الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «2-2»

السبت 24 أكتوبر 2015 11:10 ص

في الجزء الأول من هذا التحليل المترجم، تم التطرق إلى أهداف روسيا الحقيقة من تدخلها العسكري في الصراع السوري إضافة إلى تفاصيل وحدود خطتها العسكرية وطبيعة الوضع الذي تحاول فرضه ميدانيا ثم الحل السياسي الذي سيتم ترجمته تبعا لذلك. هذا الجزء من التحليل سيتناول خيارات الولايات المتحدة الأمريكية ثم الأضرار والعواقب المحتملة للتدخل على روسيا وخطتها البديلة حال فشلت في فرض وقائع جديدة على الأرض.

هل هناك خيارات سياسية؟

الآن، فإن مقاتلات «سو» الروسية قد دخلت في مناوشات مع الناتو عبر اقتحامها للمجال الجو التركي، كما أنها لا تتردد في الطيران على مقربة من طائرات إف-16 الأمريكية والطائرات بدون طيار فوق سوريا، وهذا يظهر استراتيجية الولايات المتحدة على أنها ميتة. كان إنشاء منطقة حظر طيران هي التوصية في مثل هذه الأحوال في التسعينيات. ولكن التدخل بالقرب من منافس على هيئة روسيا لا يجعل منه خيارا جيدا على أفضل الأحوال. هناك بالفعل منطقة حظر جوي فوق الملايين من اللاجئين السوريين وتدعى بـالمجال الجوي التركي وقد انتهكت روسيا ذلك. ما هو الأساس القانوني لفرض الولايات المتحدة منطقة حظر جوي فوق سوريا في أي مكان؟ هل هناك شخص على استعداد لإسقاط طائرة روسية من أجل إنفاذ ذلك؟ الجواب هنا أنه لا يوجد، وفي هذا الفصل غير المؤكد من العلاقات الأمريكية الروسية فإن الرئيس «أوباما» من غير المرجح أن يخاطر بصراع مباشر في سوريا وهو المكان الذي كان يتجنب سلفا التورط فيه.

يبدو أن واشنطن لديها صعوبة في التكيف. السؤال هو هل عليها فعل ذلك أصلا. طرق «فريد زكريا» نقطة جديرة بالانتباه حين كتب: «النخبة السياسية في واشنطن طورت عقلية أن تفادي الأخطاء هي أنشطة لتحقيق الأهداف». إلى الآن، لم يحقق «فلاديمير بوتين» أي شيء من خلال قراره بالتدخل. المشكلة في العاصمة تعود إلى العام 2011: حين اتخذت الولايات المتحدة خيارا استراتيجيا بتجنب التدخل في الصراع، بينما في الوقت ذاته أخذت تصرخ بصوت عال، بخيار غير قابل للتحقق، مؤكدة أن «الأسد» لا بد له أن يرحل. من هذا المنظور، فإن ما تفعله روسيا يصب في صالح الولايات المتحدة حتى وإن جاء ذلك مصحوبا بتهتك في صورتها.

كما هو الحال في أوكرانيا، يجب على صناع القرار الأمريكيين أن يسألوا أنفسهم إذا ما كان الأمر يستحق الدخول في حرب متزايدة مع روسيا بشأن سوريا. في جميع الأحوال سوف يكون الجواب بالنفي بما يعني أن واشنطن في أفضل الأحوال سوف تبحث عن وسيلة لتظل فاعلة في الوقت الذي تنتظر فيه نتائج موسكو. التصرف الطبيعي أن تقرر واشنطن أن تفعل شيئا في سوريا، أو بتعبير «رايس» و«غيتس»، خلق الحقائق الخاصة بنا على الأرض. التاريخ الحديث من الحقائق على الأرض التي أنشأتها التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط ليس جيدا. آلاف الطلعات الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لم تنجز شيئا يذكر . ووع ذلك فإن الحرب هي شيء فوضوي وغير مؤكد ومن المتوقع أن تقدم الكثير من الفرص للولايات المتحدة إذا لم تسر الأمور على هوى موسكو.

ومع ذلك، فإن ثمن استمرار ضبط النفس لن يكون هينا. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن البقاء خارج سوريا قد جاء مع تكلفة منخفضة نسبيا حتى الآن، ولكن في حال لم تقد على فعل شيء مع التدخل الروسي فسوف تصبح متذبذبة في أعين حلفائها. وزراء خارجية تركيا والسعودية عقدوا مؤخرا مؤتمر صحفيا أعلنوا فيه بوضوح عن غضبهم. تركيا يجب أن تتساءل عما يحمله ذلك بالنسبة لمستقبلها. وعلى الرغم من الخطاب العام، قد يكون حلف شمال الأطلسي متناقضا بشأن الدفاع عن تركيا. قامت الولايات المتحدة وألمانيا بسحب أنظمة الدفاع الجوي باتريوت من الأراضي التركية. حتى المملكة العربية السعودية، الخصم الأبرز للأسد، فإنها ربما تخفض نسبيا سقف توقعاتها بعد مناقشات في موسكو.

