من التنمر إلى منع دفن الموتى.. كورونا يكشف ظواهر اجتماعية خطيرة بمصر

الاثنين 20 أبريل 2020 05:45 م

سلطت واقعة رفض أهالي قرية مصرية دفن طبيبة توفيت بعد إصابتها بفيروس "كورونا" في مقابر القرية، 11 أبريل/نيسان، عن ظواهر اجتماعية خطيرة ربما تتكشف مع تفشي الوباء في مصر.

وتجمهر العشرات من أهالي قرية "شبرا البهو" بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل لرفض دفن الطبيبة المتوفاة خوفا من انتقال المرض إليهم، وهو ما دفع قوات الشرطة لإطلاق قنابل الغاز لتفريقهم.

وكشفت هذه المشاهد عن ظاهرة اجتماعية مقلقة، وهي سيادة الأثرة ومفاهيم "الوصم الاجتماعي" على منظومة القيم الأخلاقية الراسخة في القرى المصرية، وهو ما دفع البعض للتوجه بأصابع الاتهام إلى السلطة التي عملت سياساتها على ترسيخ التفرقة بين المصريين والتحريض على النبذ الاجتماعي للمخالفين.

مشاهد متكررة

ويدعم هذا الاستدلال تكرار حالات التأزم الاجتماعي المصاحبة لتفشي "كورونا" في بلد طالما عرف عنه "التضامن" وقت الشدة، وهو ما لم يكن ليدر في ذهن "سيد نصر"، الذي ذهب بصبحة ابن عمه ليدفنا جدتهما، حيث فوجئا بتصدي أهل قريتهما ببهتيم في شبرا الخيمة (شمال القاهرة).

لم يستطع "سيد" دفن جدته فسافر بها إلى مسقط رأسها بمحافظة الغربية (93 كم شمال القاهرة) ليفاجأ برفض أهل السنطة لدفنها أيضاً، ظناً منهم أنها قد تنقل لهم العدوى، ما استدعى تدخل الشرطة التي تصدت للمحتجين حتى وارى "سيد" جثمان جدته الثرى.

وحتى الأطباء العاملين في مجال مكافحة العدوى ومستشفيات الحميات لم يسلموا من تكرار حالات "التنمر" بحقهم، وتعد حالة الطبيبة الشابة "دينا مجدي" أشهر تلك الحالات خلال الأيام الماضية.

تعمل "دينا" في أحد المستشفيات المخصصة لمصابي "كورونا" بالإسماعيلية، وتسكن بالقاهرة في شقة خالتها دون اختلاط بالجيران، ومع ذلك فوجئت ببعض الجيران يتجمهرون أمام محل إقامتها ويطالبون بطردها ويتهمونها بنشر فيروس "كورونا"، والتسبب في نقل العدوى إليهم، ما اضطرها إلى استدعاء الشرطة لإبعادهم عن منزلها، وتسجيل فيديو لنشر قصتها عبر "فيسبوك".

واستدعى تكرار هذه الظاهرة تدخلا توعويا من جانب عدد من المؤسسات الوطنية والعالمية، حيث نشر حساب الأمم المتحدة في مصر تعليقا عبر "تويتر" بشأن دفن موتى "كورونا"، أكد فيه "عدم وجود أي دليل علمي على انتقال العدوى من جثامين الأشخاص الذين توفوا بسبب الفيروس".

 

 

وفي بيان أصدره شيخ الأزهر "أحمد الطيب"، استنكر رفض دفن طبيبة "شبرا البهو" في بلدتها، معتبرا أن "التجمهر في وجه جنازة الميِّت، ورفض دفنِه في مقبرةِ بلدِه ومسقطِ رأسِه انتهاك صريح وغير آدمي لحرماتِ الموتى التي تعارف عليها كل الناس، مؤمنين وغير مؤمنين".

كما أصدر "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" بيانا شدد فيه على أن "الإصابة بفيروس كورونا ليست ذنبا أو خطيئة"، وأفتى بـ"حرمة إيذاء المصاب به، أو الإساءة إليه، أو احتقار من توفي جراءه"، معتبرا أنهم "من الشهداء".

ودعم مفتي الديار المصرية "شوقي علام" الفتوى الصادرة من الأزهر، مشددا في بيان، على أنه "لا يجوز بحال من الأحوال ارتكاب الأفعال المُشينة تجاه مرضى كورونا، أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت رحمه الله عند دفنه".

واعتبر المفتي من يتوفى متأثرا بفيروس "كورونا" "في حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقي الله تعالى صابرا محتسبا، فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذي يواجهون الموت في كل لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب".

متوالية العنف

لكن هذه الردود اكتفت ببيان الواجب الديني والصحي تجاه المصابين والمتوفين بـ"كورونا" دون معالجة الأسباب الحقيقية لنشوء ظاهرتي "التنمر" و"الوصم" في مصر، وهو ما حذر منه الخبير في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "علاء غنام"، مشيرا إلى أن الظاهرتين أصبحتا متأصلتين في الوعي الشعبي الجمعي، وفقا لما أورده موقع إذاعة صوت ألمانيا "DW".

وتكشف الظاهرتان أزمة اجتماعية ناتجة عن "تغير بنية المجتمعات العربية في العقود الأخيرة، وتدهور حالة وثقافة واحترام حقوق الإنسان والرحمة والتسامح"، حسبما يؤكد أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة "سعيد صادق".

ويرى "صادق" أن "متوالية" العنف في المجتمع هي السبب وراء حالة الانكشاف الاجتماعي، لكنه نوه إلى أنه ليس عنف السلطة ضد المعارضة فقط، بل العكس أيضا، مشيرا إلى أن حالات تبدل الأدوار وتمكن المعارضة في بلدان عربية كشفت عن حالة مماثلة "كما رأينا في أسلوب قتل الزعيم الليبي (معمر القذافي) والرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح)"، حسب قوله.

كشفت الظاهرة أيضا عن نقص شديد في الوعى والتربية الأخلاقية والروحية لقطاعات من الجمهور في مصر وإخفاق المؤسسات العامة المختلفة في تعويض هذا النقص، حسبما نقل موقع "الهلال اليوم" عن الخبير الإعلامي "ياسر عبدالعزيز".

ولذا فإن قرار محافظ الدقهلية "أيمن مختار" بإطلاق اسم الطبيبة "سونيا عبدالعظيم عارف" على إحدى مدارس قريتها تخليدا لذكراها هو مجرد "محاولة يائسة لتجميل الوجه في مجتمع منقسم بشكل عميق"، وفق تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذي ترحموا على ذكرى الأيام التي تقاسم فيها المصريون الخبز والملح.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا التنمر منظمة الصحة العالمية أحمد الطيب

مصر تتهم الإخوان بالتحريض على منع دفن طبيبة توفيت بكورونا

كورونا ينشر العنصرية حول العالم.. 8 مشاهد لا يمكن تجاهلها

جورج فريدمان: كورونا ينذر بكارثة اجتماعية تفوق الأزمة الصحية

اتهامات لإسعاد يونس بالعنصرية والتنمر

الحكومة البحرينية تتحفظ على مشروع قانون يجرم التنمر.. لماذا؟

جالوب ترصد حالة الروابط الاجتماعية في مصر و6 دول حول العالم