سوق النفط «يفقد إيمانه» بالاستراتيجية السعودية

الثلاثاء 25 أغسطس 2015 12:08 م

حتى الآن لم تظهر بوادر تذكر على نجاح الاستراتيجية السعودية لإعادة التوازن إلى سوق النفط من خلال فترة من الأسعار المنخفضة إذ يردد المنتجون المنافسون أنهم سيرفعون الإنتاج حتى إذا انخفضت الأسعار إلى مستويات دنيا جديدة، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.

ويصر المسؤولون عن رسم السياسة السعودية أن المملكة ستحافظ على حصتها في السوق وتترك للأسعار المنخفضة مهمة التخلص من فائض المعروض من خلال إرغام المنتجين الذين يتحملون تكلفة إنتاج مرتفعة على خفض إنتاجهم وإنعاش الطلب على الوقود.

ومع انخفاض الأسعار أكثر من النصف بالمقارنة مع هذه الفترة من العام الماضي ينمو استهلاك النفط بواحد من أسرع المعدلات منذ عشر سنوات.

وثمة مؤشرات على أن نمو إنتاج شركات النفط الصخري وغيرها من المنتجين من خارج منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك)  بدأ يتباطأ غير أنه لم يبدأ الانخفاض حتى الآن.

وفي «أوبك» نفسها، يوجد منتجون آخرون على رأسهم العراق وإيران عازمون على مواصلة زيادة إنتاجهم حتى مع انخفاض الأسعار.

وقال «بيجن زنغنه» وزير النفط الإيراني في تقرير إخباري نشره موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية على الإنترنت (شانا) «سنرفع إنتاجنا بأي ثمن ولا بديل أمامنا».

وأضاف «إذا لم تتم زيادة إنتاج النفط الإيراني على النحو السليم فسنخسر حصتنا في السوق بصفة دائمة».

وربما لا تكون الاستراتيجية السعودية كافية للقضاء على الفائض وتؤدي إلى زيادة مطردة في الأسعار في العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة.

وكانت مرونة الإنتاج من خارج «أوبك» رغم هبوط الأسعار واقترانها بمعركة متواصلة للحفاظ على حصة في السوق داخل أوبك» نفسها عاملا أسهم في "العقد الضائع» في أسواق النفط بعد عام 1986.

ويخشى منتجو النفط ومستثمروه أن تتكرر هذه الورطة من جديد.

«الاستراتيجية السعودية»

قال وزير النفط «علي النعيمي» في برلين في مارس/ آذار الماضي «ليس من دور السعودية أو أي دول أخرى بعينها في أوبك أن تدعم المنتجين بتكلفة أعلى بالتنازل عن حصة من السوق».

وأضاف أن «السعودية مطالبة بإجراء تخفيضات سريعة وكبيرة في الإنتاج. هذه السياسة جربت في الثمانينات ولم تحقق نجاحا. ولن نرتكب الخطأ ذاته مرة أخرى»

ويبدو أن الحسابات السعودية هي أن المملكة يمكنها اجتياز فترة مطولة من الأسعار المنخفضة أفضل من معظم الآخرين في السوق باعتبارها منتجا منخفض التكلفة باحتياطيات مالية ضخمة وليس عليها ديون تقريبا.

وما إن يضطر المنتجون من أصحاب التكلفة الأعلى وأصحاب المراكز المالية الضعيفة لخفض انتاجهم فسترتفع الأسعار وستفوز السعودية بالحسنيين - الأسعار الأعلى ونجاحها في الدفاع عن حصتها في السوق.

والمشكلة أنه لا توجد حتى الآن علامات تذكر على أن الإنتاج من خارج «أوبك ينخفض فعليا كما أن دولا أخرى من أعضاء «أوبك تحاول حاليا زيادة إنتاجها لا تقييده.

مرونة المعروض

طبقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بدأ إنتاج النفط الصخري ينخفض فعليا وسيستمر انخفاضه خلال بقية العام ويمتد إلى عام 2016 ما لم تنتعش الأسعار.

