استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من يطفىء الحريق الذي ينتشر بريح الطائفية؟

الأربعاء 2 سبتمبر 2015 04:09 ص

في الأسبوع الماضي فقدت عائلة الحارثي السعودية اثنين من أولادها: ناصر وزاهر في يوم واحد. الاول قتل عندما اسقط اليمنيون طائرة «أباتشي» كان يقودها ضمن الحرب التي تشنها السعودية وحلفاؤها على اليمن. اما زاهر فقد قتل في عملية انتحارية قام بها ضد العراقيين في سامراء. هذه الحادثة تكشف حالة الاضطراب السياسي والايديولوجي المنتشرة في اوساط واسعة من الجزيرة العربية.

ففي الحالتين اصيبت عائلات عربية مسلمة بفجيعة فقد الاحبة، كعائلة الحارثي التي فجعت بفقد اثنين من ابنائها في يوم واحد. يقول محمد الحارثي، والد الشابين انه فقد الاتصال مع نجله، زاهر، قبل عامين عندما اختفى فجأة والتحق بداعش. 

هاتان الحادثتان تكشفان واقعا صعبا يعيشه سكان الجزيرة العربية في ظل ضياع بوصلة الامة وتشوش ذهنية شبابها، وربما قادتها كذلك. الحادثة تعيد للذاكرة ما حدث للطيار الاردني، معاذ الكساسبة، الذي اسقطت «داعش» طائرته في سوريا واعتقلته ثم حرقته حيا، وبثت طريقة قتله البشعة باخراج سينمائي متميز. انها وجه من وجوه المحنة التي يعاني منها العرب والمسلمون، بعد ان شنت قوى الثورة المضادة حربها الشعواء على ثورات الربيع العربي واجهضتها بدون رحمة.

وفي هذه العملية سقط آلاف الضحايا في بلدان شتى. وما يزال سقوط الضحايا مستمرا، ومعه الاضطراب النفسي والفكري والسياسي.

فاذا كانت شعلة الثورات قد انطلقت من النار التي اشعلها الشاب التونسي، محمد بوعزيزي، في نفسه، وحرك بذلك امة عاشت زمنا على هامش التاريخ في ظل انظمة الاستبداد والقهر والاحتلال، فان الصواعق التي تفجر الاجساد المفخخة يوميا في العراق وسوريا وليبيا ونيجيريا وغيرها من بلدان العرب والمسلمين، قد ضاعفت أزمة الأمة وعمقت شعورها بالضياع والتمزق والصراع مع الذات اكثر من اي وقت مضى. من المسؤول عن ذلك؟ وما آفاقه؟ ومتى ستطفأ نيران الفتنة؟

تتضاعف المشكلة هذه المرة بسبب مسايرة النخب والقيادات والكتاب والمفكرين للاطروحات المذهبية التي تعتبر الامضى في تمزيق الأمة. وهي أزمة تنتشر في اغلب بلدان العالم العربي، من المغرب إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان، إلى دول المشرق العربي. قبل بضعة اسابيع عقد الاطباء السودانيون في لندن اجتماعا ناقشوا فيه ضرورة التصدي للفكر الذي يشجع الشباب على الالتحاق بداعش. ولكن قبل هذا الاجتماع باربعة شهور، اقيم باحد المراكز الإسلامية مجلس عزاء حضره السودانيون من إسلاميين وليبراليين، حكوميين ومعارضين.

واتضح لاحقا ان ذلك المجلس اقيم بمقتل شاب سوداني بعملة انتحارية في سوريا. وتحدث بعض الحاضرين منوها بما اسماه «التضحية الجهادية» التي قام بها الشاب الذي فجر نفسه. وقبل اسبوعين وجد احد الاطباء نفسه في وضع لا يحسد عليه. فقد جاء مستشيرا عما يستطيع عمله بعد ان داهمه ما اسماه «كارثة».

فقد ذكر ان ابنه الاكبر قد التحق بداعش، واصبح يكفر اباه وامه واخوته، وان الشرطة البريطانية اتصلت بالعائلة لاخبارها بذلك. كما اتصلت ادارة المدرسة بالابوين لمناقشة ما يمكن عمله. 

هذا الطبيب، الذي حضر مجلس عزاء الشاب الذي فجر نفسه في سوريا، كان يتحدث بمرارة عن «الكارثة» التي حلت بعائلته، حتى لكأنه يقول ان خبر التحاق ابنه بداعش لا يقل وقعا على النفس عن اكتشاف مفاجئ للاصابة بمرض خبيث كالسرطان، بل ربما كان ادهى. فالعقل يقضي برفض حالة التطرف التي تؤدي إلى تشتت الشمل وتمزق العائلات واراقة الدم واضعاف الصف. فلماذا اذن تمجيد قتلى «داعش» كما يحدث في بلدان عديدة كالاردن والسعودية وتونس؟ 

اين هو العقل لدى رموز امتنا من علماء ومفكرين وكتاب؟ لماذا لا ترتفع الاصوات ضد هذه السموم التي تنتشر في جسد الامة المنهكة بفعل اعدائها تارة، وعلى ايدي ابنائها اكثر الاحيان؟ اين هي الوحدة التي تدعم حركة تحرير الامة من الاحتلال والاستبداد والظلم والتخلف؟ اين هي المشكلة اذن؟

الامر الواضح ان الذين كانوا يصفقون للعمليات الانتحارية التي تحدث في العراق وسوريا كانوا يعتقدون انهم بمنأى عنها، خصوصا عندما قدمت للجماهير ضمن أطر مذهبية وطائفية. المشكلة هنا غياب قيم «العدل» عن النفوس. فالعادل لا يقبل بان يقع الظلم على أي إنسان، بل يرفضه كمبدأ سواء وقع على غيره ام عليه. انه يتوخى سيادة العدل ويعتقد بان انسانية الانسان يجب ان تكون حصانة له من اية معاملة تحط بما تستحقه تلك الانسانية «ولقد كرمنا بني آدم». فالمسلم لا يتمنى ان يصاب غيره بأذى، وان كان غير مسلم، بل يهرع لمساعدته عند الحاجة، يحترمه ويذود عنه ويطعمه ويضمد جراحه.

