«ستراتفور»: لماذا تبدو صراعات الشرق الأوسط مرشحة للتصاعد بعد الاتفاق النووي؟

السبت 29 أغسطس 2015 09:08 ص

لن يقف منافسو طهران في المنطقة مكتوفي الأيدي دون محاولة للحد من توسع النفوذ الإيراني. ربما لن يتطور الأمر إلى مستوى الحرب الشاملة بين أهم القوى المهيمنة على الشرق الأوسط، فإيران ليست القوة الوحيدة التي تبرع في استخدام الوكلاء. ولكن الصراعات التي تستعر في المنطقة سوف تستمر بلا هوادة وستواصل التفاقم. وسوف تظهر هذه الصراعات على عدة خطوط: السنة ضد الشيعة بالإضافة إلى الصراعات العرقية بين الأتراك والإيرانيين والعرب والأكراد والمجموعات الأخرى. ويبدو أن الاتفاق النووي الإيراني لا يعني على المدى القصير سوى المزيد من الصراع وليس أقل من ذلك.

تركيا

توقعت «ستراتفور» منذ فترة طويلة أن دور القوة الإقليمية المهيمنة سوف يؤول في نهاية المطاف إلى تركيا. التي تضم أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وتحتل موقعا استراتيجيا عند التقاء البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، على بحر مرمرة. فإنه ليس من قبيل المصادفة أن العاصمة التجارية الحالية لتركيا ظلت على مدار أكثر من 1500 عام مركزا لإمبراطوريات قوية. منذ عام 330 ، عندما تأسست الإمبراطورية البيزنطية، حتى عام 1918، عندما سقطت الإمبراطورية العثمانية.

شأنها شأن الولايات المتحدة، فإن تركيا لديها بعض المصالح المتقاربة مع إيران. التنافس مع جارتها إلى الشرق ليست منافسة محصلتها صفر. من ناحية، تعتمد تركيا على النفط الإيراني حيث مثل النفط الإيراني 26% من إجمالي الواردات النفطية التركية في عام 2014. وسوف يوفر رفع العقوبات مع إيران ميزات تجارية بالنسبة لتركيا التي تبدو متعطشة للعوائد الاقتصادية المحتملة والفرص المتاحة للاستثمار. وإلى جانب العلاقات الاقتصادية بين القوتين، طهران وأنقرة، فإنهما يتشاركان أيضا بعض المصالح الاستراتيجية. على سبيل المثال، فإن كليهما، على حد سواء، يبدو معارضا لصعود دولة كردية مستقلة من رماد الحرب الأهلية السورية والصراع العراقي. ورغم أن طهران تقوم في بعض الأحيان بتقديم الدعم العسكري للأكراد ضد «الدولة الإسلامية» في العراق، فإن إيران لديها تكتل سكاني كردي كبير تتراوح أعدادهم ما بين 6 ملايين إلى 7 ملايين نسمة. كذلك فإن ما يقرب من 15 في المئة من سكان تركيا هم من الأكراد، وتواجه تركيا التمرد الكردي الذي اندلع منذ عام 1984.

على نطاق أوسع، فإن تركيا وإيران تبدوان متنافسين بالطبيعة. وعلى الرغم من أن الاحتواء الكردي هو مصلحة مشتركة بين الخصمين، فإن الأكراد يمثلون أيضا  أداة مفيدة لكل منهما لتقويض الآخر. وهكذا، فإن كردستان هي ساحة المعركة الطبيعية بين تركيا وإيران. وسوف تستخدم القوتان الفصائل ضد بعضهم البعض مع تزايد المنافسة. وعلى الرغم من كون تركيا ذات أغلبية سنية وإيران ذات أغلبية شيعية، فمن المهم أن نلاحظ أن أنقرة وطهران تسعىان لفرض هيمنة على المنطقة التي يغلب عليها العرب (رغم أن أيا منهما ليست عربية). بالنسبة لكثير من العرب، واختيار بين الحكم التركي أو الفارسي يشبه الاختيار بين الموت غرقا أو عن طريق الذبح (القربان).

