هل تورط الإمارات مصر في مستنقع عسكري بليبيا؟

الاثنين 22 يونيو 2020 10:21 م

"تجاوز سرت والجفرة بالنسبة لنا خط أحمر".. بهذه الكلمات عبر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" عن رفض قاطع لمواصلة قوات حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا، لعملياتها العسكرية الهادفة إلى تحرير الخط الواصل بين الموقعين الفاصلين بين شرق ليبيا وغربها، وسط تلويح بتدخل عسكري مصري لمنع هذا التقدم.

وأثار الموقف المصري بإطلاق تهديد نادر بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا تساؤلات المراقبين حول الدافع الحقيقي له، خاصة أن مدينة سرت كانت تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق فعليا حتى شهر يناير/كانون الثاني الماضي، عندما اقتحمتها قوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر"، الذي ينازع حكومة الوفاق السلطة، ويتلقى دعما من الإمارات وروسيا وفرنسا ومصر.

ولم يصدر عن القاهرة، آنذاك، أية تهديدات بالتدخل عسكريا في ليبيا، ما يرجح وجود دوافع سياسية جديدة وراء تصريحات "السيسي" لا علاقة له بما أعلنه حول أمن مصر القومي وتأثير تقدم قوات الوفاق عليه.

وتشير أصابع اتهام عديدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد الداعم الأول لنظام "السيسي" ولـ"حفتر" أيضا، حث يعتقد مراقبون أن أبوظبي مارست ضغوطا على القاهرة للتلويح بالتدخل العسكري في ليبيا وانتقاد حكومة الوفاق وحلفائها في أنقرة.

الأمر يعضده ما جاء في تغريدة للأكاديمي الإماراتي "عبدالخالق عبدالله"، المقرب من ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، ذكر فيها أن طرابلس باتت أول عاصمة عربية تقع تحت "الاحتلال التركي"، على حد تعبيره، وأن "الرهان على دور مصري حاسم خاصة للجيش المصري الذي يعد ضمن أقوى 10 جيوش في العالم" حسب قوله.

 

 

فبعد انهيار قوات "حفتر"، خلال معارك غرب ليبيا في الأسابيع الماضية، وظهور مؤشرات على سحب الإدارة الأمريكية لموافقتها الضمنية على توغلها العسكري في الغرب، بدأت العديد من القوى الداعمة له في مراجعة حساباتها، وهو ما مثل ضغطا قويا على موقف الإمارات، التي لا تملك التدخل المباشر بجيشها في ليبيا، وتعتمد على دعم القوات الأجنبية وإرسال المرتزقة لدعم "حفتر".

ومع استمرار أزمة تفشي فيروس "كورونا" المستجد وانهيار أسعار النفط، باتت قدرة أبوظبي على الاستمرار في تمويل هذا النوع من التدخل محدودة بشكل ما، ناهيك عن كونه أثبت عدم جدواه بعد تدخل تركيا دعما لحكومة الوفاق، ما يعني أن الرهان الوحيد أمام "بن زايد"، ومن خلفه "السيسي"، هو التلويح بالتدخل المباشر من قبل الجيش المصري، تحت ذريعة الأمن القومي.

مليار دولار

لكن ما الذي يدفع "السيسي" ونظامه إلى التماهي مع الضغوط الإماراتية؟ يربط المراقبون بين ذلك وبين ما نشرته وكالة "رويترز" بتاريخ 16 يونيو/حزيران الجاري، نقلا عن 3 مصادر مطلعة، حول رغبة الحكومة المصرية في الحصول على قرض بأكثر من مليار دولار، وقيامها بمخاطبة "بنوك إماراتية" لترتيب التمويل.

وألحقت أزمة "كورونا" بمصر أضرارا مالية ضخمة، بعدما توقفت عائدات السياحة وتقلصت تحويلات المصريين العاملين بالخارج وشرعت رؤوس الأموال في النزوح، ما دفع الحكومة إلى الحصول على قرض بقيمة 2.77 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وفق آلية التمويل السريع في مايو/ أيار الماضي، والدخول في مفاوضات متقدمة للحصول على قرض آخر بقيمة 5  مليارات و200 مليون دولار لمدة عام.