وضمن دائرة المسلمين، فقد دعت التشريعات الإسلامية لصون ارواح المسلمين: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». فاشعال النار في منزل الجيران سيؤدي إلى احتراق منزل من اشعلها ما لم يبادر لاطفائها. وما اكثر الاحاديث والحكم التي تؤكد ان عمل الشر يرتد على من قام به. واستخدام الوسائل غير المشروعة لا يحقق الهدف حتى لو كان نبيلا.

وفي الفهم الإسلامي فان الغاية لا تبرر الوسيلة، بل يجب ان تكونا منسجمتين. ويقول المبدأ الإسلامي: «لا يطاع الله من حيث يعصى». بمعنى ان طاعة الله لا تتحقق إذا كانت الوسيلة تمثل عصيانا لأوامر الله. مشكلة الانسان قصر نظره واستعجاله النتائج وبحثه عن الطرق القصيرة للوصول اليها، وكثيرا ما يتعارض ذلك مع القوانين والسنن.

ومشكلة امة العرب والمسلمين اليوم ان تغييبها العقل دفع جهالها إلى موقع القيادة والتوجيه، وأضعف قدرتها على التفكير المنطقي، وألزمها بالاستسلام لمقولات «التراث» و«الاعراف» و«السلف»، وهمش لديها روح البحث والتقصي والمنطق والحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة. وساهمت التكنولوجيا الحديثة في ترجيح كفة ذوي المال والسلطان، فانتشرت الدعوات الممقوتة لتسهل القضاء على مشروع التغيير والتحول الديمقراطي واقتلاعه من جذوره. كما ساهمت في تهميش مشروع التحرير ورفض الاحتلال، وروجت دعوات التطبيع مع من يحتل فلسطين، وسمح له بدور في الشؤون الداخلية للامة، بدعم هذا الطرف او ذاك لكسر ارادتها وتطبيعها على الرضوخ للاحتلال.

لقد عانت الانسانية، وما تزال تعاني، مما اطلق عليه «المعايير المزدوجة» التي تقوم على اساس الانتقاء والتمييز وتتجاوز السمة الكونية للقوانين الاجتماعية والطبيعية.

وحين توجه تهمة «المعايير المزدوجة» او «الانتقائية» للغرب فهذا امر صحيح، لأن الغربيين يمارسون ذلك بوضوح. ولكن ماذا عن العرب والمسلمين في تعاملهم مع بعضهم ومع الآخرين؟ إذا كانت هذه القوانين والسنن غير واضحة من قبل، فقد اتضحت تماما.

فالفتنة التي اشعلت في العراق توسعت كثيرا وامتدت إلى غيره. وكذلك فتنة الشام التي عصفت بارواح ربع مليون من البشر.

أليست هي نسخة مما حدث في الجزائر قبل عشرين عاما؟ فلماذا تضفى الألوان الدينية والعرقية والمذهبية على الفتن التي لا تميز على اساس الدين او المذهب او العرق؟ هذه الامة عاشت قرونا ضمن ثوابت الدين الواحد مع التعدد الفقهي والمذهبي، فمن الذي يسعى لتمزيقها اليوم؟ لمصلحة من يجند شباب الامة في حروب بينية عبثية لا تهدف الا لابقاء الصراع قائما بهدف ابقاء الامة مهمشة وغير ذات شأن؟

من سيوقف حمامات الدم التي تهرق يوميا في شوارع بغداد وسامراء والانبار، وفي دمشق وحلب، وفي سيناء والقاهرة، وفي بنغازى وسرت، وفي مدن نيجيريا وقراها؟ شعلة الفتنة انطلقت من العراق ولن توفر احدا ما لم تتعاضد الجهود لاطفائها بشجاعة وحزم ووعي واصرار.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن. 

  كلمات مفتاحية

الفتنة الطائفية العراق سوريا اليمن الجزيرة العربية السعودية الميليشيات الطائفية

«ظريف» يدعو من الكويت إلى تعاون «خليجي إيراني» ضد الإرهاب والطائفية

«أتلانتيك كاونسل»: «الدولة الإسلامية» يوسع الحرب الطائفية لزعزعة استقرار الخليج

إيران تبني قوة في العراق لا تستطيع بغداد السيطرة عليها

«ميدل إيست آي»: الصراعات الطائفية تلهب تجارة السلاح في الشرق الأوسط

ذي ديلي بيست: إيران تصعب مهمة أمريكا في العراق .. و«سليماني» يشرف على عمليات تطهير طائفي

المتغير الإقليمي في المعادلة الطائفية خليجيا

عن التحريض الطائفي

سقوط العروبة يأخذ العرب إلى التيه..

أن تكون ديمقراطيا وطائفيا

تحسن الأحداث أم تحسن الأفكار والسلوكيات؟