ليبيا.. لماذا تعتبر سرت خطا أحمر لدى الجميع؟

الاثنين 22 يونيو 2020 08:12 م

تعطل التقدم السريع لقوات حكومة طرابلس المدعومة من تركيا في مدينة سرت الساحلية الرئيسية، مع تعزيز روسيا لدورها في الصراع، ما ينبئ بمساومة صعبة قادمة بين أنقرة وموسكو.

بعد أن ساعدت الطائرات المسيرة التركية في قلب الموازين لصالح حكومة الوفاق الوطني، واجهت أنقرة قيودًا مع تحرك القوات الحكومية بعيدًا عن طرابلس لمطاردة قوات الجنرال "خليفة حفتر".

أما على جانب "حفتر"، فقد انضمت طائرات روسية من طراز "ميج-29" لطائرات مسيرة مقدمة من الإمارات، حيث يبدو أن روسيا تحاول عرقلة أي تقدم إلى سرت.

خط أحمر لدى الجميع

أثارت هزائم "حفتر" حول طرابلس توقعات بأن الأطراف ستعود إلى المواقع التي كانت تسيطر عليها قبل أن يشن "حفتر" هجومه على العاصمة في أبريل/نيسان 2019 وأن هناك شراكة تركية روسية ستتشكل لتوجيه العملية مستقبلًا.

وبعد خسارة الجيش الوطني الليبي لقاعدة "الوطية" الشهر الماضي، سحبت موسكو مرتزقة "فاجنر" الذين دعموا "حفتر" إلى الجفرة في وسط ليبيا، فيما اعتُبر إشارة على أن المنطقة ستصبح خطًا أحمر روسيًا.

استولى "حفتر" على الجفرة في عام 2017، بينما سقطت سرت (تقع على بعد حوالي 300 كيلومتر إلى الشمال) بيد قواته في يونيو/حزيران 2019.

أرسلت روسيا 14 طائرة من طراز "ميج-29" و"سو-24" على الأقل إلى الجفرة في أواخر مايو/أيار، في رسالة بأنها لن تسمح بسقوط سرت وتكرار انتصارات حكومة الوفاق السهلة نسبيا مثل الوطية وترهونة.

في 14 يونيو/حزيران، أجل وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان زيارة إلى تركيا في اللحظة الأخيرة، حيث قيل إن الاتصالات الثنائية ستستمر على مستوى أقل.

انسحب الروس من المحادثات بعد أن رفضت تركيا اقتراحًا مصريًا بوقف إطلاق النار يتماشى مع الخطة الروسية، وأظهر المسؤولون الأتراك عزمًا على الحفاظ على الدعم العسكري لحكومة الوفاق الوطني.

وفي مقابلة تليفزيونية في 8 يونيو/حزيران، ذكر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن سرت والجفرة وحقول النفط الرئيسية هي الأهداف التالية للحملة، واعترف بأن روسيا "منزعجة"، قائلًا إنه سيناقش الأمر مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

كان الصراع المحتدم على سرت واضحًا بالفعل في أوائل شهر يونيو/حزيران، عندما زار وفد من حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك نائب رئيس المجلس الرئاسي "أحمد معيتيق"، موسكو، حيث أوردت الأنباء أن "معيتيق" قيل له إن سرت خط أحمر بالنسبة لروسيا، فاتصل بقائد عملية سرت والجفرة، وحثه على وقف الهجوم، ما بدأ شرارة شرخ داخلي.

فقد تعهد وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني بالسيطرة على سرت، وأمر رئيس الوزراء "فايز السراج"، مع عودته من المحادثات في أنقرة، بمواصلة الهجوم.

وقال الجنرال "عبد الهادي دراه"، الناطق باسم غرفة العمليات المشتركة لسرت والجفرة، في 15 يونيو/حزيران: "سرت خط أحمر بالنسبة لنا".

إذن، ما الذي يجعل سرت "خطًا أحمر" بالنسبة للجميع؟

بوابة الهلال النفطي

تقع سرت في منتصف الساحل الليبي، وهي البوابة الغربية لمنطقة "الهلال النفطي" والطريق الذي يجب تأمينه للسيطرة على موانئ السدرة ورأس لانوف ومرسى البريقة وزويتينا، حيث يوجد 11 خطا من خطوط الأنابيب النفطية و3 خطوط أنابيب غاز تصل إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ومن خلال الاستيلاء على سرت، يمكن بسهولة الاستيلاء على امتداد ساحلي بطول 350 كيلومترًا (217 ميلًا) على طول الطريق إلى بنغازي الذي يتميز بوفرة في خطوط الأنابيب والمصافي والمحطات الطرفية ومرافق التخزين.

وأدى استيلاء "حفتر" على "الهلال النفطي" الذي يضم 60% من ثروات الهيدروكربونات في ليبيا إلى منحه النفوذ لتقويض قوات طرابلس ومصراتة.

في ليبيا ما قبل الحرب، كانت 96% من الإيرادات العامة تأتي من المحروقات، حيث يبلغ احتياطي البلاد 48.3 مليار برميل من النفط، و1.5 تريليون متر مكعب من الغاز.

ومع ذلك، انخفض إنتاجها النفطي إلى 90 ألف برميل يوميًا من 1.6 مليون برميل في العام الماضي.

خلاصة القول؛ إن السيطرة على "الهلال النفطي" بطريقة تضمن تدفق النفط يمكن أن يكون لها تأثير مضاعف على ميزان الصراع، ويُنظر إلى سرت على أنها مفتاح السيطرة على المنطقة.

