«جيروزاليم بوست»: مخاوف روسيا التقليدية من السُنّة تدفعها لدعم التحالف الشيعي

الأحد 11 أكتوبر 2015 03:10 ص

يسعى العالم السني إلى تسريع هجومه المضاد في وجه التدخل الروسي في سوريا. ومع محدودية الخيارات، فمن المرجح أن يقدم السنة المزيد من الموارد للمتمردين الإسلاميين الذي يقفون في وجه قوات النظام السوري.

معركة الثأر الدموي بين السنة والشيعة في سوريا سوف يتم تعميقها بسبب الهجمات الروسية. في الأيام الأخيرة، دعا عشرات من رجال الدين الإسلامي السعوديين العالم الإسلامي إلى « تقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري للجهاد» ودعم الحرب المقدسة ضد الحكومة السورية ومؤيديها الإيرانيين والروسيين.

ويقارن بيان رجال الدين حول الدور الروسي اليوم بموقفهم إزاء التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1980. الأمر الذي دفع إلى ظهور الجهاد الدولي والانسحاب النهائي للقوات السوفيتية في نهاية المطاف.

الإعلامي السعودي البارز «جمال خاشقجي» الذي يرأس قناة إخبارية يملكها أحد الأمراء السعوديين نشر مقالا في الأسبوع الماضي على موقع قناة العربية الإخبارية وصحيفة الحياة اللندنية أشار خلاله إلى أن «المملكة العربية السعودية لن تحتمل النصر الإيراني في سوريا»، وحدد «خاشقجي» اثنين من الخطوط العريضة أمام السعوديين: أولا، تعزيز الدعم للمعارضة الإسلامية، باستثناء «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة. ثانيا، استخدام الدبلوماسية لخلق دعم دولي لموقفها ضد التحالف (الشيعي) الإيراني الروسي في سوريا.

الروس لا يدعمون فقط التحالف الشيعي الذي تقوده إيران والذي يتضمن نظام الرئيس السوري «بشار الأسد»، ولكنهم أيضا يدعمون الأقليات غير السنية الأخرى في المنطقة التي تشعر بأنها مهددة من قبل موجة الصعود السني في أعقاب الربيع العربي.

قامت صحيفة «المونيتور» في وقت سابق من هذا الشهر بإجراء مقابلة مع أحد الزعماء الأكراد السوريين الذي أظهر ارتياحا للتدخل العسكري الروسي في سوريا.

وقال «صالح مسلم»، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن روسيا «سوف تمنع التدخل التركي، ليس للدفاع عنا (أي الأكراد)، ولكن دفاعا عن الحدود السورية».

معركة وجودية مع الإسلام السني

«أرولد رود»، وهو زميل بارز في معهد «جاتستون» ومقره في نيويورك، والمستشار السابق في وزارة الدفاع قال لـ«جيروزاليم بوست» يوم الأربعاء أن الروس يعتقدون أنهم في معركة وجودية مع الإسلام السني. وقال إن «بوتين» قد أخبر العديد من الزعماء الأجانب أن يعتبر نفسه حاميا للثقافة الروسية.

«ثلث عدد سكان روسيا هم من المسلمين» وفقا لـ«رود». وبعضهم مقيمين بصورة غير قانونية. الروس لديهم معدل المواليد أقل من معدل المواليد المسلمين في البلاد والذي يتراجع أيضا ولكن بمعدل أبطأ من الروس. واحدة من طرق روسيا في التعامل مع هذا الأمر هي تشجيع مسلميها من الاتحاد السوفيتي السابق الذين يهاجرون إلى روسيا على التحول إلى المذهب الشيعي وهو ما قد يشيع فتنة بين المسلمين والروس.

معظم السكان المسلمين الروس هم من أصل تركي، وكذلك المسلمين الأيغور في الصين، العلويون السوريون، وإيران و«حزب الله»، والأكراد والأقليات الأخرى في الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، «كلها تسبح في بحر السنة».