وتتوقع شركة «إي.أو.جي. ريزورسز» أحد أكبر منتجي النفط الصخري أن يتجه الانتاج للانخفاض في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب،  ومن المنتظر أن يتضح ذلك عندما تنشر البيانات في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الأمر الذي سيبرهن على صحة التفكير السعودي.

غير أن منتجين آخرين للنفط الصخري مثل «بايونير» أكثر جرأة ويقولون إنهم سيتمكنون من مواصلة زيادة الإنتاج في النصف الثاني من 2015 وخلال 2016 حتى مع انخفاض الأسعار.

وتظهر سجلات الإنتاج من نورث داكوتا أن الإنتاج بدأ يتوقف عن الزيادة لكنه مازال قرب ذروته عند 1.2 مليون برميل في اليوم.

ومن المرجح أيضا أن يحدث بعض الانخفاض في الإنتاج لدى منتجين آخرين غير أعضاء أوبك ولا يستخرجون النفط الصخري من مشروعات تقليدية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وبحر الشمال ومناطق أخرى من العالم.

وأعلنت شركات نفط عالمية كبرى ومنتجون مستقلون بارزون تخفيضات حادة في ميزانيات الاستكشاف والانتاج وهو ما ينتظر من الناحية النظرية أن يترجم إلى انخفاض في الإنتاج بمرور الوقت.

وتظهر إحصاءات منصات الحفر التي نشرتها شركة «بيكر هيوز» إن عدد منصات الحفر العاملة في المواقع غير الصخرية خارج أوبك انخفض أكثر من 20 % منذ يوليو/ تموز 2014.

وتتنبأ وكالة الطاقة الدولية أن المعروض من خارج منظمة «أوبك» سيستقر في الأساس في عام 2016 بعد نموه بمقدار مليون برميل يوميا في 2015 و2.4 مليون برميل يوميا عام 2014.

لكن نمو الإنتاج من خارج «أوبك» سواء من منتجي النفط الصخري أو التقليدي قد يتضح أنه أكثر مرونة مما افترضته السعودية ومنظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية فيما يمثل إعادة لما حدث في الثمانينات.

هل سيضيع عقد آخر؟

قال «علي جيدة» الأمين العام السابق لأوبك» في مؤتمر مغلق عام 1988 «لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للسعر المنخفض أن يحافظ على الاستثمار في المواقع النفطية مرتفعة التكلفة ولا بد أن أحدا ما في مكان ما بدأ يفقد صبره».

وكتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 1986 تقول «تعتقد السعودية أن حرب الأسعار ستقضي في النهاية على جانب كبير من المنتجين من خارج أوبك مثل بريطانيا والولايات المتحدة لأن استخراج نفطهم باهظ التكلفة».

وسيفسح خروج هذا النفط المجال بدرجة أكبر أمام نمو إنتاج «أوبك».

غير أنه في حين أن الإنتاج من خارج «أوبك» توقف عن النمو أربع سنوات بعد عام 1985 فقد تحدى توقعات انخفاضه وبدأ يرتفع بقوة مرة أخرى في أوائل التسعينات.

وقال «موريس اديلمان» الاقتصادي في ماساتشوستس «انستيتيوت أوف تكنولوجي» شارحا الأمر «صدمة سعر النفط جمدت الاستثمار. ولم تطرأ زيادة تذكر على الانتاج من خارج أوبك من 1985 إلى 1992. لكن عدم انخفاضه كان خيبة أمل كبيرة».

وكان أحد أسباب عدم انخفاض الانتاج أن الأسعار الأقل حفزت حملة لزيادة كفاءة الإنتاج بما في ذلك استخدام المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد على نطاق واسع والحفر الأفقي للمرة الأولى.