لا ترغب روسيا في أن تفرض على الولايات المتحدة أن تقبل بشكل كامل عملياتها في سوريا، ولكنها ترغب في أن تجبر أعضاء التحالف الإقليمي على التصالح مع موسكو وفق اتفاق ثنائي. وهذا هو، في حال رفضت واشنطن تنسيق جهودها وأهدافها مع موسكو فإن ذلك من شأنه أن يرفع من احتمالية المخاطر ليس فقط للقادة الأمريكيين ولكن أيضا لحلفائهم في تركيا. العراق التي شكلت خلية تنسيق مشتركة مع روسيا وسوريا وإيران، تسعى بوضوح نحو مصالحها الخاصة حتى لو جاء ذلك على حساب الخيارات والتفضيلات الأمريكية. أي استجابة غير واعية من قبل واشنطن من شأنها أن تفتت تحالف مكافحة «الدولة الإسلامية» الذي تقوده الولايات المتحدة.

ما بين عقلية التهور «فعل شيء لمجرد إظهار النشاط أو إثبات الوجود» وعقلية الاسترخاء المفرط «استراتيجية فعلا لا شيء»، فإن الجواب الأكثر ذكاء حول هذا الصراع هو أن تمارس الولايات المتحدة استراتيجية اللعب على الفواصل (استراتيجية تعمد على تعزيز النفوذ والاستعداد لاستغلال الفرص في انتظار أخطاء الخصم) مع التخفيض من التكاليف البشرية. سواء فشلت روسيا أو نجحت في تحقيق بعض الإنجازات فإنها سوف تحتاج إلى الولايات المتحدة من أجل فرض أي تسوية في سوريا. الولايات المتحدة لديها نفوذ هنا، وهناك صفقة سوف يتم عقدها تختلف مخرجاتها حسب نتائج التدخل الروسي. المشكلة التي ينبغي أن يعيها قادة الولايات المتحدة على المدى الطويل هي أن وصول قوة كبرى أخرى قادرة وراغبة في التدخل العسكري هو تغيير لقواعد اللعبة فيما يتعلق بحريتها في اختيار العمل أو التقاعس عن العمل في العالم. المناقشات حول الخطط المستقبلية سوف تتوقف عن طرح سؤال «كيف يفكر الروس» وسوف يكون السؤال البديل المطروح هو «ماذا سيفعل الروس». هناك جانب مضيء في ذلك وهو أن الأمر قد لا يكون بداية النهاية لقيادة الولايات المتحدة في العالم، ولكن بدلا من ذلك بداية العودة إلى سياسة خارجية أكثر ذكاء.

التبعات على روسيا

في نهاية المطاف فإن موسكو ترتجل حلا في سوريا من شأنه أن يوفر لها بعض المرونة. تصريحات الرئيس «أوباما» بأن روسيا لا بد أن تجد نفسها متورطة في مستنقع هو نوع من الإسقاط للمخاوف الأمريكية بعد تجربتي العراق وأفغانستان وهي نفس الرهبة التي أبقت الإدارة الأمريكية على هامش هذا الصراع. البعض في مؤسسة الأمن القومي الأمريكية ينظرون إلى التدخل العسكري الروسي بشيء من الغرور على افتراض أنه إذا فشلت واشنطن فإنه لا يمكن لأحد آخر أن ينجح. التدخل الروسي هو لحظة غير مريحة للدوائر السياسية الأمريكية لأنها تختبر فرضية يفضل الكثيرون عدم رؤيتها تحت الفحص والاختبار. وهي الفرضية المتعلقة بإذا ما كان استخدام كل القوة العسكرية الممكنة في الشرق الأوسط يترجم غالبا إلى نتائج فقيرة فيما يتعلق بالمخرجات السياسية، أم أن الأمر يتعلق فقط بالولايات المتحدة.

مع وجود 34 طائرة فقط وبضعة آلاف من العاملين على الأرض فإنه روسيا من غير المرجح أن تصبح محاصرة وسوف تكون أهدافها العسكرية محدودة جدا. موسكو لديها حلفاء أكثر قدرة بكثير، وهم يدفعون بكل قوتهم في هذا الصراع وهو إيران وسوريا. على العكس من ذلك فإن جهود الولايات المتحدة لجمع السعودية وتركيا والمقاتلين الأكراد لا تزال تواجهها العديد من التحديات. ولكن موسكو يمكن أن تجرح بسهولة في سوريا. والواقع أن هذا المشروع يحمل مخاطر سياسية حقيقية. بعيدا عن مخاوف تحطما طائراتها أو إسقاطها، الخوف الأكبر لروسيا مما لا شك فيه هو منن هجوم إرهابي انتقامي في موسكو.

ليس بالضرورة أن يأتي هذا الأمر من قبل المتعاطفين مع «الدولة الإسلامية» في روسيا. قام «بوتين» بتوجيه ضربة خطيرة للخطط السعودية ومن المحتمل أن الرياض سوف ترغب في توجيه الرد في حدود موسكو مستفيدة من شبكة واسعة النطاق في العالم من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين. الوجود الروسي هو أيضا عرضة لقصف مماثل لهجوم 1983 على ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت. أي ضربة مدمرة يمكن أن تجبر موسكو على مضاعفة تعبئة قواتها من أجل حفظ ماء الوجه. على حد تعبير «نيتشه»، كلما حدقت موسكو بوجهها في الهاوية السورية، كلما زاد أن تلحق تكاليف هذا الصرع بموسكو أيضا.

