الدعاية الخادعة.. هذا ما يكشفه اقتحام الكونجرس عن أمريكا

الأحد 10 يناير 2021 07:04 م

اقتحم مئات من أنصار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، يوم الأربعاء، مبنى الكونجرس، معقل الديمقراطية الأمريكية، في محاولة لوقف التصديق على رئاسة "جو بايدن".

وحطمت المليشيا المسلحة في طريقها النوافذ وخربت مكاتب النواب، فيما لقي 4 أشخاص مصرعهم، بينهم امرأة توفيت متأثرة بطلق ناري في ظروف لا تزال غامضة؛ وتم القبض على 52 بتهم من بينها حيازة أسلحة غير مرخصة والاقتحام غير المشروع.

وحمل المتظاهرون الذين جاؤوا لإظهار دعمهم لقائدهم العام، الأعلام الأمريكية والكونفدرالية، ورددوا هتافات ورفعوا لافتات وصفت نتائج انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني بأنها مزورة حسب توجيهات "ترامب". وبعد 3 ساعات، تم إيقاف المواجهة في "الكابيتول هيل"، وفُرض حظر تجول في العاصمة واشنطن لمدة 12 ساعة على مستوى المدينة خوفا من حدوث مزيد من المشاكل.

وصف الشغب بغير الأمريكي

بينما تصدرت الحادثة عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، حاملة القلق وكذلك السخرية لدى أولئك الذين اعتادوا تلقي المحاضرات عن الديمقراطية وسيادة القانون من السياسيين الأمريكيين، ظهر الكثير من الغضب في الولايات المتحدة - بقيادة الرئيس المنتخب "جو بايدن" - للتعليق على كيف كانت الأحداث "غير أمريكية".

تكرر هذا النحيب من جميع جوانب المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام وطبقة النقاد، فقد كتب "بن رودس"، المساعد السابق للرئيس "باراك أوباما": "تخيل كيف يبدو هذا لبقية العالم". وقال مراسل شبكة "ABC" خلال تقرير مباشر: "هذه ليست كابول، هذه أمريكا".

لكن الحقيقة أن الحادث كان أكثر تجلٍ جوهري لروح أمريكا.

فقد أظهر - دون أي لبس - كيف أن أمريكا البيضاء لا تزال تشعر بالاستحقاق والحماية، بحيث يمكنها حرفياً أن تسيّر مسلحين إلى الكونجرس، وتحطم الأبواب، وتعذب المسؤولين الحكوميين، ثم يتلقون المعاملة على أنهم وطنيون مضطربون وليسوا مجرمين.

وتشير بعض التقارير إلى أن الشرطة حاولت سد طريقهم، بما في ذلك استخدام الغاز المسيل للدموع، كما تشير تقارير أخرى إلى أن الشرطة لم تبذل الجهد الكافي، حيث تظهر مصادر متعددة أن الشرطة التقطت صور "سيلفي" مع الميليشيا.

فقدان الذاكرة الأمريكي

كما قدمت هذه الأحداث لمحة سريعة عن خرافة مستمرة بشأن أمريكا، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" ردا على الحادثة: "هذه هي الطريقة التي يتم بها الخلاف على نتائج الانتخابات في جمهورية موز - وليس جمهوريتنا الديمقراطية".

لكن من السخيف أن يلمح "بوش" - الذي هو عضو في السلالة السياسية الأمريكية الأولى والمسؤول عن إرهاب الدولة الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق - إلى أن النزاع الانتخابي "ينتمي إلى مكان آخر" (ويتم الاستشهاد بكلامه بجدية في هذا الشأن) مع الأخذ في الاعتبار أن الغزو الأمريكي للعراق أدى إلى مقتل 500 ألف شخص على الأقل.

وفي محاولات وسائل الإعلام الأمريكية لشرح التحول المضطرب للأحداث في "الكابيتول"، فإنهم سيكررون مجاز "جمهورية الموز" إلى ما لا نهاية، مما يظهر أيضًا كيف أصبح فقدان الذاكرة التاريخي حالة أمريكية دائمة.

