نيويورك تايمز: استراتيجية السيسي لمواجهة معارضي الخارج عبر أقاربهم

السبت 16 مايو 2020 11:44 م

عندما شارك مدون مصري شهير مقطع فيديو مروّع لضابط عسكري يقطع إصبعا من جثة مجهولة ويضرم النار في هذه الجثة، كانت تلك واحدة من أكثر الصور إثارة للصدمة التي خرجت من سيناء، حيث يقاتل الجيش المصري التنظيمات المسلحة منذ أعوام.

وبصفته معارضا من المنفى، كان بوسع "عبد لله الشريف" أن يكون جريئا بما يكفي لبث الفيديو في مارس/آذار. ولكن بعد أيام، اقتحم رجال الأمن منازل أقاربه في مدينة الأسكندرية الساحلية، واعتقلوا شقيقيه بتهم الإرهاب.

والآن، يعيش "الشريف" في قطر، بأمان بعيدا عن متناول قوات الأمن المصرية، بينما يتجرع إخوته مرارة الحبس في سجن شديد الحراسة خارج القاهرة.

وتقول منظمات حقوق الإنسان إن الحكومة المصرية، التي أخمدت كل الانتقادات تقريبا في الداخل، تحاول الآن إسكات المنتقدين في الخارج بسجن أفراد أسرهم في مصر. ومنذ مطلع العام الماضي، اعتقلت أقارب 15 معارضا من المنفى على الأقل.

وحطم رجال الأمن أبواب المنازل، وصادروا الأموال وجوازات السفر، وأجبروا الآباء على التبرؤ من أبنائهم على شاشات التلفزيون، واحتجزوا الآباء والإخوة، وتم اتهام العديد منهم بالإرهاب.

وقال "عمرو مجدي" من "هيومن رايتس ووتش"، التي وثقت مداهمة قوات الأمن لمنازل عائلات 14 معارضا في الخارج: "لا يقل الأمر عن كونه عقاب جماعي.. فقد تم اعتقال أو محاكمة 20 من الأقارب على الأقل".

وقال "الشريف" الذي غالبا ما تجذب مقاطع الفيديو الخاصة به على "يوتيوب" مليونين أو 3 ملايين مشاهدة، إن المسؤولين المصريين أخبروه أنه إذا أوقف بثه النقدي، فسيتم إطلاق سراح إخوته.

وقال: "أشعر بضغوط حقا. لقد فقدت شهيتي. يتصل بي أبي وأمي طوال الوقت، يبكيان على الهاتف، يطلبان مني أن أتخلى عما أفعله. لا أعرف ما يجب القيام به".

ولطالما استخدم حكام مصر مثل هذه التكتيكات ضد أسر تجار المخدرات المشتبه فيهم والمسلحين كذلك. ولكن مع تصعيد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" للقمع في الأعوام الأخيرة، وسع تركيزه لاستهداف أسر المعارضين والصحفيين والشخصيات المثقفة في الخارج.

وتتعلق إحدى الحالات الأخيرة بممثل في المنفى، وهو "محمد شومان"، الذي وجه نداء عاطفيا على "فيسبوك" من تركيا لإطلاق سراح شقيقه وابنه، الذي قال إنه تم سجنهما انتقاما لدوره في فيلم يسلط الضوء على وحشية الشرطة.

وداخل مصر، سجن "السيسي" المعارضين، وأخضع إلى حد كبير وسائل الإعلام. واستحوذت أجهزة المخابرات الخاصة به على حصص في أكبر القنوات الخاصة، وحظر أكثر من 500 موقع على الإنترنت، بل تحكمت أجهزة المخابرات في نصوص المسلسلات التلفزيونية التي يشاهدها المصريون حاليا خلال شهر رمضان الكريم.

لكن قبضة "السيسي" الحديدية على وسائل الإعلام المصرية ربما ساعدت عن غير قصد في توجه الناس إلى وسائل الإعلام والمدونين المقيمين في الخارج.

وتقدم جميع المحطات التلفزيونية المصرية الخاصة، المستقلة اسميا، أخبارا وتعليقات متشابهة مؤيدة للدولة. ويبدو أن مضيفي البرامج الحوارية يقرأون نفس النص.

وتظهر النشرات الإخبارية نفحة من السيطرة في الحقبة السوفيتية، حيث يوصف منتقدو الحكومة كوكلاء لجماعة "الإخوان المسلمون"، أو عملاء لدولة قطر.

وعندما توفي الرئيس السابق "محمد مرسي"، في يونيو/حزيران، نشرت كل المحطات التلفزيونية المصرية نفس النشرة المكونة من 42 كلمة، والتي أعدتها الأجهزة الأمنية.

