سد النهضة أمام مجلس الأمن.. هل ينقذ تدويل القضية حصة مصر المائية؟

الخميس 7 مايو 2020 11:00 م

بعد ماراثون طويل من المفاوضات على مدار أكثر من ثمان سنوات، قررت مصر أخيرا اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي؛ لحل أزمة "سد النهضة" المتنازع عليه مع إثيوبيا، وهو ما يثير التساؤلات حول توقيت وجدوى توجه مصر لتدويل القضية.

وطالبت الخارجية المصرية في خطابها للمجلس، الأسبوع الجاري، بتسوية الملف بشكل عادل ومتوازن للأطراف المعنية الثلاثة (مصر،السودان، إثيوبيا)، بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة، وكذلك تقديم المشورة إلى إثيوبيا، وحثها على توقيع الاتفاق الإطاري المشمول برعاية أمريكية.

ووفق بيان مصري، بهذا الشأن، فإن وزير الخارجية المصري "سامح شكري" تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الإستوني "يورماس رينسالو"، الذي تتولى بلاده رئاسة المجلس، خلال مايو/أيار الجاري، لبحث الأمر.

وتتجهز أديس أبابا للرد على شكوى القاهرة، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، الذي أكد أن مصر "لن تستفيد من الشكوى نظرا لأن ادعاءاتها لا أساس لها"، بحسب موقع "إثيوبيا إنسايدر".

صلاحيات المجلس

تتزامن الخطوة المصرية المتأخرة نسبيا، مع انشغال العالم بمكافحة أزمة فيروس "كورونا"، خاصة القوى الكبرى التي تمتلك حق الفيتو بالمجلس وهي أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الصين، وروسيا، وجميعها تقريبا من أكثر الدول المتضررة، صحيا واقتصاديا، بسبب كورونا.

ويحق لمجلس الأمن عقد جلسات لمناقشة القضايا محل النزاع بين الدول أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، كذلك إصدار قرارات بشأنها، وإحالة النزاعات إلى محكمة العدل الدولية.

وتنص المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، على أنه "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية".

وتمنح المادة 34 من الميثاق، المجلس، حق مناقشة أزمة سد النهضة، وفق نصها التالي: "لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي".

ولا تعني مناقشة الأزمة على طاولة مجلس الأمن، أن المجلس سوف يحسم الخلاف بين مصر وإثيوبيا أو أنه سيصدر قرارات تنفيذية لها صفة إلزامية، حيث تحصر المادة 36، دور المجلس في "أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية"، مع مراعاة أن "المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع عرضها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي للمحكمة".

التحكيم الدولي

ويمكن أن يكون توجه القاهرة إلى مجلس الأمن خطوة مبدئية لنقل الملف إلى مستوى دولي أكبر، خاصة مع رفض أديس أبابا التوقيع على مسودة الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية، فبراير/شباط الماضي.

وزاد الموقف المصري تأزما، مع إعلان إثيوبيا، في بيان، إن "النص الذي قيل إن مصر وقعته بالأحرف الأولى في العاصمة الأمريكية واشنطن، ليس محصلة المفاوضات ولا المناقشات الفنية والسياسية للدول الثلاث".

وتصر أديس أبابا على عدم مشاركتها في أي مفاوضات بشأن سد النهضة "من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية للبلاد"، مؤكدة بدء ملء خزان السد، يونيو/حزيران المقبل، على أن يبدأ توليد الطاقة في فبراير/شباط 2021.

قانونيا، تكمن قوة الموقف الإثيوبي، في أن القانون الدولي "يحتم الاتفاق مع إثيوبيا والسودان أولا"، قبل اللجوء إلى أي هيئات دولية للتحكيم، وهو ما دفع القاهرة إلى التوجه نحو مجلس الأمن، وليس إلى محكمة العدل الدولية.

بخلاف ذلك، فإن الاتفاق الإطاري (إعلان المبادئ) بين مصر والسودان وإثيوبيا، الموقع في الخرطوم في مارس/آذار عام 2015، لم ينص من الأساس على وجود آلية للتحكيم الدولي بين الأطراف الثلاثة.

ولم يحدد الاتفاق آليات يمكن اللجوء إليها لفض المنازعات، كما لم يحدد جهة دولية تكون وجهة للاحتكام والفصل في النزاعات بين أطراف الإعلان، الذي منح إثيوبيا الضوء الأخضر في استكمال بناء السد.

وتنص المادة العاشرة من الاتفاق على أن "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول".

خيارات محدودة

تبدو إذن خيارات الجانب المصري محدودة للغاية، مع تعرضه لاستنزاف تفاوضي، منح نظيره الإثيوبي وقتا ثمينا لإنجاز عمليات البناء في السد بنسبة تتجاوز 86%، وفق تصريحات نائب مدير المشروع، المهندس "بلاتشو كاسا"، فبراير/شباط الماضي.

وتعمل 6 شركات أوروبية وصينية على مدار الساعة لإنجاز جميع جوانب الأعمال الإنشائية والفنية للسد، بكلفة أربعة مليارات دولارات، على أن يتم الانتهاء منه عام 2022.

ومع صعوبة انتزاع موقف رسمي من الاتحاد الأفريقي، الذي تستضيف أديس أبابا مقره، وضعف آليات جامعة الدول العربية، لم يعد أمام القاهرة سوى التعويل على مجلس الأمن.

ويعني اللجوء المصري إلى مجلس الأمن، فشل الوساطة الأمريكية التي رعت الاتفاق الذي وقعت عليه مصر وحدها، خاصة مع عدم رغبة واشنطن في ممارسة ضغوط جدية على أديس أبابا للتنازل عن موقفها، خاصة مع انشغالها الراهن بمواجهة أزمة كورونا.

ومع لجوء مصر إلى مجلس الأمن، تضيق نافذة الخيارات العسكرية التي كانت مستبعدة من البداية، وأصبح يتعين على القاهرة انتظار وترقب مواقف دول "الفيتو" بشأن الأزمة.

ويتعلق الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، برغبة مصر في ملء خزان السد على مدار فترة زمنية أطول (7 سنوات) والحصول على نحو 40 مليار متر مكعب من المياه سنويا (حصتها الحالية 55 مليار متر مكعب)، والمشاركة في إدارة السد، وهو ما ترفضه إثيوبيا.

وتقترح الصياغة الأمريكية ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، بينما تطالب إثيوبيا يتقليص هذه الحصة إلى 32 مليار متر مكعب فقط، مشترطة الحفاظ على منسوب بحيرة السد عند 595 مترا لتضمن بذلك التوليد المستدام وغير المنقطع من الكهرباء.

وفي ضوء استمرار الخلاف، ربما تكون ورقة مجلس الأمن هي طوق النجاة الأخير أمام المفاوض المصري، أملا في تدويل الأزمة، وممارسة ضغط دولي أكبر على إثيوبيا، قد يمكن مصر من انتزاع أي مكسب يؤمن حصة مياه عادلة لشعبها، بعد أن بات السد حقيقة على أرض الواقع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة الإثيوبي مفاوضات سد النهضة

وكالة إثيوبية للمصريين: سد النهضة لتوليد الكهرباء ولا يستهلك المياه

مصر تتقدم بخطاب لمجلس الأمن بشأن تطورات سد النهضة الإثيوبي

تفاصيل شكوى مصر لمجلس الأمن حول سد النهضة.. وإثيوبيا ترد

صادرات مصر إلى إثيوبيا في ارتفاع رغم أزمة سد النهضة

إثيوبيا تعد ردا على شكوى مصر بمجلس الأمن

خطة إثيوبيا لتأمين سد النهضة... كش ملك لمصر