تبدو علاقة تركيا بتنظيم «الدولة الإسلامية» غير واضحة. فقط في الأشهر الأخيرة غيرت تركيا سياستها تجاه المجموعة المتشددة من الإذعان السلبي إلى المطاردة النشطة. قد يكون هذا لأن تركيا ترى أن «الدولة الإسلامية» أصبحت تشكل تهديدا على المستوى المحلي مع انتشار خلاياها وعناصرها في جميع أنحاء البلاد. ربما تكون أنقرة أيضا قد صارت  أكثر حذرا وإحباطا مع حقيقة أن الغرب يبدو أكثر إيجابية بشأن احتمال الاستقلال الكردي عندما تسمع وترى أن الأكراد يبدو أنهم يصبحون  القوة الأكثر فعالية لمحاربة «الدولة الإسلامية».

كانت تركيا تبدو أكثر عزما على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد مع نشاطها المتزايد في تمويل وتدريب المسلحين المقاتلين لدمشق. أنقرة أيضا تعتبر بلاد الشام مجالا لنفوذها لذا فإنها لا تنظر بعين العطف للمحاولات الإيرانية للتوسع في المنطقة. احتمال أن تركيا سوف تتخذ دورا أكثر نشاطا في سوريا أيضا لا يمكن استبعاده، خصوصا في ضوء التقارير الأخيرة أن تركيا تفكر في الانتقال بجيشها إلى شمال سوريا لخلق منطقة عازلة تحول دون التوسع الكردي وكذا لمحاصرة نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية». وأيضا لتمكين المسلحين السنة من تركيز مواردهم على مواصلة الهجوم على «حكومة الأسد».

المملكة العربية السعودية

على عكس تركيا، فإن المملكة العربية السعودية لا يبدو أنها تتشارك مع إيران دائرة واسعة من المصالح المشتركة. المملكة هي قوة عربية سنية تمثل الطائفة الوهابية للإسلام، لذا فإن معظم السعوديين يحملون نظرة تسودها الريبة تجاه المملكة العربية السعودية. ومع الأقلية الشيعية التي تشكل ما بين 10 في المئة و 15 في المئة من سكانها، ومع العراق الذي لم تعد حصنا منيعا ضد طموحات إيران، فإن المملكة العربية السعودية تجد نفسها على خط الصراعات مباشرة مع إيران. ومع كون معظم السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية يعيشون على مقربة من حقول النفط الضخمة في البلاد، والتي هي مصدر الثروة السعودية والسلطة، فإن ذلك يجعل شبح التوسع الإيراني أكثر إثارة للقلق في الرياض. وفي عام 2011، أرسلت السعودية قوات الى البحرين للمساعدة في إخماد الاضطرابات في بلد ذات أغلبية شيعية يحكمها السنة، على وجه التحديد لأنها تخشى إيران قد تستخدم الوضع لتوسيع نطاق أعمالها في منطقة الخليج.

وتشارك المملكة العربية السعودية تركيا اهتماماتها بإسقاط «حكومة الأسد»، الذي سيوجه الضربة القاضية للنفوذ الإيراني في المنطقة. لبعض الوقت، اعتقد السعوديون أن «الدولة الإسلامية» يمكن أن تساعد على تحقيق هذا الهدف، ولكن هذه الخطة انقلبت بنتائج عكسية على السعودية. كما أنه يجب الآن على المملكة التعامل مع التهديدات من كل من «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية تقدم الدعم لغيرهم من المسلحين السنة في سوريا الذين يقاتلون ضد القوات الموالية للنظام. وذلك، جنبا إلى جنب مع الأردن، التي يقال أنها تقوم بتوفير الأسلحة للقبائل السنية التي تقاتل في العراق.

وعلى عكس كل من تركيا وإيران، فإن المملكة العربية السعودية ليس لديها أي مشكلة آنية مع الأكراد وقد رصدت «ستراتفور» دلائل على وجود مساعدات يقدمها آل سعود للعناصر الكردية النشطة عسكريا في العراق. ويبدو غير واضح إلى أي مدى سيطور السعوديون استراتيجيتهم في دعم الفصائل الكردية. لكن الإيرانيين يحاولون بالفعل لإثارة الأقليات في المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن السعوديين من المرجح أن يقوموا بمحاولة تشجيع قيام الحكم الذاتي لكردستان للتأثير على القضايا الاقتصادية والأمنية الإقليمية، على الرغم من دعم الأكراد سوف يفسد علاقة الرياض مع أنقرة. وعلى الرغم من أن كلتيهما تصنفان كقوة سنية، فإن المملكة العربية السعودية لا ترى أي مصلحة تقريبا في رؤية تركيا تهمين على الشرق الأوسط كما هو الحال مع إيران.