ويتحول المشاهدون المصريون، الذين يشعرون بالملل من البرامج المتشابهة، أو يبحثون عن أخبار "غير مفلترة"، إلى وسائل الإعلام الأجنبية كبديل بشكل متزايد.

وبالإضافة إلى قنوات "يوتيوب"، مثل قناة "عبدالله الشريف"، توجد أدلة على أن العديد من المصريين يشاهدون بهدوء محطات التلفزيون المعارضة مثل "الشرق و"مكملين"، التي تتخذ من تركيا مقرا لها، والتي تتعاطف مع جماعة "الإخوان المسلمون".

وقال "عز الدين فيشر"، المحاضر في سياسات الشرق الأوسط في كلية دارتموث: "يمنح النظام هدية لمعارضيه الإسلاميين. فإذا كانت كل القنوات التلفزيونية تقول الشيء نفسه، وجميع الصحف لها نفس العنوان، فأنت تحتاج على الأقل إلى شخص يسخر من الرئيس أو النظام. وهو ما يجده الناس في المنافذ المعارضة".

لكن مثل المحطات في مصر، تقدم المنافذ الخارجية في بعض الأحيان تغطية إخبارية حزبية للغاية، وتتضمن معلومات كاذبة.

لكنهم يعرضون أيضا محتوى متنوع يتجاوز الخطوط الممنوع تجاوزها في الداخل، مثل السخرية من "السيسي"، أو مقاطع فيديو من سيناء المغلقة، فضلا عن مقتطفات من المعلومات عن حياة "السيسي" وعائلته.

وكانت مقاطع فيديو "محمد علي" علىيوتيوب، وهو مقاول بناء ساخط يعيش في إسبانيا، أثارت احتجاجات في القاهرة في سبتمبر/أيلول ضد القصور التي يبنيها "السيسي" لنفسه في جميع أنحاء مصر.

وأثار مدون الفيديو "عبدالله الشريف" الغضب بفيديو مسرب تم تصويره داخل قصر قيد الإنشاء في العلمين. وبعد عدة أسابيع، أجبر رجال الأمن والد "الشريف" على إدانته علنا على شاشة التلفزيون.

وقال "محمد" والد "الشريف" الذي خرج بالدموع في لقطات تم بثها على قنوات مؤيدة للدولة: "الناس مستاؤون منا أيضا. ونحن مجرد أناس عاديين".

واتهمت الحكومة "الشريف" بأنه مدفوع من جماعة "الإخوان المسلمون" ودولة قطر. وقال "الشريف" إن عمله ممول من راتب وظيفته كمحرر في محطة تلفزيون عربية، رفض تسميتها، وعائدات المشاهدات من موقع "يوتيوب".

وتعرض أقارب مذيعين معارضين آخرين لتكتيكات مماثلة.

وبث "هيثم أبو خليل"، المذيع في تلفزيون "الشرق" في إسطنبول، صورا مسربة لزوجة وأبناء "السيسي" في أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد أيام، سحب عناصر الأمن شقيقه "عمرو أبو خليل"، وهو طبيب نفسي، من عيادته أثناء متابعة المرضى. وتم احتجاز الدكتور "أبو خليل" في السجن حتى الآن.

وقال "هيثم أبو خليل"، الذي وصف نفسه بأنه عضو سابق في جماعة "الإخوان المسلمين": "لا يوافق أخي حتى على عملي. لقد جاء اعتقاله كعقاب، ورسالة مفادها أن ما أقوم به له ثمن".

وقال "الشريف" إنه علم مؤخرا أن محكمة مصرية حكمت عليه بالسجن المؤبد بسبب المقاطع التي يبثها على "يوتيوب". وقال إنه "من المؤلم" معرفة أن إخوته موجودون في السجن شديد الحراسة ​​الأقسى في البلاد بسببه. لكنه شكك في أنه سيتم الإفراج عنهم، حتى لو توقف عن بث فيديوهات.

المصدر | ديكلان وولش - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جهاز القمع المصري الإعلام المصري عبد الله الشريف المخابرات المصرية

عبدالله الشريف ينشر صور قصور جديدة للسيسي وقادة الجيش

مصر تحذر واشنطن بوست ونيويورك تايمز.. لماذا؟

كيف حول السيسي مصر إلى مقبرة للصحفيين؟

الترويج للأنظمة واستهداف المعارضين.. المهام غير التقليدية للسفارات العربية في الخارج

السيسي: نقبل المعارضة بشرط.. وربنا وفقنا في أزمة كورونا