كما باعت مصر سندات بقيمة 5 مليارات دولار أخرى في مايو/ أيار الماضي، في الوقت الذي انخفضت فيه احتياطيها من العملات الأجنبية بقيمة 5 مليارات و400 مليون دولار في مارس/ آذار الماضي وأكثر من 3 مليارات دولار في أبريل/ نيسان الماضي ومليار دولار في مايو/ أيار الماضي.

من الواضح إذن أنه في الوقت الذي يسعى فيه "السيسي" لتدبير المزيد من الأموال لتمويل مشروعاته وسد عجز الموازنة، تسعى أبوظبي للعب بورقة الأموال التي تجيد توظيفها جيدا، مقابل ابتزاز بعض المواقف السياسية من الرئيس المصري، الذي لا يبدو أنه يمانع في ذلك.

حشد الحدود

وفي هذا الإطار، يمكن قراءة مغزى ما نشره موقع "ديفينس بلوج"، المعني بالشؤون الأمنية، في 8 يونيو/حزيران الجاري، حول نشر القوات المسلحة المصرية دبابات "أبرامز" القتالية على الحدود مع ليبيا، والفيديو الذي نشره الصحفي ومحلل الطيران العسكري "باباك تجافي"، عبر "تويتر"، مظهرا 18 من هذه الدبابات وهي في حالة استعداد لدخول ليبيا لمحاربة "الميليشيات الإسلامية المدعومة من تركيا" حسب تعبيره.

ومن الواضح أن مصر بدأت بالفعل في استعراض القوة العسكرية في الساحة الليبية بشكل أكثر وضوحا، حيث تشير مصادر إلى تدخل طائرات "رافال" المصرية وتعطيل تقدم قوات الوفاق نحو سرت، وتدمير عدد من آلياتها العسكرية.

وفيما يبدو، فإن صانع القرار المصري يريد أن يجد لنفسه موضعاً في المعادلة الليبية بعدما شعرت القاهرة بتقلص نفوذها بسبب رهانها على "حفتر"، ناهيك عن التجاهل الكبير الذي قوبلت به مبادرة القاهرة، المثيرة للجدل، التي تم طرحها في وقت سابق من الشهر الجاري.

لكن هل يعني ذلك توجه مصر نحو مواجهة عسكرية واسعة مع قوات الوفاق أو تركيا؟ يبدو هذا الخيار مستبعدا حتى الآن في ضوء سوابق القاهرة في هذا الشأن، إذ سبق للإمارات أن طلبت من "السيسي" عدة مرات إرسال قوات مصرية إلى ليبيا، لكنه كان ينصح دائماً بأخذ مسافة عن ما يحدث داخل ليبيا منعاً لتوريط الجيش المصري.

وتدرك مصر أنه ليس من مصلحتها فتح جبهة عسكرية مع تركيا بشكل مباشر، خاصة مع توالي الإشارات القادمة من حكومة الوفاق وبعض المسؤولين الأتراك حول رغبتهم في التفاهم مع القاهرة حول مستقبل الأوضاع في ليبيا.

ولذا، يرى الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد "نصر سالم" أن تحركات الجيش المصري على الساحة الليبية ستقتصر على الدعم الجوي والبحري لقوات "حفتر"، مضيفا: "وجود قوات مصرية بالقرب من الحدود الليبية لا يعني أنها ستعبر الحدود"، وفقا لما نقلته عنه قناة "الحرة" الأمريكية.

وعن طريق ضربات سلاح الجو المصري، يمكن للقاهرة الظهور بمظهر "المقاتل" في ليبيا، بما يمكنها من استمداد الدعم المالي الإماراتي حتى آخر دولار ممكن، وضمان إقامة "منطقة عازلة" على نصف مساحة ليبيا تقريبا، وهو الهدف الأهم وفق منظور القاهرة لأمنها القومي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي العلاقات المصرية الليبية تدخل عسكري مصر تدخل عسكري

الأمن القومي الأمريكي: نعارض بشدة التصعيد العسكري في ليبيا

روسيا بعد تصريحات السيسي: الحسم العسكري بليبيا مستحيل

ليبيا.. لماذا تعتبر سرت خطا أحمر لدى الجميع؟

دعم الخليج لمصر بليبيا.. حماية للعرب أم نكاية في قطر؟

سيناريو الحرب المصرية التركية في ليبيا

أقطاي: السعودية والإمارات تريدان من السيسي احتلال ليبيا

تركيا: السيسي أداة لقوى خارجية بليبيا أو طامع بآبار النفط