يلاحظ «رود» أيضا الغالبية العظمى من الأكراد هم من السنة ولكنهم لا يزالون ينظرون إلى العرب السنة والأتراك كتهديد لهم.

وفي هذا السياق، كما وضح «رود»، يمكننا أن نفهم تعاون روسيا مع الائتلاف الشيعي بقيادة إيران.

منطقة «الأسد» العلوية حول معقله في اللاذقية هي المنطقة التي اختارها الروس لبناء قاعدتهم العسكرية في سوريا. هناك بعض السنة في المنطقة الساحلية، التي هي وطن العلويين التقليدي. لا يمانع الروس ولا العلويون إذا ذهب هؤلاء السنة إلى أماكن أخرى تاركين هذه المنطقة حصرا للعلويين. «هذا يعني أن الروس لديهم الآن حليف استراتيجي ضد العدو المشترك، أي السنة».

الأكثر من ذلك، فإن التوغل الجوي الروسي في المجال التركي يوم السبت كان يحوم حول محافظة هاتاي، وهي محافظة تركية علوية إلى حد كبير، حيث يقطن بها أقارب العلويين السوريين.

تتنازع كل من تركيا وسوريا منذ فترة طويلة على هذه المحافظة. «كان هذا تحذيرا واضحا من روسيا لتركيا  بعدم التدخل مع الأهداف العسكرية الروسية في سوريا».

خيارات سعودية محدودة

وفيما يتعلق بالموقف السعودي، أشار «رود» إلى قيامهم بتعزيز الجهاد في الخارج في مقابل الحصول على دعم من المؤسسة الدينية في البلاد. في حين أن السعوديين مولوا الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، فإن الفارق الآن هو أن هناك المزيد من الجماعات الجهادية، ويبدو أن السعوديين قلقين من أن يصبحوا هم أنفسهم هدفا لأنشطتها.

في عام 1979، قامت عائلة آل سعود بعقد اتفاق مع المؤسسة الدينية الوهابية مفاده أن تقوم العائلة المالكة بتمويل الجهاد خارج البلاد مقابل عدم تشجيع الجهاد ضد النظام السعودي داخل البلاد. ولكن الجهاديين عادوا الآن ليطاردوهم. وتخشى السعودية حال انتصار الجماعات السنية الأصولية في سوريا من أنها قد تستخدم سوريا حينئذ كقاعدة لتهديد النظام السعودي. وأضاف «رود»: «هذا هو السبب في أن السعوديين يقومون بدعم من يصفونهم بالمعارضة السنية المعتدلة في سوريا».

«روسيا الآن تهاجم المعارضة السنية المعتدلة المدعومة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة .. يبدو الأمر كتحذير للمملكة العربية السعودية بعدم التدخل في الشؤون الروسية».

وردا على سؤال حول إذا ما كانت الجماهير السنية، التي يفوق عدد كبير من قوات التحالف الإيرانية الشيعية في سوريا، من شأنها أن تطيح في النهاية بـ«نظام الأسد»، أجاب «رود» أن القوة هي ما يهم في النهاية وأن «الروس ليس لديهم مشكلة في قصف المدنيين والقيام بأي شيء ضروري لتحقيق أهدافهم». «بوتين لا يعبأ كثيرا بردود الأفعال والانتقادات الدولية مثل إسرائيل».

وبالتالي، يشكك «رود» في أن النظام السوري العلوي سوف ينهار في أي وقت قريب وأن روسيا سوف تمنع ذلك من الحدوث. «قد يكون الأسد قد صار ورقة مستهلكة ولكن ليس النظام العلوي. وهذا هو واحد من أهم الأسباب التي تدعو الروس لدعم العلويين».

