بناء الدولة العراقية: الهزيمة الحقيقية لتنظيم «الدولة الإسلامية»

السبت 15 أغسطس 2015 08:08 ص

مصدر الطاقة السكانية المحاصرة في بغداد وجنوب العراق هو نظام الحكم في البلاد. والغريب أنه نفس المصدر، وإن كان ذلك بشكل مختلف تماما لذات الطاقة في وسط العراق والتي تساعد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي بغداد والجنوب، يُنظر إلى النظام على أنه غير قادر على الحفاظ على وحدة العراق والحكم الفعال. وفي الوسط، يُنظر إلى النظام على أنه طائفي.

وفي حين أن كلا التشخيصين يشهدان على أوجه القصور في النظام في بغداد، إلا إنهما مختلفان في المحتوى. أي حكومة فعالة، من حيث الأداء البيروقراطي، لا يعني تلقائيا أنها حكومة غير طائفية. ومن الناحية الفنية، يمكن أن يكون هناك حكومة طائفية تتسم بالكفاءة على هذا النحو. ولذلك، لا ينبغي تعريف مصطلح الحكم الرشيد على أسس «تقنية». ويجب دائما أن يكون مفهوما من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالإضافة إلى كفاءة الآليات الداخلية. فحتى الشمولية لا تقدم الحكم الرشيد. هذه المسألة، ولا سيما في العراق، تذهب بعيدا إلى وراء هذه الحدود، على العكس من القاموس السياسي الشائع الذي يستخدمه الناس عندما يتحدثون عن العراق.

ويقال هذا في معرض التعليق على تقييم الولايات المتحدة الاستراتيجي متعدد الطبقات للجهود التي بذلت مؤخرا لتطوير فهم أفضل للحالة التي سيكون عليها الشرق الأوسط خلال الفترة بين 5 - 15 سنة، وقد غُطت أجزاء منه مؤخرا في الأبحاث المنشورة.

وترتبط الحقيقة الأولى التي يجب مناقشتها ارتباطا مباشرا بمكافحة «الدولة الإسلامية». ولا يمكن وضع النواة الصلبة للدولة الإسلامية في مجموعة «تحركها الفائدة أو المصلحة»، ولا في مجموعة «تحركها المظلمة». إنه أم قائم على أساس أيديولوجي وديني وتاريخي. صحيح أنه لا يمكن فصلها بأي شكل من الأشكال المطلقة من الفريقين السابقين، سواء أكانت تلك التي يحركها الفائدة أو التي تحركها المظلمة والشكوى، إلا أنها تسمو بهم إلى حد يجعل المسافة بين هذا الفكر والتظلمات أو المصلحة بيئة حاضنة رائعة جدا.

وفي الوقت الذي يمثل فيه هذا الأمر صعوبة لتكييف «الدولة الإسلامية»، إلا إنه يسهم أيضا في سوء فهم لمصطلح «هزيمة الدولة عسكريا». العمل العسكري ضد «الدولة الإسلامية» ضروري في الواقع. ومع ذلك؛ فإنه لا ينبغي أن يقف بمفرده. وما يجب أن تقف بجانبه ليس حلا سياسيا يقوم على مجرد حكم رشيد و"نظيف" أو آخر شامل سياسيا. ولا يزال الأمر الذي بحاجة إلى القيام به سواء في سوريا أو العراق هو الحل السياسي الذي يساعد العملية التاريخية لبناء الدولة القومية.

والحقيقة الثانية التي ينبغي مناقشتها هو أن دمج «مساحات» متعددة في دولة واحدة هي مهمة ليس فقط الحكم الرشيد، ولكن أيضا تكامل الأسواق والاعتماد المتبادل. وفي الجنوب؛ وداخل حدوده الطائفية الجغرافية المشتركة، ونحن نرى البصرة، على سبيل المثال، انجرفت بعيدا عن بغداد في حركة بطيئة، ولكنها واضحة. لذلك حتى لو تم تقسيم العراق، فإن هناك فرصة أن التقسيم سيتم تقسيمه إلى أبعد من ذلك تحت عنوان «الحكم الرشيد».

وبعد الحرب العالمية الثانية، واجه الجنرال «شارل ديغول» حركة انفصالية قوية في بريتاني في الشمال الغربي من فرنسا. وبعد كل ما تم فقد كانت هناك سلتيك العنصرية، وكانت لغتها الخاصة ليست فرنسية، وكانت متخلفة اقتصاديا. ووضعت الحكومة المركزية خطة شاملة لدمج المنطقة في فرنسا. واستندت الخطة بشكل صحيح على الترابط الاقتصادي بقدر ما كانت مبنية أيضا على الاستيعاب الثقافي. ولم يُعثر على أثر للانفصاليين في بريتان الآن اللهم إلا في كتابات نادرة على الجدران في حالات نادرة.

الدولة القومية في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر ليست مجرد قضية سياسية. ولا يمكن التقليل منها لتناسب الثالوث الخاص بـ«كلاوزفيتز» والمكون من «الحكومة والجيش والشعب». ويفترض «كلاوزفيتز» وجود الدولة القومية عند نقطة واحدة أو أخرى من مراحل تطورها. وفي العراق وسوريا وبعض الدول الإقليمية الأخرى ليس لدينا متسع لمثل هذا الافتراض.

