تصفية المصرية للملاحة.. هل يسعى السيسي لتمويل صندوقه السيادي عبر الخصخصة؟

الاثنين 16 مارس 2020 08:44 م

حالة من الجدل دارت بين مراقبي الشأن المصري في الأيام الماضية بعد أن أعلنت وزارة قطاع الأعمال قرارا بتنفيذ تصفية الشركة المصرية للملاحة نهائيا، رغم كونها إحدى شركتين حكوميتين في مجال النقل البحري، وتمثل إرثا تاريخيا وطنيا كبيرا.

ويعود هذا الجدل إلى اتجاه النظام المصري إلى تبني سياسات تقوم على تصفية أو خصخصة شركات القطاع العام وفق صيغة شبيهة بنظام "مبارك"، رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهتها وسائل إعلام محسوبة على أجنحة بالدولة (بينها القوات المسلحة) لهذه الصيغة، باعتبارها جزءا من خطة فريق نجل الرئيس الراحل "جمال مبارك" للسيطرة على الاقتصاد المصري ورهنه بالخارج.

غير أن تصفية "المصرية للملاحة البحرية" بمحافظة الإسكندرية (شمالي البلاد) كانت خطوة تصب في نفس اتجاه الخصخصة الذي تبنته حكومات عهد "مبارك"، بعد الإعلان عن تحقيق الشركة خسائر بلغت نحو 1.25 مليار جنيه على مدار سنوات.

وبعدما كانت تمتلك 60 سفينة، تم بيع أصول الشركة على فترات، بما في ذلك سفن عمرها 30 عاما، ليتبقى 6 سفن فقط، بعضها غير صالح للعمل، وفقا لما أورده موقع المال الاقتصادي المصري.

وتمثل الشركة قيمة تاريخية باعتبارها امتدادا لشركة بواخر "البوستة الخديوية" التي أنشأها الخديوى إسماعيل عام 1873 لنقل البضائع والبريد والركاب، وتم بيعها إلى المستعمر الإنجليزي، ثم اشتراها رجل الأعمال المصري "عبود باشا"، حتى أممها الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" عام 1969، لتصبح ملكا للدولة المصرية.

إرث الخصخصة

ويرتبط تطبيق الخصخصة في الذاكرة المصرية، وفق تجربة نظام "مبارك"، بعمليات فساد واسعة، بدأت منذ عام 1991 حين تم البدء في تنفيذ هذه السياسة ووصل عدد شركات القطاع العام التي جرى بيعها جزئيا أو كليا في الفترة بين عامي 1991 و2009 أكثر من 400 شركة.

 ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للمحاسبات، فقد بلغت حصيلة بيع الشركات العامة في هذه الفترة 50 مليار جنيه (2.8 مليار دولار)، لم يدخل الخزانة العامة للدولة منها سوى 18 مليار جنيه فقط، وُجهت لسداد عجز الموازنة، فيما أكدت بعض التقديرات الرسمية بأن القيمة الحقيقية للأصول والشركات التي تم بيعها كانت تصل لنحو 500 مليار جنيه.

ويرتبط إرث الخصخصة في مصر بالقانون رقم 203 الصادر عام 1991، والذي حدد قائمة تضم 314 شركة تعمل بالقطاع العام لبيعها، لكن السنوات الخمسة من مطلع الألفية الثالثة كانت الأكثر جرأة في بيع مشروعات قطاع الأعمال العام، حيث كانت آخر شركات حكومية أدرجت في البورصة عام 2005 حين طُرحت أسهم شركات "المصرية للاتصالات" و"سيدي كرير للبتروكيماويات" و"أموك".

وحتى نهاية التسعينات تم إصدار مجموعة من التشريعات التي تنظم خصخصة مرافق عامة، لم يكن المصريون يتصورون خصخصتها؛ لاعتبارات الأمن القومي، ومنها القانون الخاص بالبنوك العامة، الذي سمح للقطاع الخاص بالمساهمة في رؤوس أموال البنوك، وكذلك القانون المنظم لخصخصة الهيئة العامة للاتصالات وتحويلها إلى شركة مساهمة، وتم بالفعل طرح نسبة 20% من رأس مال الشركة للخصخصة.

كما مررت الحكومة المصرية آنذاك خصخصة شركات التليفون المحمول، ثم توالت عمليات الخصخصة لبنك الإسكندرية، ثم إعلان خصخصة بعض الخدمات في قطاع المواصلات، مثل التصريح بعمل شركات النقل الجماعي.

وبينما توقف برنامج الخصخصة عند حدود العام 2009، بعدما سقط نظام "مبارك" إثر ثورة شعبية مطلع عام 2011، أعاد نظام "السيسي" إحياء هذا البرنامج في يناير/كانون الثاني 2016، تزامنا مع اشتراطات فرضها صندوق النقد الدولي لتمرير قرض بقيمة 12 مليار دولار على 5 شرائح.

وفي هذا الإطار، طرحت الحكومة المصرية حصصا من شركات مدرجة أصلاً في البورصة، مثل الإسكندرية للزيوت المعدنية "أموك"، والشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"أبوقير للأسمدة"، و"مصر الجديدة للإسكان والتعمير"، وغيرها.