«ديفيد أندرو واينبرغ»، المتخصص في شؤون الخليج وزميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال في تصريحات لنا أن هناك حاجة ماسة لامتلاك نظرة مستقبلية. «منذ فترة شهرين فقط كان الكثير من المراقبين يتوقعون أن المملكة العربية السعودية سوف تندفع في استجلاب الأسلحة من روسيا بدلا من الاستمرار في الاعتماد على الحماية الأمريكية».

« وفي حين أن نجل الملك السعودي تعهد بحزمة جديدة من الاستثمارات في روسيا، فإن زيارة العاهل السعودي المنتظرة لروسيا لم تحدث أبدا». يتوقع المحللون الآن اتجاها معاكسا بالكلية وهو أن المملكة العربية السعودية سوف تصعد بشكل كبير في مواجهة روسيا من أجل إسقاط «الأسد».

«إسقاط النظام في دمشق صار أكثر صعوبة على الرياض». ووفقا لـ«واينبرغ» فإن الرياض ليست مستعدة لمواجهة روسيا مباشرة بهذا الشكل. أما بالنسبة لرجال الدين السعوديين الذين دعوا لدعم الجهاد في سوريا في مواجهة العدوان الروسي هناك، قال «واينبرغ» أن الداعية الأبرز على هذه القائمة هو «ناصر العمر» وهو ليس مسؤولا رسميا في الدولة وهو مجرد شخصية بارزة تقتات على الفتات من قبول الدولة.

والتقى «العمر» أيضا الشهر الماضي مع «عبد المجيد الزنداني»، أحد معلمي «أسامة بن لادن»، والذي وقعت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة بتهمة تمويل تنظيم القاعدة.

ووقع «العمر» في وقت سابق على عريضة تأييد المجاهدين في ائتلاف الجبهة الإسلامية في سوريا ضد «المشروع الأمريكي الصهيوني والمشروع الصفوي الرافضي».

«عيران سيغال»، وهو باحث في مركز غزري لدراسات إيران والخليج في جامعة حيفا قال في تصريحات له أن السعوديين يبدون وكأنهم قد صاروا محاصرين.

«بعد أن فشلت في إقناع الولايات المتحدة بالتدخل، تمكن السعوديون من إنشاء التحالف الذي كاد يطيح بحكم الأسد، ولكنهم الآن يواجهون الروس»، وفقا لـ«سيغال».

على الرغم من المحاولات الأخيرة، فإن السعوديين لم يكونوا قادرين على الفوز بتأييد الروس إلى جانبهم.

«في ظل عجز الميزانية المتزايد بسبب انخفاض أسعار النفط، سيكون على السعوديين أن يقرروا إذا ما كانوا على استعداد لاستثمار المزيد من الأموال في سوريا».

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا روسيا التدخل الروسي العسكري السنة الشيعة العلويون

أوراق اللعبة السعودية في مواجهة التدخل الروسي في سوريا

تأثير التدخل الروسي في سوريا على حوار موسكو والرياض بشأن أسعار النفط

لعبة الشطرنج تحتدم في سوريا بين قوى إقليمية ودولية .. و«الأسد» مفعول به

تحركات موسكو في سوريا: 5 رسائل ترسلها روسيا إلى العالم

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

«الصبر الاستراتيجي»: لا تطاردوا «بوتين» في سوريا .. دعوه يفشل من تلقاء نفسه

«ديفنس نيوز»: الانقسامات الخليجية تهدد التحالف المضاد لنظام «الأسد»

روسيا والخليج.. تقارب محفوف بالعوائق

روسيا تواجه دول الخليج في سوريا

عودة وصاية الإمبراطورية الروسية على الأقليات بالمشرق

لماذا تخشى إيران أيضا التدخل الروسي في سوريا؟

الأهداف الاستراتيجية للتدخل الروسي في سوريا

العرب والورقة الروسية

«الإيكونوميست»: الشيعة يعتبرون «بوتين» البطل المخلّص

كيف يتحقق النصر لروسيا في سوريا؟

مرجع إيراني يحذر مشيخة الأزهر من «السقوط في فخ أعداء الإسلام»