في الوقت نفسه، كافحت أوبك» لتقييد إمداداتها. وأصرت السعودية على الحفاظ على حصتها من إنتاج المنظمة، بينما سعت دول أخرى من بينها العراق وإيران والكويت والامارات لزيادة حصصها.

كان الكل يريد حصته من السوق ويتوقع أن يخفض طرف آخر الانتاج من أجل دعم الأسعار. وكانت النتيجة زيادة لا نهاية لها ومحبطة في إنتاج «أوبك».

وعلى مدى 20 عاما تقريبا، تنبأ خبراء بأن نمو الطلب مقترنا بتباطوء الإمدادات من خارج أوبك» سيمكن المنظمة من زيادة إنتاجها والقضاء على فائض الطاقة الإنتاجية ورفع الأسعار بشكل كبير.

لكن شيئا من هذا لم يحدث. ولم تتحرك أسعار النفط عن المستوى الذي انخفضت إليه عامي 1986 و1987 بالأسعار الحقيقية إلا في 2003.

البرهان أخيرا؟

ثمة اختلافات رئيسية بين 1986 وسوق النفط اليوم. في عام 1986 كانت هناك طاقة انتاجية فائضة عن الحاجة تقدر بستة ملايين برميل يوميا غير مستغلة موزعة فيما بين أعضاء أوبك بالمقارنة مع أقل من مليوني برميل يوميا في الوقت الحالي.

لكن هناك أوجه شبه من بينها إصرار السعودية أنها لن تخفض الإنتاج ومحاولات العراق وإيران زيادة إنتاجهما ومرونة الإنتاج من خارج «أوبك» حتى الآن في مواجهة الأسعار المتراجعة.

ورغم كل شيء فمن المحتمل أن تتأكد صحة الاستراتيجية السعودية - إذ أن تحول أزمة في الأسعار إلى تغييرات في الإنتاج والاستهلاك أمر يستغرق وقتا.

وثمة تأخر في بيانات الإنتاج. ومن المحتمل أن يكون إنتاج النفط الصخري وكذلك الإنتاج غير الصخري من خارج أوبك» قد بدأ ينخفض رغم أن ذلك لم يظهر في الأرقام الرسمية بعد.

وينمو الطلب بقوة لا سيما في الولايات المتحدة مع تعثر الاقتصاد الصيني رغم أن ثمة شكوك بدأت تظهر في هذا الأمر أيضا.

ومن الممكن أن تؤدي الأسعار المنخفضة إلى إفلاسات في قطاع النفط الصخري بالولايات المتحدة أو إلى تخفيضات طوعية في الإنتاج كما أنها ستؤدي بالتأكيد إلى تركيز الأفكار داخل «أوبك».

وإذا انخفضت الأسعار بدرجة كافية ولفترة كافية فستتسبب في أزمة ما في السوق مثلما حدث في أوقات مختلفة بعد عام 1986 وإلى إعادة توازن بصفة مؤقتة على الأقل.

لكن الآمال بدأت تتبخر في أن تتمكن السعودية من فرض إعادة توازن سريع للعرض والطلب دون ألم يستمر سنوات لكل منتجي النفط.

  كلمات مفتاحية

سوق النفط السعودية

ن.تايمز: السعودية تنفق من الاحتياطي 10 مليارات دولار شهريا لتعويض هبوط النفط

تهاوي الأسهم الخليجية والمصرية بفعل النفط وخفض النظرة المستقبلية للسعودية

رجال أعمال واقتصاديون سعوديون متخوفون من «غيمة اقتصادية سوداء» مع هبوط النفط

بسبب تراجع النفط: أسواق الإمارات تخسر أكثر من 10 مليار دولار في أسبوع

تهاوي أسعار النفط .. الآمال والمخاطر

«بزنس تايمز»: الحرب النفطية السعودية انقلبت بنتائج عكسية على اقتصاد المملكة

معركة النفط.. من يحسم صراع «عض الأصابع» بين أمريكا والسعودية وروسيا؟

توقعات بتجاوز عجز الموازنة السعودية 80 مليار دولار