وفي أبريل/نيسان 2017، أعلنت وزارة البترول المصرية الموافقة على طرح ما يصل إلى 24% من أسهم شركة "إنبي" للصناعات البترولية والكيميائية، رغم تحقيقها أرباحا، ما قدم مؤشرا على أن الحكومة تبحث عن مصادر لتمويل عجز الموازنة المتفاقم عن طريق إحياء برنامج الخصخصة مجددا بحسب معارضي النظام المصري، فيما يرى المؤيدون أن هذا الطريق هو السبيل السليم لإنقاذ الاقتصاد المصري من أزمته.

الصندوق السيادي

ويضاعف من حالة الجدل حول هذا التوجه اعتماد الحكومة المصرية أواخر العام الماضي تعديلات جوهرية على قانون الصندوق السيادي، نصت على ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود المبرمة من الصندوق، وكذلك القرارات أو الإجراءات التي يتخذها استنادا على تلك العقود، إلا من طرفي التعاقد دون غيرهما.

كما تنص تلك التعديلات على أنه لا يحق إلا للصندوق والجهة المالكة دون غيرهما، الطعن على قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول العامة إلى الصندوق السيادي، أو الإجراءات التي اتخذت بناء على هذا القرار.

وعليه فإن الرئيس المصري يمكنه نقل ملكية ما يشاء من الأصول العامة المصرية إلى الصندوق السيادي بقرار غير قابل للطعن القضائي، وللصندوق إبرام ما يراه من عقود دون التعرض لحق الطعن العام، دون استثناء عمليات الخصخصة من تلك العقود.

وهذا يعني وجود بوابة للخصخصة محصنة من أي طعن قضائي مستقبلا، وفق ما أقره مجلس النواب المصري في منتصف 2018 تحت ذريعة استغلال أصول الدولة والتعاون مع المؤسسات والصناديق العربية والدولية.

جدل اقتصادي

ومن هذه الزاوية، يرى الخبير الاقتصادي المصري "علي عبدالعزيز"، أن تصفية شركة المصرية للملاحة ليست سوى امتداد لبرنامج تدمير الاقتصاد المصري، "الذي اعتمد على نشر الفساد في الشركات الوطنية، وتعمد الإهمال وعدم التجديد والتطوير لصالح منافسين أو لصالح أطراف محسوبة على السلطة"، وفقا لما نقله موقع "عربي 21".

ويشير "عبدالعزيز"، في هذا الصدد، إلى تقارير ودراسات جدوى "أكدت إمكانية إعادة إحياء الشركة؛ ولكن الإصرار على توزيع ممتلكاتها بأثمان بخسة وترك المجال لمنافسين جعلهم يعجلون بعملية التصفية الآن"، حسب قوله.

وفي الإطار ذاته، يرى الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأمريكية "مصطفى شاهين" أن الصندوق السيادي المصري سيمثل صورة أخرى من الخصخصة وتدمير القطاع العام في مصر عبر بيع مرافقه، وفقا لما نقله "الجزيرة نت".

ويعتبر "شاهين" تحصين قرارات الرئيس المصري بشأن الصندوق "مصيبة كبرى" تقطع الطريق أمام أي تفاعل شعبي أمام القضاء، كما حصل سابقا في الوقوف أمام بيع حكومة "مبارك" لشركات، منها "عمر أفندي"، حين اشتكى مواطنون وحصلوا على أحكام توقف مساعي الدولة.

وفي حال التوسع في بيع حصص الشركات العامة مستقبلا، سواء عبر الطرح في البورصة أو عبر بوابة الصندوق السيادي، فإن الدولة ستكون هشة اقتصاديا؛ حسب رأي "شاهين"، الذي نوه إلى أن القطاع الخاص المصري ليس له أثر يذكر على تحسن قوة الإنتاج على مدار أكثر من ربع قرن، و"لم يلعب إلا دورا ثانويا في زيادة الإنتاج من السلع الهامشية (..) في حين تقوم شركات الدولة بالدور الأكبر والأكثر إنتاجا في قطاعات الحديد والأسمدة والبتروكيماويات وغيرها" حسب قوله.

جذب الاستثمارات

في المقابل، يعتقد الخبير الاقتصادي "عبدالنبي عبدالمطلب" أن كلا من الصندوق السيادي المصري وبرنامج الخصخصة يمثلان "عامل جذب لبعض الاستثمارات الكبرى في مجالات إدارة الأصول وتحقيق عوائد أفضل لموارد الدولة"، وفقا لما أورده "الجزيرة نت".

وفي الاتجاه ذاته، يرى أستاذ التخطيط الاستراتيجي الدولي "صفي الدين حامد"، أن القطاع العام المصري في حاله يرثى لها، وأن التخلص منه تدريجيا بالخصخصة شيء جيد، لكنه يتوقع مردودا سلبيا له على القاعدة العمالية بالبلاد، وفقا لما أورده موقع "عربي 21".

فالبيع في وقت أزمة الاقتصاد وفي ظل منظومة حكومية مليئة بالتعقيدات الروتينية يرجح فتح الباب أمام "المستثمر المغامر والمنتهز الذي لن يحتفظ بعمال الشركة غالبا، كما حدث في السنوات الأخيرة من حكم مبارك"، حسب رأي "حامد".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي حسني مبارك الجهاز المركزي للمحاسبات الصندوق السيادي المصري صندوق النقد الدولي

البرلمان المصري يمنح السيسي سلطة التصرف بأصول الدولة

فيروس كورونا يطيح بخطط الخصخصة في مصر

لائحة جديدة للعاملين بقطاع الأعمال في مصر.. تمهيد للخصخصة وإضرار بالعمال

مصر تعلق على خطط لخصخصة الصحة والتعليم والنقل