفظ رئيس الوزراء والرئيس بأدوارهما في الوقت الحالي، على الرغم من مطالب المتظاهرين باستبدال "الجميع".

ويعني ذلك أنه بالرغم من بقاء "حزب الله" وراء الكواليس، فإن هذه الحكومة ستعمل في الواقع تحت رعايته، ويمثل تشكيل الحكومة خطوة أخرى في تعميق قبضة الحزب على النظام السياسي اللبناني وقدرته على التأثير في عمليات صنع القرار لدى مفاصل السلطة الرئيسية.

التحول للعنف

تم الإعلان عن الحكومة الجديدة على خلفية الاحتجاجات المتزايدة بشكل ملحوظ في منتصف يناير/كانون الثاني، في البداية كانت موجة الاحتجاجات غير عنيفة وجمعت مساحات شاسعة من جميع قطاعات الجمهور وبدت أشبه بعطلة وطنية احتفالية.

حرصت قوات الأمن من جانبها على الحفاظ على النظام وعدم الانجرار إلى مواجهات مع المتظاهرين، ومع ذلك، ففي الأسبوع السابق لتشكيل الحكومة، اتخذ الاحتجاج اتجاهًا جديدًا وأصبح أكثر عنفًا.

لجأ المتظاهرون الشباب إلى العنف، خاصة ضد البنوك (التي تُلام على الوضع الاقتصادي الصعب) وضد رموز الدولة، ومبنى البرلمان بشكل خاص.

ألقى المتظاهرون بزجاجات المولوتوف والصخور وحطموا نوافذ واجهات المحلات ودمروا أجهزة الصراف الآلي، وبالتوازي مع ذلك، كان هناك تصعيد في أعمال العنف من جانب قوات الأمن، التي استخدمت الرصاص المطاطي والهراوات وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتعطيل المظاهرات.

تسببت هذه المواجهات في سقوط مئات القتلى والخراب في الشوارع وأدت إلى اعتقالات شملت العشرات إن لم يكن المئات من المتظاهرين.

وبالرغم من تراجع العنف منذ تشكيل الحكومة، لكن المظاهرات استمرت، وإن كان ذلك على نطاق محدود، بالنظر إلى التعب واليأس اللذين شعر بهما المتظاهرون في الشوارع.

لا يعتقد الجمهور المحبط أن الحكومة لديها القدرة على حل المشكلات العميقة في البلاد، والتي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة من الشلل السياسي والاقتصادي.

خلال هذا الوقت، تم وضع قيود على السحوبات النقدية بسبب هروب رؤوس الأموال من لبنان (وفقًا لمحافظ البنك المركزي، تم سحب حوالي مليار دولار من لبنان منذ بدء الاحتجاجات)، وأغلقت العديد من الشركات، وارتفعت معدلات البطالة، و انخفضت قيمة الليرة اللبنانية، ويجد لبنان صعوبة في تسوية ديون الدولة التي تصل إلى 90 مليار دولار.

وهكذا تواجه الحكومة الجديدة تحديًا مزدوجًا؛ الحاجة إلى تهدئة الاحتجاجات مع معالجة المشكلات الملحة بشكل عاجل، وأهمها الأزمة الاقتصادية.

معضلة للخليج وأمريكا و(إسرائيل)

إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الجديدة، التي يُنظر إليها على أنها "حكومة حزب الله"، سوف تجد صعوبة أكبر من سابقتها في إقناع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ودول الخليج التي تعتبر مرشحة محتملة لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصادية، بالموافقة على تحويل الأموال التي قد تخدم مصالح "حزب الله".

وبالتزامن مع ذلك، حدث ارتفاع في عدد البلدان التي تصنف "حزب الله" كجماعة إرهابية (بما في ذلك بريطانيا وألمانيا والأرجنتين وباراجواي وفنزويلا وجواتيمالا وهندوراس) ما يعني إمكانية توسيع العقوبات.

لم يعرب المجتمع الدولي حتى الآن عن دعمه للحكومة الجديدة، باستثناء الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، الذي أعلن أنه سيتعاون معها من أجل دفع عجلة الإصلاحات.

في المقابل، رفض وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" تأييد الحكومة اللبنانية الجديدة، وذلك في أول تعليق له عن الحكومة في 22 يناير/كانون الثاني، وأعلن "بومبيو" أن الإدارة لن تساعد حكومة لا تلبي مطالب الشعب في الحرب ضد الفساد والتقدم في الإصلاحات.

إن نفوذ "حزب الله" المتزايد في لبنان، والذي تجلى في جملة أمور منها سيطرته على الحكومة الجديدة التي تشكلت في لبنان  يشكل معضلة، بما في ذلك بالنسبة لـ(إسرائيل).

فهل الدولة اللبنانية و"حزب الله" متطابقان؟ هذه مسألة ذات أهمية كبيرة، ليس فقط فيما يتعلق بموقف (إسرائيل) من المساعدات الدولية للبنان والاتصالات الدولية مع الحكومة الجديدة، ولكن أيضًا فيما يتعلق بسيناريو المواجهة العسكرية مع "حزب الله" عندما يحين وقت ذلك.

المصدر | معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحكومة اللبنانية حسان دياب حزب الله اللبناني

بروكينجز: حكومة لبنان الجديدة ستصفي المعارضين بدعوى مكافحة الفساد

إصابة 4 متظاهرين في مواجهات مع الأمن اللبناني قرب البرلمان

53 نائبا يصلون للبرلمان اللبناني وسط احتجاجات لمنع انعقاده

متحديا الخليج.. لبنان يستقبل رئيس برلمان إيران

جزار الخيام عامر الفاخوري في طريقه إلى أمريكا

مقتل مساعد العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري في لبنان