«بن سلمان» يلتقي «بوتين»: هل يمكن لموسكو أن تحصل على الكعكة وتأكلها أيضا؟

الاثنين 29 يونيو 2015 11:06 ص

التقى نائب ولي العهد السعودي الأمير ووزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان» بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» لمدة ساعتين في 18 يونيو/حزيران فيما يمكن أن يكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين. وتمت مناقشة القضايا الثنائية والإقليمية، ولا سيما سوريا وأسعار النفط، في محادثات تحضيرية خلال الاجتماع.

وينفي المسؤولون السعوديون أن الاجتماع مرتبط بموضوع التوتر بين الرياض وواشنطن، ويستدلون بوجهة النظر المشتركة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والتي لا تغيب أبدا عن أي نقاش بين البلدين، فيما يخص استكشاف جميع السبل الممكنة لتغيير سياسة موسكو لدعم الرئيس السوري «بشار الأسد». ومن وجهة نظرهم؛ هم يحاولون فعل ذلك.

والذي يجعل هذا الاجتماع مختلفا عن كل المحادثات رفيعة المستوى في السابق هو أنه يمكن أن تنتج بالفعل بعض التغييرات الهامة في نهج موسكو في منطقة الشرق الأوسط. وهذا التأثير إذ تحقق، فلا ينبغي أن يؤخذ كدليل على استجابة «بوتين» للضغط أو الإغراء بحثا عن صفقات تجارية واستثمارية كبيرة مع السعوديين. وما يجعل ذلك مختلفا، في واقع الأمر، هو أنه جاء في الوقت المناسب. ومع مرور الوقت؛ فتحت بعض التطورات الباب لنوع من التقارب، على الأقل في عدد من القضايا على الساحة.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، زار رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير «بندر بن سلطان» موسكو مرتين في محاولة لإقناع «بوتين» لتغيير خياراته المتبعة في منطقة الشرق الأوسط. وفشلت تلك المحاولات نتيجة لمجموعة معقدة من العوامل. فقد كان ينظر إلى السياسات السعودية في ذلك الوقت على أنها جامدة ومتطرفة. وكانت أسعار النفط على ما يرام. ولم تكن الأزمة الأوكرانية قد تفجرت لتقض مضاجع أوروبا، كما لم تكن هناك عقوبات مفروضة على موسكو. وفي الوقت ذاته كان «الأسد» في وضع أفضل نسبيا في بلاده، ولم تكن إيران على وشك التوصل إلى اتفاق مع العالم على صعيد الملف النووي.

وبعد الاجتماع الذي عقد مؤخرا في وقت ليس ببعيد، قال الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إن بلاده لا تزال تدعم «الأسد»، «خوفا من تحول سوريا إلى ليبيا أخرى». ومع ذلك، فإن قيمة «الأسد» للروس قد انخفضت بشكل مطرد، مع تراجع قدرات الرئيس السوري، والذي يبدو أنه تدرج نحو نهاية حكمه السياسي. وتدرس جميع الأطراف ذات الصلة، بمن في ذلك السعوديين والروس، في الوقت الراهن السيناريوهات المحتملة لما بعد «الأسد».

وقرر السعوديون تحلية الوعاء عن طريق رمي بعض الصفقات المليارية على السطح لإقناع موسكو بالتخلي عن «بشار الأسد» والمساعدة في وضع حد ونهاية لتلك اللعبة بشكل إيجابي يتفق مع وجهة نظر الرياض. ويمكن لـ«بوتين» أن يحصل على طمأنة بالحفاظ على مصالح روسيا في مرحلة ما بعد «الأسد» في سوريا، وسيتم أخذ المخاوف الجيوسياسية التي تتعلق بالجهاديين المتطرفين بعين الاعتبار. بعد كل شيء؛ لا تعارض الرياض مستقبل العلاقات بين أي نظام سياسي من شأنه أن يظهر في سوريا والروس. وهذا واضح من خلال موافقة الرياض على تحسين علاقاتها الخاصة مع موسكو.

وعلاوة على ذلك، فإن السعوديين يعتقدون أن الجهاديين المتطرفين سوف يستهدفون في نهاية المطاف مملكتهم الخاصة. وأما بالنسبة لأسعار النفط؛ فلم يكن الأمر بالخيار السهل، حتى بالنسبة للسعوديين الذين يمتلكون احتياطات كبيرة، لإبقاء الأسعار منخفضة لفترة طويلة. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، تريد الرياض لأسعار النفط أن تعود إلى مستوى «معقول». لقد عقد الاجتماع في أنسب وقت له تماما.

