انقلاب ميانمار وصراع النفوذ بين أمريكا والصين

الأربعاء 3 فبراير 2021 02:48 م

سيستخدم جيش ميانمار انقلابه الأخير لإصلاح تآكل قوته السياسية ونفوذه، وستلعب وتيرة العودة إلى الحكم المدني دورًا مهمًا في تحديد رد فعل القوى العالمية العازمة على الحد من فرص الصين في تعزيز مكانتها في بلد له أهمية إقليمية.

ففي 1 فبراير/شباط الجاري، أعلن جيش ميانمار، المعروف باسم "تاتماداو"، حالة الطوارئ بموجب الدستور، ما يسمح للقائد العام لخدمات الدفاع بتولي جميع السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.

وجاء ذلك في أعقاب اعتقال مستشارة الدولة "أونج سان سو كي"، والرئيس "يو وين مينت"، ومسؤولين بارزين في حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" في جميع أنحاء البلاد، كما علق الجيش الاتصالات والوصول إلى البنوك والرحلات الجوية والسفر البري في العديد من المناطق.

انقلاب مدعوم بالدستور

جاءت السيطرة على السلطة في أعقاب مزاعم عسكرية عن حدوث "10 ملايين" مخالفة في التصويت في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي قررت "لجنة انتخابات الاتحاد" في 28 يناير/كانون الثاني الماضي أنها كانت حرة ونزيهة، ما سمح ببدء الجلسة الأولى للبرلمان الجديد في 1 فبراير/شباط الجاري.

ومنذ 26 يناير/كانون الثاني الماضي، كان الجيش يلمح إلى احتمال وقوع انقلاب، وظهرت تقارير عن تحركات غير عادية من قبل قوات الأمن في مناطق رئيسية، بما في ذلك يانجون ونايبيداو.

وفي 1 فبراير/شباط، قال "تاتماداو" إنه سيحتفظ بالسلطة لمدة تصل إلى عام واحد للتركيز على معالجة مشاكل الانتخابات، وكبح "كورونا" وكذلك استعادة "السلام" في النزاعات بين المسلحين العرقيين والحكومة، قائلًا إنه عندما تنتهي هذه المهمات، ستجري انتخابات عامة تشارك فيها أحزاب مختلفة.

وصمم الجيش بعناية دستور ميانمار لتمكينه من السيطرة حسب الحاجة والحد من الحكم المدني، ويحتوي القسم 417-418 من الدستور على بند يشرعن الانقلاب عبر إعلان حالة الطوارئ لمنع "تفكك الاتحاد".

وسوف يستفيد جيش ميانمار من الانقلاب لدحر عقد من المكاسب الانتخابية للأحزاب المدنية والحد من قوتهم المستقبلية، وبالنظر إلى الدور الدستوري القوي بالفعل للجيش، فقد يختار القيام بذلك دون اضطرابات كبيرة، بالرغم أن تدخله سيكون له عواقب طويلة المدى على السلطة المدنية.

خيارات الجيش وتداعياتها

من المرجح أن تؤدي بعض الاضطرابات إلى دفع الجيش باتجاه التجهيز لجولة جديدة من الانتخابات، مع وضع ضوابط تحد من نشاط الاحتجاج والآفاق السياسية لـ"الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية".

ويعتبر هذا الخيار جذابا لأنه يتجنب الضغط الدولي من خلال شق طريق واضح للعودة إلى الحياة الطبيعية، مع الاستمرار في تأديب "الرابطة الوطنية"، كما سيسمح استمرار جائحة "كورونا" للجيش بتبرير التأخير في الاقتراع حسب الحاجة.

ومع ذلك، فإن هناك مسارًا أكثر تكلفة قد يؤدي إلى إلغاء الجيش للدستور كليًا لفرض نظام جديد من شأنه أن يسمح بمزيد من السيطرة العسكرية المباشرة في البرلمان، كما هو الحال في تايلاند.

كما يمكن لحركة احتجاج عامة كبيرة أن تدفع الجيش إلى حملة قمع قاسية يمكن أن تدفعه نحو سيناريو الاستيلاء على السلطة على المدى الطويل.

ويحتفظ جيش ميانمار بنسبة 25% مضمونة دستوريًا من البرلمان، ولكن في السنوات الأخيرة، خسر وكيله المدني المتمثل في حزب "التضامن والتنمية"، أرضية كبيرة لصالح حزب "الرابطة الوطنية" بعد انتصارات ساحقة متتالية في انتخابات 2015 و2020.

وفي 1 فبراير/شباط، أصدرت "الرابطة الوطنية" مقطع فيديو تم تسجيله سابقا لـ"سو كي" تدعو الجمهور فيه إلى رفض الانقلاب والمقاومة، ما أثار احتمال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، لكن الخوف من الجيش و"كورونا" قد يضعف هذا الاحتمال ويقوض موثوقية "الرابطة الوطنية" في المستقبل من حيث قدرتها على تهديد الجيش.

حسابات الغرب وأمريكا

سيتوقف رد فعل اللاعبين الدوليين الرئيسيين على كيفية ممارسة الجيش للسيطرة على الحكومة، فضلاً عن وتيرة استعادة الحكم المدني.

