التحدي القادم لإيران: مغازلة مستثمري النفط

الاثنين 28 سبتمبر 2015 09:09 ص

تستعد إيران لفتح اقتصادها رسميا أمام الاستثمارات الغربية وهو أمر يلفت انتباه أكبر شركات النفط في العالم بكل تأكيد. ولكن إيران ربما تواجه صعوبات أكثر مما تظن في إحياء قطاع النفط والغاز المتهالك لديها. يوم 24 سبتمبر/ أيلول أعلن منظمو مؤتمر النفط والغاز في إيران تأجيل مؤتمرهم حتى فبراير/ شباط 2016. كان الموعد الأصلي مقررا بين 14-16 ديسمبر/ كانون الأول، ويحمل مؤتمر لندن أهمية خاصة لأنه يؤشر على بدء اندماج الاقتصاد الإيراني مع المجتمع الدولي. وخلال القمة تعتزم إيران كشف النقاب عن المسودة النهائية لعقد البترول الذي من المنتظر أن يحدد شروط استثمار أكثر جاذبية لشركات النفط العالمية مما كان الأمر عليه في العقود السابقة.

وقد تم تأجيل المؤتمر للمرة الرابعة، ليتزامن الآن بشكل وثيق مع الجدول الزمني المتوقع لتخفيف العقوبات الواردة في الاتفاق النووي الإيراني، المعروفة رسميا باسم الخطة الشاملة العمل المشترك، والتي صدرت في يوليو/ تموز. ووفقا لهذا الجدول الزمني، من المحتمل أن يكون رفع العقوبات في وقت ما خلال الربع الأول من عام 2016. وبسبب العقوبات، حظرت الشركات الغربية من المشاركة في قطاع النفط والغاز الطبيعي الإيراني لعدة سنوات. ويعتبر رفع العقوبات هو مفتاح دفع الإنتاج والصادرات الإيرانية نحو السوق مرة أخرى. ولكن حتى لو نجحت إيران بعد رفع العقوبات في جذب انتباه شركات الطاقة العالمية، كما هو مرجح حدوثه، فإن إيران سوف تعاني من أجل الوصول لهدفها طويل المدى بإنتاج 6 ملايين برميل من النفط يوميا.

تحليل

تراجع اهتمام شركات النفط العالمية بإيران منذ عام 1994، عندما فتحت البلاد للمرة الأولى اقتصادها مع الشركات الغربية من خلال طرح عقود «إعادة الشراء». وتضمنت هذه العقود بعض من أقسى شروط الاستثمار في العالم، مما اضطر شركاء إيران الخارجيين إلى تحمل مخاطر النفقات الرأسمالية دون الحصول على ميزات تذكر حتى حال ارتفاع أسعار النفط أو تجاوز معدلات الإنتاج. وعلى الرغم من عدم جاذبية العقود، كانت إيران قادرة على جذب انتباه شركات مثل إيني وتوتال في أواخر التسعينيات. ومع ذلك فإن هذه المصالح قد تبخرت في منتصف العقد الأول من الألفية عندما تغير المناخ السياسي الإيراني مع صعود الرئيس الإيراني السابق «محمود أحمدي نجاد» إلى السلطة وما صحب ذلك من تعزيز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من عقوباتهما على طهران.

المنافسة تحتدم

الآن تتغير الظروف. حيث يخمد التوتر بين إيران والغرب وتأتي حكومة أكثر انفتاحا إلى السلطة في طهران.  ومع مناخ أكثر ملائمة للتعاون الدولي، فإن إيران تسعى لاستعادة الاستثمار الأجنبي الذي فقدته. لكن عقود إعادة الشراء الإيرانية خلال التسعينيات وما بعدها قد صارت قديمة وغير قادرة على المنافسة. على مدى العقد الماضي، أصبحت شروط الاستثمار، في المتوسط، أكثر جاذبية بكثير بالنسبة لشركات النفط الدولية حيث جعل ارتفاع أسعار النفط مشروعات التنقيب في المياه العميقة وفي الرمال النفطية أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية. ونتيجة لذلك، فإن جميع منتجي النفط حتى المتعجرفين منهم قد قبلوا بتحرير شروط الاستثمار. العراق، ليبيا، الكويت، البرازيل والمكسيك والصين وحتى، إلى حد ما، المملكة العربية السعودية عدلت عقودها أملا في جذب المزيد من الشركات الغربية.

ببساطة، تواجه إيران بيئة أكثر قدرة على المنافسة لجذب انتباه شركات النفط العالمية.  طهران تدرك أنه يجب عليها تقديم شروط ليست فقط أكثر ربحية مما كان عليه الأمر في العقود القديمة، ولكن أيضا أكثر إغراء من المنتجين المنافسين. يساعد ذلك على تعويض مخاطر التقلب السياسي الإيراني الذي لا يزال يقلق المستثمرين الأجانب وهو ما سبق أن تسبب في إيذاء المستثمرين في البلاد حين جاء «أحمدي نجاد» إلى السلطة.

