عصر «الإعــلام الأمـني» في مصــر

الخميس 20 أغسطس 2015 10:08 ص

تزامنت مؤخرا قضية وشاية إحدى المنتسبات إلى مهنة الصحافة بزميل لها في مصر، ما أدى إلى القبض عليه بتهمة «الإنتماء إلى الإخوان»، مع صدور قانون مكافحة الإرهاب، ومادته رقم (35) التي تعتبر «تاريخية» في انتهاكها لحرية التعبير، ويتوقع كثيرون أن تؤدي إلى الطعن بعدم الدستورية على القانون.

وأنتج هذا التزامن صورة قاتمة لمستقبل حرية الصحافة التي «أصبحت ممارستها جريمة» حسب بيان لمنظمة «مراسلون بلاحدود» أمـس الاول، وهذه منظمة مهنية محترمة، وليست متهمة من النظام المصري، مثل منظمات حقوقية دولية أخرى، بتسييس الأحداث لمصلحة جماعة «الإخوان» ومن يدعمونها.

واعتبر صحافيون مصريون كثيرون أن هذا القانون يقضي عمليا على مهنة الصحافة إذ جعل مهمتها فقط أن تبلغ الناس ما تقوله الأجهزة الأمنية بالنسبة إلى الأعمال الإرهابية، وإلا الغرامة التي تتراوح بين مائتي الف وخمسمائة الف جنيه، وهو مبلغ خرافي بالنسبة للاغلبية الساحقة من الصحافيين الذين سينتهون في السجن مع عجزهم المؤكد عن دفعه. وهكذا التفت هذه الصياغة الجديدة للمادة من أجل إبقاء عقوبة الحبس التي تتعارض مع الدستور.

وعلق أحد الصحافيين بأنه حتى إذا كان يملك هذا المبلغ فالمؤكد أنه سيفضل دخول السجن على أن يدفعه للحكومة ويترك أولاده يتشردون في الشوارع.

والغريب أن يصدر الرئيس «عبد الفتاح السيسي» هذا القانون القمعي بعد كل الحراك الثوري الذي عرفته مصر خلال السنوات الماضية، وهو ما كان عجز عنه الرئيس المخلوع «حسني مبارك» قبل عشرين عاما (كان معروفا حينئذ بالقانون 93) بعد أن قرر الصحافيون النضال لإسقاطه، وهو ما حصل فعلا بالرغم من حجج «مبارك» ومبرراته بشأن العمليات الإرهابية التي كانت عرفتها مصر في عقد التسعينيات.

وحاولت الحكومة أمس أن تطمئن الصحافيين بأن القانون «موجه ضد الإخوان والإرهابيين فقط»، لكن الواقع هو أن عدم وجود القانون في الماضي، لم يمنع اعتقال الآلاف وإصدار إحكام إعدام بالجملة، وهو مايشير إلى أن الهدف من إصداره القمع المباشر للمجتمع، بفضل نصوصه المترهلة التي تسمح باتهام أي شخص بالإرهاب اذا كتب مقالا أو خبرا يمثل «مسـاسا او تهديدا للسلم الاجتماعي» (..) من وجهة نظر النظام على سبيل المثال.

أما حديث رئيس الوزراء عن ضرورة توافر «شرط التعمد» لتطبيق القانون فلا يمثل ضمانا قانونيا، ناهيك عن أن هذا الكلام غير موجود في المادة 35 سيئة السمعة.

أما بالنسبة للاختراق الأمني للمؤسسات الإعلامية فليس جديدا، لكن الجديد حقا هو أن تتحول المؤسسات إلى «أدوات أمنية أسـاسا» من حيث وظيفتها، وتكوينها.

ويدرك من يملكون خبرة العمل في الصحافة المصرية أن وجود واحد أو أكثر من «الأمنجية» أو المتعاملين مع الأمن كان دائما «شـيئا طبيعيا ومعروفا للجميع» في المؤسسات الصحافية، لكن ما حدث منذ نهايات عهد «مبارك» وتفاقم مؤخرا هو أن «المشكلة لم تعد في وجود الامنجية، ولكن في عدم وجود صحافيين أصلا» كما يتندر صحافيون، بالإشارة إلى العدد الكبير من عملاء الأمن.

وكان إيجابيا أن يخرج إعلاميون مصريون أمس مطالبين بتطهير بلاط صاحبة الجلالة الصحافة من «الأمنجية» حفاظا على سمعتها ودورها، لكن من المهم أن يسأل احد لماذا تحدثت وسائل الإعلام فقط عن الوشاية الأمنية بهذا المصور الصحافي، وتغاضت عن برامج يومية وإعلاميين «كبار جدا» لا ينكرون أصلا علاقاتهم بالأمن؟ 

ناهيك عن أولئك الذين ظهرت أسماؤهم (وبعضهم يعتبر نفسه من أبطال ثور يناير وثورة يونيو وربما أي ثورات أخرى على الطريق) في تسجيلات تؤكد أنهم يتلقون تعليمات مباشرة من النظام حول ما يجب أن يقولوه بل وكيف يقولونه.

وأخيرا فمن حق النظام المصري وواجبه في آن مبدئيا أن يعيد النظر في القوانين لضمان تحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب، ضمن منظومة شاملة للاصلاحات التعليمية والسياسية والاقتصادية، لكن ما فعله قانون مكافحة الإرهاب هو أنه قدم أكبر خدمة للإرهاب الذي يفتقر إلى أي حاضنة شعبية في بلد معروف تاريخيا بالاعتدال ثقافيا وأيديولوجيا.

أما اعتماد «الإعلام الأمني» متحدثا باسم النظام فسيؤدي حتما إلى افقاده مصداقيته، وسيعيد إلى ذاكرة المصريين نوعا من الإعلام تواكب مع كوارث ونكسات تاريخية، لن يسمحوا بتكرارها.

  كلمات مفتاحية

مصر حرية الصحافة السيسي الصحفيين الانقلاب الحريات قانون الإرهاب

الخارجية الأمريكية تعرب عن قلقها إزاء «قانون الإرهاب الجديد» في مصر

«قانون الإرهاب» يحكم مصر.. وحقوقي: يؤسس لدولة الخوف

تكثيف الهجوم الإعلامي المصري على قطر بعد إعلانها الاستعداد لـ«وساطة» مع الإخوان

إعلامي مصري يعلن دعمه لـ«الجيش القطري الحر» ويصف الأمير «تميم» بـ«الانقلابي»

تطاول إعلامي مصري على قطر و«العطية» بعد عرض الوساطة

صحافيو مصر يستذكرون تردي أوضاع الصحافة والحريات