من الغريب أن يعرب أي شخص في السياسة أو الإعلام عن عدم تصديقه بأن اقتحام "الكابيتول" يمكن أن يحدث في أمريكا، نظرًا للمدى الذي تدوس به أمريكا على مجتمعاتها الأكثر حرمانًا كل يوم.

إنها أمريكا نفسها التي تدعم لوبي السلاح واليمين المسيحي واللوبي الإسرائيلي، وهي نفس أمريكا التي تروج لمعاداة السامية والإسلاموفوبيا التي أدت إلى ارتفاع جرائم الكراهية في البلاد، وهي نفس أمريكا التي تسمح للشركات بالتصرف على حساب صحة الناس وسبل عيشهم.

في عهد "ترامب"، قتل فيروس "كورونا" أكثر من 357 ألف شخص، معظمهم من السود، وكثير منهم من الطبقة العاملة التي ينهشها الفقر، ولا يوجد حتى الآن تعويض لمن تركوهم وراءهم. لماذا من المحرج أو الفاضح بشكل خاص إذن أن تتقدم مجموعة من المتعصبين البيض في مسيرة إلى الحكومة، مع العلم أنهم هم الحكومة؟.

في الحقيقة لم تكن هذه محاولة انقلاب كما وصفها البعض، فهم لم يأتوا لتهديد الأساس الأخلاقي لأمريكا، بل جاؤوا للحفاظ عليه، وعلى الرغم من كون هذا مرعبًا، إلا أنهم كانوا أكثر بقليل من كونهم رعايا دولة "تفوق العرق الأبيض"، وإلا فلمَ لا يتعرضون لاستخدام مفرط للقوة كما نرى في الاحتجاجات ضد العنصرية؟ بل ساروا أمام الشرطة في طريقهم للخروج.

حقائق يتم إغفالها

كتبت "ميليسا كاستيلو بلاناس"، الأستاذة المساعدة في اللغة الإنجليزية في كلية "ليمان" في مدينة نيويورك: "هذا هو تاريخ الولايات المتحدة في الرق، والاحتجاز الجماعي، واحتجاز المهاجرين واستغلالهم، وتفوق البيض والنظام الأبوي، وقمع الناخبين وحرمانهم من حق التصويت. توقفوا عن الإشاحة بأنظاركم، نحن لسنا ديمقراطية ولم نكن كذلك من قبل".

وقال نواب ديمقراطيون، الأربعاء، إن الوقت قد حان لضمان محاكمة "ترامب" وعزله على الفور، وقالت النائبة "إلهان عمر" إن الأمر "يتعلق بالحفاظ على الجمهورية"، مع العلم بأن "إلهان" تلقت من قبل هجمات دنيئة ومهددة للحياة من "ترامب" وأنصاره.

ومع ذلك، فإن العنف ضد النواب - وحتى الرؤساء - لم يبدأ مع "ترامب". هذه جمهورية تأسست على العنف.

حتى في هذه المرحلة، فإن تعليق أخطاء الجمهورية على "ترامب" يعني التوق مرة أخرى للحلم الأمريكي، وهو الحلم الذي تم تصنيعه في القاعات التي تم اقتحامها يوم الأربعاء، وهو يعني أن نتخيل مجددًا أن "ترامب" وأنصاره هم مجرد انحراف في النظام.

الحقيقة أنه لن يؤدي التخلص من "ترامب" إلى تسريع العودة إلى أمريكا التي يتذكرها الجميع باعتزاز؛ لأن أمريكا هذه لا وجود لها.

المصدر | آزاد عيسى/ ميدل ايست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إدارة ترامب فوز جو بايدن مظاهرت أمريكا اقتحام الكونجرس فيروس كورونا

200 مشرع بالكونجرس يؤيدون إجراءات عزل ترامب

توابع اقتحام الكونجرس.. استقالات وإقالة وبنس يرفض عزل ترامب

مصدر: مايك بنس لا يستبعد احتمال عزل ترامب

على أغاني البوب.. ترامب وعائلته يرقصون قبيل اقتحام الكابيتول (فيديو)

فورين أفيرز: هكذا يسرع اقتحام الكونجرس الوصول إلى عالم ما بعد أمريكا