وفي حالة العراق، والذي يمكن أن يكون عليه الحال في المستقبل في سوريا، ويجب على «الإصلاحات» أن تكتسب تعريفا أوسع قليلا. وينبغي أن تشمل التخطيط لدمج المساحات ثلاثة اقتصاديا على الرغم من كل الفرق الطائفية والقومية. وفي أوروبا؛، شهدنا هذه العملية بدأت من تلقاء أنفسهم قبل تشكيل جنين الدولة السياسية الحديثة. وفي حالة العراق أو سوريا، كان لدينا حالة سياسية قائمة على الواقع الاجتماعي الذي لا يمكن تعريفه بأي درب من الخيال كالدول القومية. تم إنشاء هذه الدول لحل نزاع القوى الاستعمارية حول مناطق النفوذ، وليس كمنتج أصيل في التطور الاجتماعي.

ورغم ذلك، فإن هناك فكرة خطرة تتمثل في «إعادة النظر» في حدود سايكس بيكو في المرحلة الحالية من تاريخ المنطقة. بل الأكثر خطورة هو ترك القوات التلقائية الحالية ترسم الخارطة كما يحلو لها، لتستمر عملية التقسيم في إنتاج انقسامات فرعية. وينبغي أن تكون هناك نقطة بداية من شأنها أن تحافظ على الحدود الحالية وتحاول استكشاف سبل مساعدة مضمونه على أن تدخل عملية التطور.

وفي أوروبا، كان لدينا الدولة السياسية الحديثة باعتبارها تتويجا لعملية مسبقة من تشكيل أمة. وفي الشرق الأوسط كان لدينا هذا النوع من الدولة "الحديثة" التي فرضها المستعمر قبل أن تصل هذه العملية إلى درجة معقولة من التطور. وما ينبغي القيام به الآن هو ما فعله الجنرال «ديغول» في الخمسينيات مع البريتونيين.

وينبغي النظر إلى مفهوم الاندماج الوطني على أنه ليس بديلا لعمل عسكري ضد «الدولة الإسلامية»، ولكن باعتبارها السبيل الصال لحقن عنصر محدد لمصطلح «الحكم الرشيد». وبعبارة أخرى؛ فإن إصلاح الحكومة المركزية في بغداد، وحتى الذهاب بقدر النجاح في العملية السياسية إلى تضمين السنة في الوظائف الحكومية ليست كافيا لبناء العناصر الضرورية لإنشاء الدولة القومية.

إساءة فهم «الحل» السياسي في العراق

التكامل بين الثقافة والسوق والترابط بين الأنشطة الإنتاجية للسكان الإقليميين هو أحد العناصر المفقودة، والتي بدونها ستكون محاولات الحفاظ على وحدة العراق فارغة تقريبا. عدم وجود أي مظاهر فساد، إذا كان ذلك ممكنا، مع وجود حكومة تمثيلية إلى حد ما هو أمر ضروري مثل هزيمة «الدولة الإسلامية» عسكريا. ومع ذلك؛ فإنها جنبا إلى جنب ليست كافية لتحقيق الاستقرار في العراق والحفاظ على وحدتها وتماسكه.

ونحن شهود على عملية شاقة لتشكيل الدولة القومية التي تتكون في كل من العراق وسوريا. وتستغرق هذه العملية عدة مسارات خادعة وملتوية حتى في عقول أولئك العراقيين والسوريين الذين يشاركون بنشاط في ذلك. ولا يوجد أي ضمان على الإطلاق أن هذه العملية سوف تصل في الواقع إلى ما تصبو إليه. وقد تتعثر هذه العملية في صور وأوهام ماضية وأيديولوجيات خادعة، وربما تنتهي البلدان إلى الانقسام.

ولما كانت العملية في المنطقة تسير عكس الطريقة التي تم تبنيها في أوروبا، فينبغي على الحكومات السياسية أن تكون على بينة من حيث مشاكلها، بقدر ما كان الجنرال الفرنسي العظيم. ويمكنك الحفاظ على وحدة البلاد عن طريق استخدام القمع الصريح الذي لا غبش فيه ولا جدال كما فعل صدام أو الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، سوف يكشف الوقت لك أنك لم تخلق حقا بلدا موحدا.

لقد تأخرت هذه العملية لأسباب كثيرة، منها التاريخي (الاستعمار)، ومنها السياسي (الدكتاتورية العسكرية بعد الاستقلال)، ومنها الاقتصادي (الاقتصاديات القائمة على النفط، والفساد). ولكن هذه العملية هي الاسم الحقيقي لأزمة الدولة السياسية في الشرق الأوسط. إنها الدول التي من المفترض أن تكون الدول الحاكمة، والتي في حقيقة الأمر لا وجود لها في الواقع، أو لا تزال عند نقطة واحدة أو أخرى من عملية التشكيل.