وكما حدث مؤخرا في مارس/أذار الماضي، فقد انتقد وزير الخارجية السابق الأمير «سعود الفيصل» سياسة «بوتين» في الشرق الأوسط علنا في مؤتمر عقد في العاصمة المصرية القاهرة. ومع ذلك؛ فإن موسكو تسعى الآن للخروج عن مسارها لطمأنة نفسها والآخرين أن المشاكل الإقليمية لن يكون لها تأثير سلبي على العلاقات الثنائية. وقال رئيس مجلس الأعمال الروسي السعودي «فلاديمير يفتو شكوف» خلال مقابلة أجريت معه بعد الاجتماع الذي جمع كلا من «بوتين» و«بن سلمان» إن الروابط التي تجع البلدين «ممتازة». وقال «على الرغم من المشاكل الإقليمية، فإن آفاق تطوير العلاقات الثنائية مبشرة، ومن الضروري تطوير هذه العلاقات بطريقة تخدم مصالح البلدين». وقال السعوديون،من جانبهم، إن الملك «سلمان» سيزور الكرملين «في وقت قريب».

وكافأت موسكو الأمير بعلامة دعم مميزة. وألغت وزارة الخارجية الروسية لقاءا محددا سلفا مع وفد من أبرز السياسيين اليمنيين المؤيدين للحوثيين. ونصح «بوتين»، «بن سلمان» بالسعي للتوصل إلى نهاية سياسية للأزمة في اليمن، وقال إن روسيا يمكنها أن تساعد في هذا الصدد. ولكن استقبال السياسيين المؤيدين للحوثيين على الفور عقب لقائه «بن سلمان»، في الوقت الراهن الذي يشهد الحرب في اليمن، كان يُعتقد أنها ستكون فكرة سيئة. وبعد يوم واحد من اجتماع «بن سلمان» مع «بوتين»، تم إخطار «عارف الزوكا»، الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام للرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح»، واثنين من كبار المسؤولين في الحزب بأن زيارتهم إلى موسكو تم تأجيلها. وصل الإشعار قبل 48 ساعة من الجلسة، بينما كان اليمنيون الثلاثة يتجهزون.

ومع ذلك، فإن مسألة تحول موسكو بعيدا عن إيران هي الآن حساسة ومركزية لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وترتبط هذه القضية الشائكة بالاستراتيجية الإيرانية الشاملة في الشرق الأوسط، وبأي آمال وتطلعات للحد من النفوذ الاستراتيجي لطهران في مرحلة علاقاتها التي ستتبع الصفقة النووية. وينبغي أن تفهم سياسة موسكو وسوريا في هذا السياق أيضا، وأقصد بذلك العلاقات بين موسكو وطهران.

الإيرانيون ليسوا راضين عن التقارب السعودي الروسي الجديد. وقبل اجتماع «بوتين» و«بن سلمان»، انتقد دبلوماسي إيراني في موسكو ما أسماه «اللعبة المزدوجة الروسية في سوريا». ومن الواضح أن هذه الزيارة أظهرت «بوتين» بقوة إضافية في سياسته تجاه طهران. وما يبقى أن نرى هو أنه كيف للرئيس الروسي أن يستخدم هذا النفوذ. وهذا في الواقع هو المعضلة التي تواجه «بوتين» الآن.

المشكلة الرئيسية بالنسبة للروس والتي بحاجة إلى حل الآن هي طريقة صياغة نهج جديد لما بعد الاتفاق النووي مع إيران، ما يسمح لهم بتجنب أي خيارات غير قابلة للحل بين القطبين الإقليميين المعارضين: المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية. ويركز الروس والسعوديون والإيرانيون الآن على ما إذا كانت موسكو سوف تحاول في الواقع الحصول على الكعكة وأكلها أيضا كالمعتاد. ونظرا لارتفاع مستوى الاستقطاب وطبيعة المشاكل الإقليمية، فقد يكون من الصعب على «بوتين» إرضاء جميع الاطراف هذه المرة، حتى لو كانت الأزمة السورية تتجه نحو نوع من نهاية اللعبة.

الجانبان الإقليميان ربما قريبان من لعبة محصلتها صفر في عقولهم. وهناك تساؤلات حول كيفية أن «بوتين» سوف يكون قادرا على تحقيق التوازن في مثل هذه الحالة. وهناك المزيد من التساؤلات حول قدرته على صياغة الأحداث بطريقة تنجز المهمة المستحيلة المتمثلة في إرضاء الجانبين في وقت واحد. نفوذه في سوريا، وحتى في إيران، ليس قويا كما ذكر في بعض الأحيان.

فتح صفحة جديدة مع موسكو هو أمر مهم  أيضا على المستوى النفسي للسعوديين، فيما يتعلق بالضجة المتوقعة في طهران بعد توقيع الاتفاق النووي الوشيك. ومع ذلك؛ فإنه ربما كان العنصر الأكثر أهمية في أذهان السعوديين هي الخطوط العريضة لنهاية اللعبة في سوريا. ومن الأفضل احتواء أي احتمال أن روسيا وإيران قد يلعبان دور المفسدين الرئيسيين. وبعبارة أخرى؛ إن الوصول إلى بعض القواسم المشتركة مع الروس بشأن سوريا قد يقلل من الدور التخريبي المتوقع لطهران أو على الاقل يشكل بعض المبادئ المتعارف عليها حول نهاية اللعبة في سوريا.

