لماذا تجاهل الملك «سلمان» دعوة الرئيس الروسي لزيارة موسكو؟

الأربعاء 9 سبتمبر 2015 01:09 ص

رغم انتشار توقعات إعلامية بحضور الملك «سلمان بن عبد العزيز» السعود لعرض ماكس الجوي للعام 2015 وتقارير غير دقيقة تدّعي حصول هذه الزيارة، لم يذهب الملك السعودي إلى العرض الأسبوع الماضي كما أنه لم يلتقِ بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». ماذا حصل إذا؟

دعا بوتين سلمان إلى روسيا منذ وقت طويل وقبِل ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» الدعوة بإسم الملك خلال اجتماع في شهر حزيران/يونيو مع الرئيس الروسي. منذ عدّة أسابيع، وهذه مدّة ليست ببعيدة بحسب المعايير الديبلوماسية العادية، سافر وزير الخارجية السعوي «عادل الجبير» إلى موسكو للقاء نظيره الروسي «سيرغي لافروف». بعد اجتماعهما، توجه لافروف بالحديث إلى المراسلين واعترف بوجود «بعض الفوارق حيال طرق معينة للتوصل إلى تسوية في سوريا».

ولم يأتِ على ذكر زيارة الملك بل اكتفى بالتأكيد على أنّ بوتين دعاه «لزيارة روسيا في الوقت المناسب». مع ذلك، لم يلبث أن أوحى الموقع الإلكتروني الحكومي سبوتنيك لقرّائه بأنّ الملك «سلمان» سيحضر معرض الأسلحة، وفق مصدر في قطاع الدفاع. ونتيجة لذلك، صدرت تقارير إعلامية غربية عن خطط سلمان المزعومة.

عموماً، ثمة ثلاثة احتمالات في هذا الموقف. أولاً، لعلّ المسؤولين الروسيين والسعوديين لم يناقشوا زيارة سلمان في هذا الوقت. ثانياً، ربما ناقشوها ولكن لم يتّفقوا على القيام بها أو أنهم لم يتّفقوا على طريقة القيام بها. ثالثاً، لعلّهما اتفقا على التخطيط للزيارة ثمّ انسحب أحد الجانبين من الاتفاق.

إنّ لقاء وزيري الخارجية مهمّ لتقييم هذه الاحتمالات الثلاث. فلقاء لافروف وجبير السريع بعد لقاء بوتين بولي ولي العهد يبعّد احتمال عدم اندراج الزيارة على جدول أعمالهما. وبالعكس، بما أنّ لافروف وجبير لم يعلنا الزيارة بعد لقائهما (أو يحضّرا للقاء جبير ببوتين لهذا الهدف ولو لفترة وجيزة)، فالمرجّح أنّ المسؤولين الروسيين والسعوديين لم يتوصلوا إلى اتفاق ملموس حيال سفر الملك إلى روسيا لحضور عرض ماكس 2015.

مع ذلك، الغريب هو أنّ بعض الوسائل الإعلامية الروسية ظلّت تتناقل أخبارا عن الوصول المتوقع للملك إلى العرض حتى 25 آب/أغسطس الذي صادف يوم الافتتاح.

وقد وصفت مصادر صحفية روسية أخرى الرحلة لحضور العرض الجوي على أنها «منقولة مسبقاً» ولكن «مؤجلة للخريف». وهذا قد يعني أنّ الزيارة أُرجئت بالفعل بعد أن كانت مقرّرة. ولكن قد يعكس هذا أيضاً نفاذ الإعلام الروسي البطيء وغير الدقيق للمعلومات من الحكومة الروسية. في جميع الأحوال، تشكّل هذه الواقعة درساً جيداً في أهمية التأكد من التقارير قبل نشرها للصحفيين الروسيين والغربيين على حدّ سواء.

مع استبعاد احتماليّ عدم وجود نقاش على الإطلاق ووجود اتفاق، تبقى الأحاديث غير الحاسمة الاحتمال الأكثر ترجيحاً لتفسير عدم لقاء سلمان ببوتين على هامش عرض ماكس 2015 كما كان متوقعاً.

كذلك بما أنّ لافروف اعترف بنفسه «بالفوارق» في الشأن السوري وبما أنّ الطرفين لطالما تمتعا بوجهات نظر متعاكسة حول الحاجة إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق لحصول تسوية، فليس غريباً أن يكون المسؤولون السعوديون قد توقعوا ليونة أكبر في موقف روسيا قبل الالتزام بلقاء بين بوتين وسلمان، وهذا لم يحصل.

في هذه الحالة، لعلّ الجبير زار موسكو وفي ذهنه بعض التواريخ المحتملة لزيارة سلمان (خلال العرض الجوي أو الأرجح بعده) إذا سارت الجلسة مع نظيره جيداً. وقد يكون قد عبّر للافروف عن ذلك، ما قد يفسّر توقعات الإعلام عن الزيارة، في حال سُربّت الأحاديث.