من نواح كثيرة، فإن الأجزاء التي كشفت عنها إيران من العقد الجديد تحقق هذه الأهداف. من المحتمل أن إيران سوف تؤسس مشاريع مشتركة بين شركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة وبين الشركات الأجنبية يمكن أن تستمر  ما بين20-25 عاما حسب عمر الحقل. وسوف تدفع إيران عمولات شركات النفط إما نقدا أو كنسبة من المنتج بحسب الأسعار. هذا يعني أن تعويض الشركاء الأجانب سينعكس أكثر على أوضاع السوق العالمية. وأخيرا، فإن طهران سوف تقدم تعويضات مالية للشركات العاملة في الحقول الأكثر خطورة أو الأكثر صعوبة في تطويرها. وعلى كل فإن هذا النموذج ينافس العقود المناظرة التي يمنحها المنافسون في العراق بل إنه يتفوق عليه في بعض النقاط.

بطبيعة الحال، سوف تظل إيران مكانا يصعب على الشركات الغربية القيام فيه بأعمال تجارية. عملية تغيير البيئة السياسية والاقتصادية الداخلية للبلاد ليست سهلة، ومن المرجح أن تكون لإيران متطلبات عالية لتعزيز النمو المحلي. هناك أيضا جدل كبير بين القادة المحليين بشأن تفاصيل أي إطار تعاقدي جديد، بما في ذلك درجة الصرامة التي يجب أن تفرض عليه من قبل اللوائح المحلية. وفي الوقت ذاته، فإن العقود سوف يثبت أنه من الصعب تنفيذها على أرض الواقع، حيث يسعى المشاركون المحليون إلى الاستئثار بالحصص الكبرى من الأموال التي تدفقت على البلاد. هذه العوامل سوف تحد من جاذبية إيران للمستثمرين الأجانب وسوف تحجم من نجاح الشركات التي سوف تختار القيام بأعمال تجارية هناك.

دورات السياسة والاستثمار

خلال الأشهر الستة المقبلة، سوف يكون تركيز إيران منصبا على ضمان أن يتم رفع العقوبات في نهاية المطاف بما يسمح للشركات الغربية بالعودة إلى البلاد. التاريخ المهم المقبل ضمن خطة العمل المشتركة هو 18 أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيتعين على إيران البدء في الوفاء بتسوية بعض الالتزامات العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن بعض الأبعاد العسكرية لبرنامج طهران النووي. وكالة الطاقة الذرية، من جانبها، سوف تبدأ في إعداد تقرير عن مدى التزام إيران. بمجرد أن يوافق مجلس محافظي الوكالة على التقرير بعد صدوره في 15 ديسمبر/ كانون الأول سيبدأ الغرب على الفور تخفيف العقوبات.

تأخر موعد قمة النفط والغاز الإيراني، التي كان مقررا أن تجرى في موعد سابق لاستحقاقات خطة العمل المشترك، ستجعل هذا الحدث أكثر تماشيا مع جدول زمني أكثر واقعية لتخفيف العقوبات. طوال تاريخها، فقد تناوبت صناعة النفط في إيران بين فترات الانفتاح على الفاعلين الخارجيين وفترات انغلاق على نفسها. تتحاذى هذه التطورات عادة مع حالة المد والجذر في البيئة السياسية المتقلبة في إيران مع انتقال مقاليد السلطة من حكومات قومية إلى أخرى أكثر ودية مع القوى الخارجية. إيران تدخل حاليا فترة من الانفتاح. ولكن ليس من الواضح حتى الآن إذا ما كان هذا الأمر سيكون مستداما. يقدم عقد النفط الإيراني الجديد دورة استثمار لمدة 25 عاما بما يعني بالتأكيد أنه سيمتد إلى أطول من عمر الإدارة الحالية والتي ليس من المستبعد أن تخلفها إدارة أخرى أكثر تحفظا قد تحاول فرض نفوذ أقوى على قطاع النفط والغاز الطبيعي في البلاد في المستقبل.

  كلمات مفتاحية

إيران الاتفاق النووي النفط الإيراني

الرئيس النمساوي: لدينا مصالح اقتصادية كبيرة مع طهران

«ستراتفور»: لماذا تبدو صراعات الشرق الأوسط مرشحة للتصاعد بعد الاتفاق النووي؟

«شل» البريطانية تعتزم تسديد ملياري دولار لإيران بعد رفع العقوبات

«معهد واشنطن»: الأثر الإقليمي لتزايد الأموال الإيرانية

في انتظار النفط الإيراني العائد إلى الأسواق