«فاينانشيال تايمز»: «بوتين» يستغل الفراغ الذي خلفه الغرب في الشرق الأوسط

الاثنين 5 أكتوبر 2015 12:10 م

في مكان ما، يجب أن يكون «يفغيني بريماكوف» مبتسما الآن.

«بريماكوف»، بالنسبة لأولئك القراء الذين لا يعرفون أو يذكرون الاسم، هو المسؤول السوفيتي والروسي السابق الذي كان مسؤولا عن إقامة علاقات وثيقة مع الحكام المستبدين في الشرق الأوسط (خاصة صدام حسين) والذي نادرا ما غاب عن أي فرصة للعمل ضد المصالح الغربية.

تغيرت التفاصيل، ولكن هذا النمط يبدو مألوفا. «فلاديمير بوتين»، المهتم بتحويل انتباه العالم بعيدا عن أوكرانيا واهتمام شعبه بعيدا عن الاقتصاد المنكمش، قد أطلق حملة لدعم الرئيس المحاصر في سوريا «بشار الأسد». حيث يرسل الجنود والمعدات العسكرية إلى سوريا ويطلق حملة دبلوماسية جديدة. وقد انضم إلى هذه الجهود كل من إيران والحكومة العراقية المقسمة وغير الفعالة التي تصنع سياستها الخارجية في طهران.

السيد «بوتين» مهتم أكثر من أي وقت مضى بإثبات أن روسيا هي قوة عظمى لا يمكن تجاهلها، واستغلال الفراغات التي خلفتها الولايات المتحدة والقوى الغربية. لمدة أكثر من 4 سنوات، دعت الأصوات الغربية إلى تغيير النظام في سوريا بينما لم تفعل شيئا يذكر لتحقيق ذلك. قرار الرئيس «باراك أوباما» بعدم القيام بأي عمل عسكري حتى بعد أن استخدمت حكومة «الأسد» أسلحة كيميائية في تحد واضح للخطوط الحمراء المفصلية للولايات المتحدة، قد شجع الحكومة وأضعف معنويات المعارضة. إضافة إلى المشكلة الاستراتيجية في النظر إلى العراق كقاعدة لشن الهجمات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. هذه الخطة لم تؤت ثمارها نظرا لأن أداء القوات العراقية كان دوما مخيبا للآمال، والنتيجة أن العراق قد صارت مثلها مثل سوريا أرضا خصبة لنمو تنظيم «الدولة الإسلامية». 

أثبتت الجهود اللاحقة التي قادتها الولايات المتحدة من أجل تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة فشلها الذريع. المشكلة ليست، كما يدعي الروس والإيرانيون، أنه تصرف غير قانوني للإطاحة بالحكومة الشرعية في سوريا. هذه الحكومة فقدت مصادر شرعيتها منذ فترة طويلة. وليست روسيا ولا إيران في موقف يسمح لأي منهما بإلقاء خطابات حول مشروعية دعم المعارضة المسلحة في ضوء ما تفعله روسيا في أوكرانيا، وما قامت به إيران على مدى سنوات في لبنان والعراق وأماكن أخرى. المشكلة ببساطة هي أن الجهود المبذولة لبناء معارضة مرتبطة مع الغرب قادرة على السيطرة على الأرض قد أثبتت أنها خاوية.

«بوتين» والرئيس الإيراني «حسن روحاني» يجادلان بأن «الدولة الإسلامية» هي التهديد الإرهابي الذي يجب هزيمته وأن «نظام الأسد» هو شريك ضروري في الكفاح. أكد «بوتين» هذا الأمر نصا في كلمته أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي: « إنه خطأ كبير أن نرفض التعاون مع الحكومة السورية وقواتها المسلحة التي تقاتل ببسالة في مواجهة الإرهاب»، ويبدو «بوتين» محقا في تقييمه للدولة الإسلامية ولكنه مخطيء في تقييم واقع الأسد (الذي لا يسيطر فعليا على أكثر من ربع بلاده)، كما أنه يؤجج الدعم للدولة الإسلامية في سوريا وحول العالم الإسلامي من خلال هجماته ضد شعبه.