ويكمن الجذر الحقيقي لعدم الاستقرار في هذا التشخيص. ويتمثل التحدي في تشكل موقف واضح تجاه المرحلة التاريخية الراهنة في الشرق الأوسط بشرط أن تكون مبنية على قدر من التحليل بشكل واضح وإعادة البناء في العقل. لذا؛ فإن الحل «السياسي» في العراق ليس مجرد بناء حكومة «نظيفة» وشاملة. إنها عملية توحيد الأمة.

وضع بعض السنة إلى جانب بعض الشيعة والأكراد «من حيث الكم» معا في كيس واحد، ووصف ذلك بأنها حكومة لا يخلق بلدا أو دولة. طالما لا يتم توسيع وتكامل القاعدة الاجتماعية والسوقية، فسوف يستمر العراق يعاني من عدم الاستقرار لعقود قادمة.

وفي الواقع؛ فإن هزيمة الدولة الإسلامية أو أي منظمة أخرى مشابهة مشروط بالتعريف الصحيح أين تكمن المشكلة. الدليل على أن العراق في زمن «صدام» كان بمثابة دولة قومية "خاطئة" هو أن بعض الصداميين القوميين الموالين هم الآن قادة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

وبالنسبة للوضع الحالي في العراق، فإن الطاقة السياسية لبناء دولة، والتي ظهرت في شكل عفوي في احتجاجات الشوارع الأخيرة، لم تكن غائبة عن عقول جزء كبير من الطبقة الوسطى في العراق. هذه الطاقة لديها فرصة محدودة لجمع الزخم والدفع للأمام. الإيرانيون على سبيل المثال، أدانوا الاحتجاجات بأنها معادية للإسلام. وقال الجنرال بالجيش الإيراني «حسن فيروز العبادي» أن هناك لاعبين «غير إسلاميين مستترين» يقفون وراء المتظاهرين الذين كانوا يرددون «لا للسنة، ولا للشيعة، ونعم للعلمانية ». العراق كدولة ليس في جدول أعمال طهران.

المتظاهرون لا يعكس مشاعر غالبية السكان بشكل عام. ولن تجدي الاحتجاجات بأي حال. السياسيون الذين لا يدخلون تحت تهمة الفساد والذين أيدوا المتظاهرين كانوا يشيرون إلى هذا المعنى بدقة "كفى فساد"، وهو الشعار الأكثر تداولا ويمثل مستوى الحد الأدنى لصحوة المجتمع المدني في العراق.

وتتطلب هزيمة «الدولة الإسلامية» تقييم المهمة متعددة الطبقات المتمثلة في حكم إصلاحي فاعل وتمثيلي. لكن هذا وحده لا يقول ما الذي يتعين على هذا الحكم القيام به. إذا كان ذلك بهدف التقاط صور للممثلين السياسيين السنة الجدد وهم يعانقون زملائهم الشيعة لأنهم فغروا ثغرهم لهم مبتسمين بينما يخبرونهم أن لديهم جزءا من السلطة السياسية، فإن هذا سرعان ما سيذوب بسبب عدم وجود دولة قومية حقيقية على أرض الواقع. ولا يمكنك خداع التاريخ.

ويجب أن يحصل العراق على المساعدة لرؤية القائمة الطويلة المطلوبة من «الفعل والإجراء» الذي لم يقم به التاريخ أو الحكومات السابقة أو الديكتاتورية أو الطائفية. ولكن ينبغي أن يُنظر إإلى حياة الناس السياسية والأمنية والقيمة الاجتماعية قبل أي شيء آخر.

لا ينبغي لنا أن نقنع أنفسنا بالاكتفاء بالأحكام الفقيرة مثل: إذا وصلنا إلى وجود حكومة شبه نظيفة شاملة في بغداد، والتي من شأنها أن تكون عليه. إن الأمر ليس "كذلك". إن المقياس ينبغي أن يكون قائما على ما سوف تقدمه هذه الحكومة. ليس مطلوبا من الولايات المتحدة أن تتواجد مرة أخرى لدعم الأفكار السخيفة مثل "بناء الدولة" في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر. وتبنى الدول بسواعد شعوبها.

انتصار مفهوم بناء الدولة القومية بشكل جماعي من قبل حكومة عراقية شاملة تتبنى الأداء السليم هو في حد ذاته هزيمة في نهاية المطاف للدولة الإسلامية، وأي مجموعة أخرى مماثلة، سواء أكان ذلك من الناحية الثقافية أو العملية.

  كلمات مفتاحية

العراق الدولة الإسلامية الطائفية الحكم الرشيد التحالف الدولي

«العبادي» ينتقد تصريحات أمريكية عن تقسيم العراق ويعتبرها «جهلا»

مركز الدراسات الاستراتيجية: استقرار العراق لا يتوقف فقط على حرب «الدولة الإسلامية»

في العراق حركة تصحيحية غير مكتملة الأركان

من الذي يحكم العراق؟

تجربة العراق ... لبنانيا: الحكم الفاسد يُسقط الدولة

للمرة الثانية.. «الدولة الإسلامية» يدعو «الإخوان المسلمين» في مصر لمبايعته

العراق.. مقتل 53 من الجيش و«الحشد» في كمائن لـ«الدولة الإسلامية» في الأنبار