وفي عام 2014، حاولت المملكة العربية السعودية بدء حوار دبلوماسي مع إيران، ولكن هذه الجهود تدهورت بسرعة مع بداية الصراع في اليمن. ومع تركيز الرياض على محاربة الشيعة و«الدولة الإسلامية» في بقية المنطقة، فإنها أخذت على حين غرة حينما حقق المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران مكاسب عسكرية كبيرة في اليمن، إلى درجة بلغ حد قيامهم بالسيطرة على العاصمة صنعاء. شاركت السعودية منذ ذلك الحين بضرباتها الجوية ثم بقوات برية في الصراع. وبحلول إبريل/ نيسان 2015 كان المد قد بدأ في الانحسار. ومنذ أن توصلت القوى العالمية الست لاتفاق نووي مع إيران، فقد حققت قوات مكافحة الحوثي المدعومة من السعودية في اليمن انتصارات كبيرة في خليج عدن. هذه الأنواع من الصراعات هي بالفعل القاعدة السائدة في جميع أنحاء المنطقة، وإعادة تأهيل صورة إيران الدولية إلى جانب رغبات طهران في توسيع مجال النفوذ الخاص بها سوف يؤدي حتما إلى المزيد من الصراعات.

مصر

مصر، شأنها شأن السعودية، تصنف كقوة عربية سنية. ولكن قدرتها على الفعل أكثر تقييدا بكثير من كل من السعودية وتركيا. لا تزال القاهرة تشكل جزءا هاما من ميزان القوى الذي تحاول الولايات المتحدة تشكيله في الشرق الأوسط، ويتضح ذلك من فقدان الذاكرة المفاجئ الذي أصاب واشنطن بشأن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا «محمد مرسي» والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

بالإضافة إلى ذلك، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 لا تزال واحدة من السمات المميزة للمنطقة. وإلى الآن، لا تزال مصر تواجه تحديات داخلية متزايدة في محاولاتها لتخفيض نظام الدعم وانتخاب برلمان جديد واحتواء الاضطرابات المتزايدة. إضافة إلى إدارة التهديدات الجهادية المتعددة في البلاد بما في ذلك الهجمات المتعددة والمقلقة في القاهرة وشبه جزيرة سيناء. على الرغم من هذا، فإن القوات المصرية تنشط في اليمن، وكان الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في روسيا هذا الأسبوع لمناقشة العلاقات الاقتصادية والوضع في سوريا مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». وزاد التعاون بين كل من مصر والسعودية في الأشهر الأخيرة بما في ذلك محاولة تجميع مواردهما لحماية معاقل العرب في الشرق الأوسط. قوة الدفاع العربي المشترك قيد التطوير يمكن أن تصبح بسهولة جزءا من هذه الخطة وهي واحدة من طرق القاهرة من محاولة للحفاظ على دور بارز لها في المعادلة الإقليمية.

وبشكل عام، فإن الاتفاق النووي مع إيران لن يعني معدلات أقل للعنف أو الحرب. ولكنه يعني على النقيض معدلات متزايدة منهما. خلقت الانتفاضات في العالم العربي في عام 2011 فراغا في السلطة في جميع أنحاء المنطقة. وكلاء بدعم من قوى خارجية، فضلا عن الميليشيات والجماعات المحلية، والتي وجدت مساحة جديدة للعمل. والصراع في المنطقة أصبح يدور على نحو متزايد بين تركيا وإيران والسعودية ومصر مستخدمين مختلف المجموعات للتنافس ضد بعضهم البعض. مستفيدين من مجموعة الدول الفاشلة لإقامة إقطاعيات صغيرة من السلطة والنفوذ لأنفسهم.

 

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي إيران مصر السعودية تركيا

بعد الاتفاق النووي .. إيران تريد سوريا

«الاحتواء الجديد»: استراتيجية أمريكية للأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي

«إيكونوميست»: الاتفاق النووي الإيراني قد يشعل الصراع السني الشيعي

«فورين بوليسي»: اتفاق إيران النووي يهدد توازن القوة الدقيق في الشرق الأوسط

«ستراتفور»: منافسة تركية سعودية على الزعامة السنية .. وقناة خلفية للتفاوض مع إيران عبر مسقط

«روحاني»: الاتفاق النووي لا يقيد قدرة إيران العسكرية

الرئيس النمساوي: لدينا مصالح اقتصادية كبيرة مع طهران

مقامرة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي

التحدي القادم لإيران: مغازلة مستثمري النفط

مجلس «التعاون» والنووي الإيراني .. أجراس الخطر