إن المكانة الوحيدة التي يمكن لموسكو استخدامها في الوقت الحالي للحصول على الكعكة وأكلها هي لعب دور الوسيط بين عرب الخليج والإيرانيين. ومع ذلك؛ لن تجد موسكو الطريق سهلا، لكنها ستجد بعض العقبات في طريقها لتولي هذا الدور. لن يكون من السهل للإيرانيين قبول المنزلة الأقل التي فرضها الروس؛ والتي تقضي بتحولهم من حليف إلى وسيط. وعلاوة على ذلك؛ فإن دور الوسيط بين الجانبين يتطلب استعدادا للتوصل إلى تسوية. وليس من المؤكد حتى الآن أن الجانبين اتخذا قرارا استراتيجيا لتسوية خلافاتهما.

وعلى الأرجح، فإنه في ظل التوقيع على الاتفاق النووي، فإن مواجهة إيران لنهاية اللعبة في سوريا يمكن أن يكون أقل مقاومة لوساطة موسكو. وسواء أكان هذا صحيحا أم لا، فإن الطريقة الوحيدة للرئيس «بوتين» لكي يحاول الحصول على الكعكة الخاصة به وأكلها أيضا هي التسربل بلباس الوسيط. وقد لا يبتلع الإيرانيون بهذه السهولة، ولكن في ظل تغييرات تحدث على الأرض في منطقة الشرق الأوسط، فإنهم قد يتصالحون مع فكرة الوساطة ويتغلبون على غضبهم بسبب عملية التحول من حليف إلى وسيط. مجرد التغيير في موقف موسكو سوف يحرم طهران من العمق الاستراتيجي المهم الذين ساعدهم لفترة طويلة على الاستمرار في سياستها في الشرق الأوسط.

ومع ذلك على المدى القصير، بقدر ما إن الإيرانيين سوف يركزون كليا على ما يخرج من موسكو فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن السعوديين سوف يفعلون الشيء نفسه بالضبط. وفي هذه الحالة؛ فإن العرض السعودي لروسيا، على الأرجح، سوف يتحول إلى ديناميكيات متعلقة بعلاقات موسكو والرياض الثنائية، ووضعه على مسار المحاولات المتبادلة لاستخراج أعلى سعر ممكن لما تم عرضه. وسوف يقوم كل جانب بالتركيز على الصفقة الجيدة التي يريد أن يخرج بها. ولن يكون من السهل إقناع السعوديين أن السياسة تغيرت بينما هي لم تتغير بالفعل. هناك معالم محددة ينبغي الوصول إليها والسعوديون ليسوا ساذجين في مجال الدبلوماسية الدولية.

وسيكون الإيرانيون أيضا مشغولون في محاولة تقييم أثر هذا التطور الجديد في العلاقات بين المملكة العربية السعودية روسيا. وهي لحظة تحمل في طياتها تحديات ووعود بالنسبة لموسكو. وعلى أية حال؛ لقد أخذ الروس فرصة للتحرك خطوة واحدة على مستوى أعلى في معدل التأثير في منطقة الشرق الأوسط من خلال حصولهم على إمكانية لعب دور أكبر هناك. والسؤال الآن: كيف سيقتنصون الفرصة ويستفيدون كما اعتادوا أن يفعلوا؟ ما زال علينا الانتظار حتى نرى.

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان بوتين السعودية روسيا إيران بشار الأسد العلاقات السعودية الروسية

ما الذي تعنيه شراكة سعودية روسية للطاقة العالمية؟

ما الذي سعى إليه ولي ولي العهد السعودي من زيارته إلى روسيا؟

«بروكينجز»: زيارة «محمد بن سلمان» لروسيا تعكس نفوذه المتزايد

«محمد بن سلمان» يبحث مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الأوضاع في الشرق الأوسط

عن زيارة «محمد بن سلمان» إلى روسيا

«سياسة اللامعقول» .. مقترح «بوتين» لتحالف رباعي يضم سوريا والسعودية وتركيا والأردن

كيف يمكن أن تكون العلاقات بين «روسيا» و«السعودية» أقوى تهديد لنظام «الأسد»؟

السعودية تلتقط اللحظة الروسية .. موسكو ومفاتيح الحل في سوريا

هل توصلت سياسة الدفاع الجوي الروسية إلى الصفقة السعودية ؟

استثمارات سعودية غير مسبوقة في روسيا تقدر بنحو 10 مليارات دولار

«لافروف» يقدم للخليج مبادرة روسية حول سوريا عقب زيارة «علي مملوك» للرياض

جولات «محمد بن سلمان» المكثفة .. خطوة جديدة على سلم العرش؟

استعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط

لماذا تجاهل الملك «سلمان» دعوة الرئيس الروسي لزيارة موسكو؟

السعودية تتجه لإقامة تعاون «استراتيجي» مع روسيا

الجيش التركي: طائرات سورية وأنظمة صاروخية تعرضت طائراتنا

التقارب الوهمي: الخلاف حول سوريا سيظل مهيمنا على العلاقات السعودية الروسية