قد تصل العلاقات الروسية التركية أيضا إلى مستوى الحضيض كما حدث بين موسكو وبرلين حول الحرب في أوكرانيا. بعد أن تيقنت أن الولايات المتحدة ليست عقبة حقيقية، ومع توقع مقاومة سعودية قوية فإن أكبر مصدر للقلق لروسيا هو الرد التركي. في حال نجاحها، قد تسفر هذه العملية عن تحالف بين روسيا وإيران ولكن ذلك قد يكون على حساب علاقاتها مع تركيا. بعد أن تضررت علاقاتها مع ألمانيا على وقع أزمة أوكرانيا قد تتضرر موسكو بشدة من تدمير علاقة أخرى حيوية اقتصاديا وأمنيا مع قوة كبرى على حدودها الجنوبية.

استراتيجية الخروج

في نهاية المطاف، إذا ما ساءت الأمور بشكل رهيب، فإن استراتيجية الخروج الروسية سوف تكون معتمدة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. كل ما تحتاج روسيا ساعتها إلى القيام به هو توافق حول دفع «الأسد» عن السلطة واستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي لدعم كل من التسوية السياسية والوجود العسكري الدولي. في مثل هذه العملية، يمكن لروسيا تحويل قواتها إلى قوات حفظ سلام ضمن قوات متعددة الجنسيات أو ببساطة الخروج بعد إعلان نصر سياسي. إزالة «الأسد» قد لا يكون احتمالا ممكنا من قبل ولكن في الوقت الراهن فإن موسكو وطهران هم من يتحكمون حقا بمصيره. يسيطر «بوتين» تماما على جميع وسائل الإعلام الرئيسية في روسيا وهو أمر يجعل النصر بسهولة مجرد الإعلان عن تحقيق النصر وتوزيع بعض الميداليات من ثم تغيير التغطية الإعلامية إلى أوكرانيا. بالنسبة لـ«بوتين»، فإن التصور العام حول هويته القيادية لا يقل أهمية عن النتائج الفعلية لسياسته الخارجية.

يواصل القادة الروس صياغة وإطلاق البيانات التي تشير إلى دعم الدولة السورية ولكن ليس «الأسد» شخصيا. لذلك فإن «الأسد» سوف يكون هو الثمن السياسي لتراجع روسيا في حال فشلت خططها. وخلافا للحرب في أوكرانيا، قد لا يكون الانسحاب الروسي بالضرورة بمثابة انتصار للغرب. ونظرا لن روسيا سوف تمتلك قوات على الأرض والمزيد من التأثير السياسي في المباشر في سوريا، فإن بإمكانها تنسيق عملية انتقالية مع إيران. سيناريو التخلي عن «الأسد» وفرض قوة دولية مدعومة من الأمم المتحدة سوف يكون مقبولا من قبل الولايات المتحدة الحلفاء الإقليميين. من المرجح أن يكون رحيل «الأسد» هو لعبة موسكو المزدوجة: في محاولة لإطلاق عملية سياسية مع تحول على المدى الطويل إذا نجحت عملياتها في سوريا. ومع ذلك، إذا فشل التدخل في تحقيق مكاسب فإن «الأسد» سوف يكون الثمن الذي سوف تدفعه روسيا لحفظ ماء وجهها.

  كلمات مفتاحية

روسيا سوريا بشار الأسد السعودية تركيا التدخل العسكري الروسي

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»

«ديفينس نيوز»: التدخل الروسي في سوريا يعمق التقارب بين الرياض وأنقرة

تحركات موسكو في سوريا: 5 رسائل ترسلها روسيا إلى العالم

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

«كارنيجي»: لماذا ينبغي للغرب أن يغض الطرف عن تدخل روسيا لدعم «الأسد»؟

روسيا تنفق 2.4 مليون دولار يوميا على عملياتها في سوريا

«كارنيغي»: ما الذي يريد أن يصل إليه «بوتين» حقا في سوريا؟

تطورات واعدة في سوريا

قراءة عسكرية للتدخل الروسي في سوريا

تحليلات ومعلومات ثبت خطؤها

«فورين بوليسي»: لماذا سيغرق «بوتين» في سوريا؟

خطورة النظام السياسي وخياراته

التحول الاستراتيجي: لماذا تريد إيران دعوة روسيا إلى العراق أيضا؟

لماذا لا يمكن أن يصبح «بوتين» شريكا في الحرب ضد «الدولة الإسلامية»؟

«ستراتفور»: نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية الروسية في سوريا

الخيارات العقلانية .. ما الذي يريده «بوتين» حقا في سوريا وأوكرانيا؟

لماذا يحتاج «بوتين» إلى التخطيط لمغادرة سوريا سريعا؟