إذا اختار "التاتماداو" إطارًا زمنيًا أقصر وأكثر وضوحًا لإعادة تشكيل الهيمنة المدنية، فمن المرجح أن يعطي الغرب الأولوية للتواصل مع القادة العسكريين للتأثير على جدولهم الزمني بدلاً من محاولة الضغط العلني بشيء مثل العقوبات لاستعادة حكومة منتخبة.

ومن المرجح حدوث ذلك لأن أي حملة شديدة أو إجراء تغييرات منهجية متطرفة من قبل البلاد ستؤدي إلى عزلة البلاد وتقوية يد للصين.

وهكذا، من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على العلاقات مع حكومة ميانمار إذا اختار "التاتماداو" طريقًا أقصر وأكثر تحديدًا للعودة إلى السيطرة المدنية.

ومع ذلك، قد تجبر حملة قمع صارمة أو تغييرات منهجية شديدة، واشنطن والحكومات الغربية الأخرى على عزل البلاد، مما يفتح الباب أمام زيادة النفوذ الصيني.

وستشكل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين رد واشنطن على انقلاب ميانمار، حيث قد تستجيب إدارة الرئيس "جو بايدن" الجديدة بقوة لإظهار اختلاف السياسة الخارجية الأمريكية المؤيدة للديمقراطية مقارنة بافتقار الصين لمثل هذه المبادئ لجذب المواطنين في البلدان حول العالم.

أما الخيار الآخر، فقد تتبنى واشنطن نهجًا براجماتيًا لمنع الصين من بناء المزيد من النفوذ في ميانمار من خلال الحفاظ على اقتصاد ميانمار والعلاقات الأمنية المحتملة مع الدولة.

وقد يتراجع الضغط في الداخل الأمريكي من قبل جماعات حقوق الإنسان جزئيًا بسبب تواطؤ "سو كي" في الحملة القمعية المثيرة للجدل ضد السكان الروهينجا المسلمين في ميانمار، ما يجعل الخيار الأخير أكثر قابلية للتطبيق.

وإذا اتبعت الحكومة الأمريكية نهجًا مدروسًا يعطي الأولوية للحفاظ على الروابط مع ميانمار، فمن المرجح أن تضمن أن أي عقوبات تفرضها تستهدف الجيش فقط، مثلما حدث في العقوبات الأمريكية ردا على أزمة الروهينجا في ميانمار.

وقد أصدرت الولايات المتحدة بيانين شديدي اللهجة ردا على الانقلاب في 1 فبراير/شباط، قائلة إن الانتكاسات في التحول الديمقراطي في ميانمار ستؤدي إلى مراجعة إلغاء العقوبات الشاملة على مدى العقد الماضي، ما يهدد بإعادة فرضها.

يُذكر أنه خلال الانقلاب العسكري في تايلاند عام 2014؛ تجنب المجلس العسكري حملات القمع الصارمة، وقد مكّن ذلك الولايات المتحدة من اختيار عقوبات اقتصادية قليلة نسبيًا دون تعريض غالبية مساعداتها للبلاد للخطر.

الصين واستغلال الموقف

في غضون ذلك، ستستفيد الصين من التعقيدات التي يمثلها انقلاب ميانمار للولايات المتحدة، حيث تتمتع بكين بسجل حافل من التكيف في ميانمار وكسب أرضية عندما يتضاءل النفوذ الغربي.

تمكنت الصين من الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من "الرابطة الوطنية" والجيش، وكذلك مع أحزاب الأقليات العرقية الرئيسية والجماعات العرقية المسلحة، مما منحها تقدمًا بغض النظر عن نتيجة الأزمة الحالية.

وستتدخل بكين بهدوء عند الحاجة لتجنب الفوضى، لكن شاغلها الأساسي سيكون استمرار مشاريع البنية التحتية والمصالح التجارية وأمن الحدود، وكلها أمور يمكن للجيش الحفاظ عليها.

أما الهند فلديها تركيزها الاستراتيجي الخاص على ميانمار التي نمت أهمية موقعها بين الصين وشبه القارة الهندية في خضم المنافسة المتزايدة بين نيودلهي وبكين. وكافحت الهند منذ فترة طويلة لممارسة نفوذها في ميانمار نظرًا لعدم قدرتها على تقديم استثمارات وتجارة كبيرة على قدم المساواة مع الصين.

ولذلك فإن الرد الأمريكي القوي على الانقلاب سيشهد التفات الهند إلى هذه الاعتبارات والحاجة إلى دعم أجندة واشنطن الإقليمية بالنظر إلى تركيز الولايات المتحدة على الهند كشريك رئيسي ضد الصين.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ميانمار تاتماداو حالة الطوارئ أونج سان سو كي انقلاب عسكري إقليم الروهينغا

انقلاب ميانمار.. ما وراء تحرك الجيش والسيناريو القادم

بنجلاديش.. لاجئو الروهينجا يحتفلون باعتقال زعيمة ميانمار

واشنطن ترفض أحداث ميانمار وتعتبرها انقلابا.. وجلسة طارئة بمجلس الأمن

بعد الانقلاب.. جيش ميانمار يحجب فيسبوك وإنستجرام وواتساب