لماذا يحتاج «بوتين» إلى التخطيط لمغادرة سوريا سريعا؟

السبت 12 مارس 2016 11:03 ص

هناك حدثان وقعا هذا الأسبوع بعيدا عن قمرة القيادة السورية يجعلان الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أكثر عجلة لإنهاء تواجده في الحرب السورية بنجاح وفي أسرع وقت ممكن.

أولا، قيام الجنرال «فيليب بريدلوف» من القوات الجوية الأمريكية، والقائد في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بالإدلاء بشهادته في جلسات استماع الميزانية في كابيتول هيل في واشنطن، والتي أفصح خلالها عن رغبته في نشر لواء قتالي دائم في أوروبا الشرقية ودول البلطيق على طول الحدود الروسية. أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا حملة تحديث مكثفة شملت ثالوث الأسلحة النووية الاستراتيجية الخاصة بالولايات المتحدة (الجوية والبرية وأنظمة تسليم الأسلحة النووية بحريا، والتي تستهدف روسيا بالمقام الأول) وهي على استعداد لإنفاق يقدر بتريلليون (ألف مليار) دولار على الأقل خلال العقد القادم.

ثانيا، ذكرت وكالة «رويترز» وغيرها من وكالات الأنباء الغربية أن «بوتين» قد قرر خفض ميزانية الدفاع الروسية بنسبة خمسة في المائة هذا العام. وسف تكون هذه هي المرة الأولى التي يقوم خلالها «بوتين» بخفض إنفاق بلاده الدفاعي منذ وصوله إلى السلطة في عام 2000. وقد ألقت الآثار التراكمية للعقوبات الغربية على روسيا بفعل نشاطها في القرم وشرق أوكرانيا، إضافة إلى فقدان أسعار النفط لأكثر من 70% من قيمتها إضافة إلى الانخفاض الملحوظ في معدل الاستثمارات في الاقتصاد الروسي، بظلالها على هذا القرار. ورغم أن «بوتين» لا يواجه خطرا حقيقيا بفقدان قبضته على السلطة لكنه يدرك أن عليه أن يولي اهتماما كبيرا لعقارب الساعة. يدرك «بوتين» أنه لا يستطيع تحمل تكاليف الحفاظ على التفوق العسكري وتأمين جبهته الغربية جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الوجود المكثف في سوريا إلى أجل غير مسمى. ولذا فإنه يحتاج إلى نصر دبلوماسي أو عسكري سريع في سوريا من أجل الحفاظ على هالة من المصداقية حول عودة روسيا كقوة عالمية.

وقد حققت روسيا تقدما ملحوظا في مجال التحديث العسكري خلال العقد ونصف الماضيين منذ أن أعلن «بوتين» عن خطط لإنفاق 700 مليار دولار في أنشطة الاستحواذ والبحث والتطوير الدفاعي. أدخلت روسيا جيلا جديدا من الغواصات الشبح، كما قامت بتطوير جيل جديد من المقالات النفاثة والتي تقاتل الآن بالفعل في سوريا كما قامت بإدخال إصدارات جديدة من صواريخ كروز التي يتم إطلاقها ضد أهداف سورية من السفن في بحر قزوين.

لكن الاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين يعتقدون أن «بوتين» قد ارتكب بعض الأخطاء الأساسية والتي تنم عن ضعف أكثر مما تنم عن قوة. في 31 ديسمبر/كانون أول 2015، وقع الرئيس الروسي «بوتين» استراتيجية جديدة للأمن القومي. كان واحدا من أبرز السمات الرئيسية لهذه الوثيقة التأكيد على أن روسيا مستعدة لنشر أسلحة نووية منخفضة القدرة (تكتيكية) في حال وقع هجوم تقليدي من قبل حلف شمال الأطلسي.

وقد خلص المخططون العسكريون الروس إلى أن الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي لديهم ميزة التفوق التقليدي، على الرغم من أن دراسة مؤسسة «راند» مؤخرا خلصت إلى أن القوات الروسية يمكن أن تعزز من تواجدها في دول البلطيق. من أجل تعويض التفوق الغربي في الأسلحة التقليدية، فإن روسيا تقوم بنشر الأسلحة النووية التكتيكية. وقد استجابت الولايات المتحدة عن طريق تحديث الترسانة الخاصة بها لأكثر من 500 من الأسلحة النووية التكتيكية.

تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في وضع القتال التقليدي قد نبه مخططي الناتو، ما دفع الجنرال «بريدلوف» لطلب تعزيز الوجود الأمريكي في خط المواجهة الجديدة. هذا التصعيد، ذهابا وإيابا، يبدو أنه غير محتمل بالنسبة إلى روسيا وهذا هو جوهر الأزمة التي تواجه «بوتين»: أنه إذا سقطت مبادرة جنيف للسلام، وعادت سوريا إلى مرحلة جديدة من الحرب، فإن روسيا لن يكون بمقدورها البقاء إلى أجل غير مسمى. كما أنها لا تستطيع أن تتخذ قرارا بالانسحاب المبكر أو أن تتحمل تكلفة مواجهة مع حلف الناتو، وهي الخطة ب لكل من واشنطن وبروكسل.

إذا كان القادة الغربيون، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» الذي يستعد لمغادرة مقعده قريبا، قادرين على أن يأخذوا بعين الاعتبار هذا المأزق الاستراتيجي الذي يواجهه «بوتين» (كما يفعل المخططون الاستراتيجيون في البنتاجون بالفعل)، فإن ذلك من شأنها أن ينتج وضعا تفاوضيا مختلفا على طاولة جنيف وخارجها.

تتحدث أرقام الاقتصاد الروسي عن نفسها. في عام 2015، ونظرا للأسباب المذكورة أعلاه، فإن الاقتصاد الروسي انكمش بنسبة 3.7% أفضل تقديرات 2016 تشير إلى أن معدلات النمو السلبية سوف تستمر حتى لو كان ذلك بوتيرة أبطأ مما كان عليه الوضع في عام 2015. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن التضخم قد ارتفع بنسبة 15.4% في روسيا خلال العام الماضي. ولذا فإن تخفيض ميزانية الدفاع السابق الإشارة إليه يمكن أن النظر إليه في ضوء هذا التضخم المتسارع. كل هذه العوامل كفيلة بالضغط على «بوتين» لأجل وضع استراتيجية سريعة للخروج من الحرب في سوريا.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا محادثات جنيف الأسد بوتين التدخل الروسي في سوريا المعارضة السورية أوباما

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «2-2»

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»

«أولاند»: التدخل الروسي لن ينقذ «بشار الأسد»

«الصبر الاستراتيجي»: لا تطاردوا «بوتين» في سوريا .. دعوه يفشل من تلقاء نفسه

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

الإعلان عن فصيل سوري معارض جديد من قاعدة حميميم الروسية

محللون: واشنطن وموسكو تمسكان بزمام الأمور في سوريا

«أوباما» يرحب بسحب روسيا قواتها من سوريا ويؤكد: الأهم هو الانتقال السياسي