الفائزون والخاسرون من وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا

الخميس 12 نوفمبر 2020 02:11 ص

وقعت أذربيجان وأرمينيا وروسيا اتفاق سلام لإنهاء 6 أسابيع من الحرب في منطقة ناجورني قره باغ المتنازع عليها، ويمثل الاتفاق انتصارا لأذربيجان، التي استخدمت قوتها العسكرية الفائقة لاستعادة الأراضي التي كانت تحتلها القوات الأرمينية منذ وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة عام 1994، والذي كان بوساطة روسية أيضا.

وردا على الاتفاق، اقتحم الأرمن الغاضبون مبنى البرلمان في يريفان، في الوقت الذي احتفل فيه الأذربيجانيون المبتهجون في باكو وفي جميع أنحاء البلاد.

وكانت أذربيجان قد استولت، الأحد، على مدينة شوشة ذات الأهمية الدينية، وكانت مستعدة للتقدم أكثر، حتى طالبت أرمينيا باتفاق سلام.

ووصف رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان" الاتفاق بأنه "مؤلم بشكل لا يصدق"، لكنه وافق عليه من أجل منع التقدم الحتمي للقوات الأذربيجانية شمالا نحو ستيباناكيرت، عاصمة ناجورني قره باغ.

وتمثل سيطرة أذربيجان على الأراضي عكسا لنتيجة عام 1994، عندما نجحت أرمينيا في الاستيلاء على ناجورني قره باغ، وكذلك الأرض التي تفصل المنطقة عن أرمينيا.

وفي كلا النزاعين، فر آلاف السكان من كلا الجانبين من العنف، والآن، يأمل الأذربيجانيون النازحون منذ التسعينات في العودة إلى ديارهم، بينما يواجه النازحون الجدد من أصل أرميني اللجوء الدائم.

وقد يدفع اللاجئون الأرمن نحو جولة مستقبلية من الصراع لاستعادة ناجورني قره باغ ما لم تساعدهم أرمينيا في إقامة حياة مستقرة في الأراضي الأرمينية.

وفي المقابل، قد تكون أرمينيا أكثر اهتماما بالحفاظ على إحساسهم بالخسارة من أجل تبرير العمل العسكري في المستقبل.

وأوضحت "كيلسي نورمان"، الزميلة المختصة بشؤون الشرق الأوسط في معهد "بيكر" للسياسة العامة بجامعة رايس، أن "الدولة التي تستقبل النازحين تلعب دورا مهما في ما إذا كان هؤلاء الأفراد سيواصلون الإصرار على العودة إلى ديارهم، أو دعمهم في بناء حياة جديدة. وغالبا ما يكون للبلدان المضيفة مصلحة راسخة في الحفاظ على ذكريات النزاع قائمة".

وبموجب شروط اتفاق السلام، ينسحب الجيش الأرميني من ناجورني قره باغ ليحل محله ألفا جندي حفظ سلام روسي، وستقوم قوات حفظ السلام بدوريات في ممر لاتشين الاستراتيجي، ما يعني بقاء الطريق الوحيد الذي يربط أرمينيا بناجورني قره باغ مفتوحا.

وكانت أرمينيا قد احتفظت سابقا بالأراضي المحيطة بهذا الممر الواصل بالمنطقة المتنازع عليها، لكنها اضطرت إلى التراجع مع تقدم أذربيجان شمالا من الحدود مع إيران.

وكانت موجة الشعبوية التي جلبت رئيس الوزراء "باهينيان" إلى السلطة عام 2018 هي التي دفعته أيضا إلى الإعلان في يوليو/تموز 2019 بأن "آرتساخ هي أرمينيا"، مستخدما الكلمة الأرمينية البديلة لناجورني قره باغ. 

وبالقيام بذلك، لم يكذب "باشينيان" فقط ادعاء أرمينيا طويل الأمد بدعم استقلال ناجورني قره باغ، بل دفع أذربيجان أيضا إلى الاستعداد للصراع الوشيك، لكن مبيعات الغاز الطبيعي في أذربيجان مولت عقدا من شراء الأسلحة من روسيا وتركيا وإسرائيل، ما أعد أذربيجان للاستفادة من استعداد أرمينيا المعلن لإلغاء الوضع الراهن.

وبالرغم أن وقف إطلاق النار الحالي يشمل موسكو وباكو ويريفان فقط، فقد استثمرت العديد من الجهات الفاعلة الدولية في النتيجة، وكان نبأ انتصار أذربيجان محل ترحيب لكل من تركيا وإسرائيل، فلدى تركيا روابط ثقافية ولغوية واقتصادية مع أذربيجان، فضلا عن العداء طويل الأمد تجاه أرمينيا.