بعد الاستيلاء على الوشكة في 6 يونيو/حزيران، سعت قوات حكومة الوفاق الوطني للسيطرة على سرت من 3 اتجاهات، لكن الغارات الجوية لقوات "حفتر" أوقفت التقدم.

عزز هذا الجمود الترقب للمحادثات التركية الروسية، ولا يبدو أن تغيرًا كبيرًا سيحدث حتى يجتمع "أردوغان" و"بوتين".

تطلعات متصارعة

تسعى تركيا إلى وجود عسكري دائم في ليبيا، وتتطلع إلى الوطية وقاعدة بحرية في مصراتة، ويزعم البعض أن أنقرة ستقبل السيطرة الروسية على الجفرة مقابل سرت، ويقال إن قاعدة القردابية الجوية بالقرب من سرت هي منشأة أخرى تتطلع إليها تركيا حال السيطرة على سرت.

ويعتقد أن روسيا، من جانبها، تضع عينها على سرت كقاعدة بحرية، بالإضافة إلى الجفرة، حيث تحرص على تعزيز وضعها في البحر الأبيض المتوسط ​​بعد الاستحواذ على قواعد في طرطوس واللاذقية في سوريا.

ليس من المستغرب أن مثل هذه الاحتمالات قد أزعجت "الناتو"، الذي يخشى أن يتم الضغط عليه من الناحية الجنوبية، ومع ذلك، فإن "الناتو" ليس موحداً بشأن هذه القضية.

تدخلت فرنسا، التي تعارض كلًا من السيطرة التركية والروسية في سرت، ويرى البعض أن ظهور المقاتلات الفرنسية في السماء الليبية هو محاولة لإثبات أنها طرف أصيل في اللعبة.

وقال مصدر ليبي: "يبدو أن فرنسا بدأت في الاصطفاف مع روسيا ضد تركيا، وهذا في الحقيقة ضد الولايات المتحدة. ينظر الروس والفرنسيون إلى سرت بنفس الأهمية؛ وكلاهما يريد الميناء وقاعدة القردابية".

في 14 يونيو/حزيران، وجهت فرنسا اتهامات لتركيا بانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وطلبت عقد اجتماع للناتو بشأن هذه القضية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" إن "موقف تركيا يشكل خطرا علينا، وتهديدا استراتيجيًا غير مقبول، لأنه يبعد 200 كيلومتر عن الساحل الإيطالي".

وتابعت فرنسا هجومها على تركيا لتصل إلى اتهامات بالتدخل "العدواني للغاية" من الفرقاطات التركية ضد سفينة تابعة للبحرية الفرنسية أرادت فحص سفينة شحن يشتبه في أنها تحمل أسلحة إلى ليبيا، وفي 18 يونيو/حزيران، قال "الناتو" إنه سيحقق في الحادث.

تقول الأنباء إن فرنسا تسعى للحصول على دعم أمريكي مباشر لكبح جماح تركيا، فيما تطمح تركيا للتعاون مع الولايات المتحدة في ليبيا.

الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة هي إعاقة روسيا، ولكن بالنسبة لفرنسا تأتي تركيا أولاً، وطالما أن روسيا هي أولوية مخاوف الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تحاصر تركيا في الناتو.

تدعم واشنطن تركيا بشكل علني بالفعل، لكن ما يمكن أن يدفع واشنطن لتغيير موقفها هو ظهور شراكة تركية روسية في ليبيا.

في خضم المواجهة مع فرنسا في 17 يونيو/حزيران، أرسل "أردوغان" وفدا رفيع المستوى إلى طرابلس، يضم وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو"، ووزير المالية "بيرات البيرق"، ورئيس المخابرات "هاكان فيدان" والمتحدث باسم الرئاسة "إبراهيم قالين".

كان الهدف من الزيارة هو "التأكيد على دعم ليبيا بطريقة قوية"، وفقًا لما قاله "جاويش أوغلو"، وتركزت المحادثات على الحملة العسكرية والمشاريع الاقتصادية.

كانت الزيارة بالتأكيد محاولة لإظهار عزم تركيا على مواصلة طريقها، لكنها لا تزيل ضرورة تقديم تركيا لتنازلات أمام روسيا.

مساومة صعبة قادمة

وتعليقًا على الزيارة، قال رئيس المجلس الأعلى الليبي، "خالد المشري"، إن الحوار التركي الروسي حول ليبيا "متوافق" مع مبادئ حكومة الوفاق الوطني.

تبدو تركيا وحلفاؤها عازمين على استبعاد "حفتر" من محادثات التسوية المحتملة، ومن غير المحتمل أن تعرض روسيا المحادثات للخطر برفض هذا الشرط.

بعد هزائم "حفتر"، زادت موسكو بالفعل من اهتمامها برئيس برلمان طبرق "عقيلة صالح"، ومع ذلك، ما زال الطرفان يحتاجان إلى رؤية حول ما يمكن تحقيقه في سرت والجفرة قبل البحث عن مخرج من الصراع.

المصدر | فهيم تاستيكين | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التدخل العسكري التركي حكومة الوفاق الوطني الليبية خليفة حفتر سرت

هل تورط الإمارات مصر في مستنقع عسكري بليبيا؟

روسيا بعد تصريحات السيسي: الحسم العسكري بليبيا مستحيل

عقيلة صالح: إذا اخترقت سرت فسنطلب من مصر التدخل بليبيا

الوفاق الليبية تشترط انسحاب حفتر من سرت والجفرة لوقف إطلاق النار

غرفة عمليات سرت للسيسي: هواء ليبيا خط أحمر