كذلك ربما كان جبير مستعدّاً لمناقشة زيارة الملك ولكنّ عرض ماكس 2015 تمّ على وجه السرعة، فلم تحصل الزيارة لأسباب متعلّقة بترتيبات حصولها (بما أنّها كانت بعد أسبوعين فقط) أو لأسباب سياسية.

في ضوء زيارة سلمان المبكرة إلى واشنطن في أوائل شهر أيلول/سبتمبر التي كان هدفها الواضح الحصول على مساعدة الرئيس باراك أوباما لاحتواء إيران، قد يكون السعوديون اعتبروا أنّ عقد اجتماع رفيع المستوى مع بوتين أمر استفزازي للغاية. بالتالي، قد تكون هذه الاعتبارات زادت من حاجة الرياض إلى تبريرات للقاء مع موسكو.

حلفاء «سلمان» في موسكو

على الرغم من غياب سلمان، تمثلت الحكومات الشرق أوسطية بشكل بارز من خلال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد النهيان، وقد التقى كلّ منهم ببوتين. في حين أنّ اللقاءات تمتعت بأهمية رمزية، لم تثمر أيّ منها في نتائج ملحوظة وأساسية بالنسبة إلى الملفات المتعلقة بسوريا وإيران والدولة الإسلامية، علماً أنّ هذه الملفات من أبرز انشغالات الزوار الثلاثة.

بالفعل، ركّز بوتين في تعليقاته الصحفية بعد الاجتماع مع سيسي بشكل كبير على القضايا الاقتصادية الثنائية وخصوصاً التجارة والاستثمار والطاقة والسياحة والزراعة ولم يدلِ سوى بتصريحات عامة عن المسائل الإقليمية. وما نشره الكرملين يقتصر على بعض المعلومات عن اللقائين الآخرين مع ذكر بعض التعليقات الرسمية الوجيزة قبل المحادثات التي لم تتخطَّ البديهيات.

في الوقت نفسه، أفاد الإعلام الروسي الدولي التوجيه بأنّ الحضور في العرض الجوي ماكس 2015 كان منخفضاً بشكل ملحوظ بالمقارنة مع العرض السابق في عام 2013. والأسوأ بالنسبة إلى موسكو هو أنّ اتفاقات السلاح الأبرز بدت كصفقات تجارية لوزارة الدفاع الروسية ومعاملات قد تصبح علنية في أي وقت، بالتالي قد تبدو كتصريحات للحفاظ على ماء الوجه فقط ولا تعبّر عن إنجازات جديدة مهمة.

عموماً، انطلاقاً من هذا الحدث، وبغضّ النظر عن درجة الإحباط الذي قد تصل إليها حالة بعض الحلفاء الأميركيين التقليديين في الشرق الأوسط، إنّ علاقاتهم مع موسكو تبقى متأخرة بالنسبة لتواصلهم المستمرّ مع الولايات المتحدة. مع ذلك يبدو بوتين عازماً على رفع مكانة روسيا في المنطقة، وقد ترحّب أطراف كثيرة على الأقلّ بوجود بدائل عن واشنطن لتعزيز رقعة نفوذها وسلطتها.

بالنسبة إلى الرئيس المصري السيسي، قد يرغب في أكثر من ذلك، فإطراؤه لبوتين إثر لقائهما يظهر بوضوح أنّه يسعى وراء أمر ما. أما بالنسبة إلى سلمان، فزيارته التي طال انتظارها إلى روسيا قد تجري في الخريف. وعندها، سنستطيع أن نقرّر ما إذا كانت العلاقة الديبلوماسية الجديدة بين روسيا والسعودية فعّالة أو مجرّد عرض مستقلّ لديه ميزاته الخاصة.

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا بوتين لافروف عادل الجبير الملك سلمان عرض ماكس الجوي 2015 العلاقات السعودية الروسية

«أوباما» والملك «سلمان»: رحيل «الأسد» شرط لأي تحول سياسي في سوريا

خاص لـ«الخليج الجديد»: السعودية توجه صفعة لمخطط مصر والإمارات حول بقاء «الأسد»

«بوتين» يستقبل ملك الأردن وولي عهد أبوظبي للمشاركة في معرض عسكري

«الجبير»: لا مكان لـ«لأسد» في مستقبل سوريا وموقف السعودية لن يتغير

«بن سلمان» يلتقي «بوتين»: هل يمكن لموسكو أن تحصل على الكعكة وتأكلها أيضا؟

أزمة سعودية صاعدة

الملك «سلمان» يعقد جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الإندونيسي

مناورات ضخمة للأسطول الروسي أمام سواحل سوريا

الكرملين: العاهل السعودي يزور روسيا الشهر المقبل