وتأتي مصلحة إسرائيل في الصراع مدفوعة في المقام الأول بالعداء مع إيران؛ حيث تعمقت علاقات تل أبيب مع أذربيجان بعد أن توترت علاقات إسرائيل مع تركيا في عهد الرئيس "رجب طيب أردوغان"، وقد أثبتت باكو فائدتها؛ حيث تم تهريب الوثائق النووية الإيرانية التي سرقتها إسرائيل عام 2018 عبر أذربيجان.

وقد تمثل نتيجة الحرب أخبارا سيئة لإيران، حيث يمثل السكان من أصل أذربيجاني ما يقارب ربع السكان في إيران، وبالتالي قد يتسبب انتصار أذربيجان في دفع الأذريين للمطالبة بالحكم الذاتي، أو ربما حتى الانفصال عن إيران.

على سبيل المثال، يستقل معظم الأذربيجانيين الذين يسافرون إلى نخشوان حافلات عبر شمال إيران، ويبدو أن التصريح الأخير للرئيس "علييف" يشير إلى أن ممرا في ناجورني قره باغ سوف يستخدم لربط ناخشوان بالبر الرئيس في أذربيجان، وبالرغم أن إيران تبنت موقفا محايدا رسميا تجاه الصراع، فإن فوز أذربيجان يساعد على ترسيخ نفوذ تركيا بينما يتضاءل نفوذ إيران.

وتم تأطير الصراع من قبل البعض على أنه صراع بين تركيا وروسيا، مستخدمين أذربيجان وأرمينيا كوكلاء لكل منهما، ومع ذلك، لا تمثل النتيجة خسارة لروسيا، ويعزز التوسط في وقف إطلاق النار وإرسال قوات حفظ السلام الروسية مكانة موسكو باعتبارها أقوى لاعب في المنطقة.

وبالرغم أن روسيا لديها اتفاقية دفاع مشترك مع أرمينيا، وقاعدة عسكرية بالقرب من حدود أرمينيا مع تركيا، لكن استعداد روسيا لبيع الذخيرة لأذربيجان، وتحديدا صواريخ تورنادو، ساهم في التفوق العسكري لأذربيجان.

علاوة على ذلك، فوجئت موسكو بـ"الثورة المخملية" في أرمينيا، التي أطاحت برئيس الوزراء الأرميني السابق والرئيس "سيرج ساجسيان" عام 2018.

وربما يعكس تأكيد "بوتين" على العلاقات الروسية الجيدة مع أذربيجان رغبته في معاقبة رئيس الوزراء الأرميني المنتخب ديمقراطيا "باشينيان"، وسوف تعزز خسارة أرمينيا اعتمادها على روسيا، بل وربما تعمقه.

وبالرغم من احتفاء تركيا بانتصار أذربيجان، لكن أنقرة فشلت في تحقيق هدفها المتمثل في تحقيق صيغة "2+2" في المفاوضات، والتي كانت ستشمل تركيا باعتبارها اللاعب الرابع في المفاوضات.

من جهة أخرى، كان الفاعل الخارجي الآخر ذو الصلة هو الإمارات، التي تهتم في المقام الأول بمواجهة تركيا، وبالتالي أعربت عن دعمها لأرمينيا، بالإضافة إلى ذلك، قد ترى الإمارات فائدة في إبعاد نفسها إلى حد ما عن السعودية، التي دعمت أذربيجان بهدوء.

وتعمل الإمارات بنشاط على تنمية شبكة متنوعة من الدعم مع توسيع نفوذها الإقليمي، ونظرا لاهتمام ومشاركة القوى الإقليمية المتنافسة، فضلا عن استياء الأرمن، فمن غير الواضح ما إذا كان وقف إطلاق النار سيستمر.

وقد أشارت "نورمان"، بالاعتماد على كتابها الأخير عن اللاجئين، إلى صراعات تاريخية أخرى استخدم فيها الفاعلون الدوليون سياسات تجاه السكان النازحين للحفاظ على ذكريات الصراع حية، مثل فلسطين وقبرص.

ومن المرجح أن تدفع أرمينيا وأرمن الشتات الصاخبين بجهود لاستعادة الأراضي المفقودة، وفي هذا، قد يتلقون دعما وتمويلا من الإمارات أو حتى إيران، في محاولة لتحدي نفوذ تركيا المتزايد في المنطقة.

وبالرغم من استمرار وقف إطلاق النار الأخير في الوقت الحالي، لكن الظروف تجعل من غير المرجح ديمومة اتفاق السلام.

المصدر | أنيل شيلن | ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ناغورني قره باغ اتفاق وقف إطلاق النار الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

أذربيجان تكسب الحرب: لا حلّ نهائياً في قره باغ

تركيا تؤيد اتفاق قره باغ وتؤكد: نقف بجوار أذربيجان في المعركة وفي المفاوضات

لجنة برلمانية تركية تحقق في الانتهاكات الأرمينية ضد المدنيين في أذربيجان

إحباط محاولة انقلاب في أرمينيا وإفشال مخطط اغتيال باشينيان

فايننشال تايمز: تركيا اخترقت مجال النفوذ الروسي بعد انتصار أذربيجان