ولكن هذا لا يعني أن الروس والإيرانيين مضللون تماما في تفكيرهم. التخلص من «الأسد» هو في حد ذاته لا يمثل استراتيجية. وكل من روسيا وإيران على حق في مخاوفهم بأن الأمر إذا لم يتم بطريقة متأنية فإن تغيير النظام يمكن أن يؤدي إلى انهيار كامل مما يمهد الطريق لاختفاء النظام في دمشق وإقامة الخلافة تحت راية «الدولة الإسلامية». حدوث ذلك من شأنه أن يعرض المنطقة بأكملها للخطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي انهيار الحكومة السورية إلى إبادة جماعية وموجة جديدة من اللاجئين.

من الناحية المثالية، فإن الحل الأمثل يكمن في إقناع «الأسد» أو الضغط عليه من أجل التنحي أو التنازل عن السلطة الحقيقية. من جانبها، يجب على الولايات المتحدة أن تضع شروطا واضحة لتشكيل الحكومة القادمة وتوضيح أن التقدم في طريق تقديم الدعم لعسكري والاقتصادي والدبلوماسي مرتهن باستيفاء هذه الشروط.

لا ينبغي استبعاد إمكانية العمل مع روسيا وإيران في هذا الصدد. روسيا لديها مصلحة في إنهاء الحرب الأهلية في سوريا ووقف الساحة المفتوحة لتدريب جيل جديد من الإرهابيين الذين تنتظر عودتهم يوما ما إلى موطنهم قرب روسيا مسببين أضرارا حقيقية. طهران، أيضا، لديها مصلحة في رؤية «الدولة الإسلامية» تنهار قبل أن يتم تطويقها من قبل الجيران التي تهيمن عليهم الدولة الإسلامية وتعريض المسلمين الشيعة في جميع أنحاء المنطقة للخطر.

على الولايات المتحدة أن تعلن بوضوح أنها على استعداد للمشاركة في العملية السياسية لتحقيق هذه الغاية.

لأسباب متعددة، فإن هندسة اتفاق سياسي مقبول في دمشق قد يكون مستحيلا، خاصة وأن معظم أن أنحاء البلاد تقع تحت سيطرة جماعات متناحرة. وبالنسبة للمستقبل المنظور فإن السياسة الأكثر واقعية لسوريا من الصعب أن ترتكز على حكومة موحدة تتولى السيطرة الفعلية على البلاد. ما هو مطلوب بدلا من ذلك العمل مع كل من الأكراد والعشائر السنية في مناطقهم. دعم الولايات المتحدة وأوروبا لهذه الجيوب سيكون بالضرورة عنصرا من عناصر السياسة في الفترة القادمة شأنها شأن الهجمات على «الدولة الإسلامية». وهذه الاستراتيجية لن تؤدي إلى حل قاطع ولكنها قد توقف بعض النزيف الدموي لحين ظهور شريك مناسب في دمشق.

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا بوتين التحالف الدولي بشار الأسد

التدخل الروسي يسلط الضوء على التردد الأمريكي تجاه سوريا

قوات «مارينز» روسية لحماية منشآتها العسكرية في سوريا وتنديد سعودي وتركي وغربي

«فورين بوليسي»: التحركات الروسية في سوريا لحماية مصالحها وليس «الأسد»

التدخل الروسي في سوريا (1-2): تراجع القدرات العسكرية لن يردع موسكو

«كارنيجي»: لماذا ينبغي للغرب أن يغض الطرف عن تدخل روسيا لدعم «الأسد»؟

41 جماعة سورية معارضة تدعو لتحالف إقليمي ضد روسيا وإيران

«نيوزويك»: 5 أسباب لفشل أي عملية انتقالية في سوريا تضم «بشار الأسد»

ماذا يعني أن تكون «مفاتيح الحل في جيب بوتين»

التدخل الخارجي يؤجل الحلول في الشرق الأوسط

«بوتين» يلتقي قادة خليجيين على هامش سباق فورميلا 1 في سوتشي

«بوتين» يبحث مع «محمد بن زايد» الأزمة السورية

السعودية وروسيا تتفقان على زيادة التعاون بشأن سوريا ومكافحة الإرهاب

«الإندبندنت»: «بوتين» يسعى لتهدئة المخاوف الخليجية من غاراته بسوريا

«هنري كيسنجر»: الطريق نحو تفادي الانهيار في الشرق الأوسط

«فورين بوليسي»: لماذا سيغرق «بوتين» في سوريا؟