التحول الاستراتيجي: لماذا تريد إيران دعوة روسيا إلى العراق أيضا؟

الجمعة 13 نوفمبر 2015 03:11 ص

الضغط من واشنطن على رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» كي لا يدعو الروس للمشاركة في قتال «الدولة الإسلامية» قد لا يبقى فاعلا لفترة طويلة. أكدت القيادة المركزية الأمريكية أن «العبادي» لم يوجه دعوة إلى الروس، وهذا هو الحال في الواقع. ولكن هل «العبادي» حقا هو من يقرر الأمور في العراق؟ وإذا كان هو، وهو أمر مشكوك فيه على كل الأحوال، فما هي الديناميكية التي تشكل قراراته في نهاية المطاف؟

فقط قبل الذهاب إلى بعض التطورات الهامة التي تجري في بغداد الآن، دعونا نلقي نظرة خاطفة على نهاية السيناريو الأسوأ لمعرفة بالضبط ما هو على المحك هنا. وبعبارة أخرى، ماذا لو دعا «العبادي» الروس رغم ذلك؟

تغييرات في موازين القوى

إذا ذهب الروس إلى العراق، في حين يتواجدون بالفعل في سوريا، فإن ذلك سوف يمكن التحالف المتصاعد بين روسيا وإيران من السيطرة على المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. تركيا سوف تكون تحت ضغط من الشرق والجنوب في وقت واحد. التأثير الاستراتيجي على مسارات الطاقة ربما يغير من خريطة الطاقة العالمية. سوف يتقلص تواجد الولايات المتحدة شمال وجنوب هذه الكتلة إلى حد بعيد لأن دول المنطقة سوف تكون مترددة إلى حد كبير في تحدي هذا المحور الجديد. وخلاصة القول: فإن صعود هذا المحور على مساحة شاسعة من العالم سوف يغير إلى الأبد التكوين الاستراتيجي العالمي. وإذا انضمت الصين إلى هذا التحالف، فإن هذا يعني قلب قواعد النظام العالمي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

من المرجح أن أولئك الذين يدعون إلى التعقل في إدارة «أوباما» أو حتى أولئك الذين يبالغون في ردود أفعالهم من رموز إدارة بوش سوف يكونون على استعداد لمراجعة تقييمهم عند هذه النقطة. الأخبار السيئة هي أنه سيكون متأخرا جدا بعد ذلك. والخبر السار هو أن العصف الذهني الآن، بينما لا نزال نملك الوقت سوف يجلب رؤية أفضل للإدارة القادمة.

الحقيقة هي أننا في خضم هذا التحول الاستراتيجي الذي لا يزال في طور التكوين، والذي لم تظهر مخرجاته بعد. لن يتم تجنب سيناريو أسوأ الحالات عن طريق الضغط السياسي على «العبادي» أو توجيه تحذيرات مبطنة ومهذبة كالتي وجهها «دانفورد» (جنرال أمريكي زار العراق الشهر الماضي من أجل تأكيد عدم دعوة العراق للقوات الروسية). هذه كلها مجرد ردود أفعال. إذا تكشف هذا التحول، ستكون الولايات المتحدة في مأزق حقيقي في كل غرب آسيا.

وصحيح أن قدرة الولايات المتحدة على حماية سياستها الخارجية في تلك المنطقة الحيوية قد تمت المبالغة فيها خلال الإدارة السابقة، ثم تم تقزيمها خلال السنوات السبع التي أعقبت ذلك. ومع ذلك، فإن التاريخ يخبرنا أنه في لحظات من هذا القبيل يمكن لبعض الخطوات الصغيرة أن تحجم من الأضرار وتهيئ الأمور إلى ما يمكن القيام به في اللحظة المناسبة. ولكن لتحديد هذه اللحظات والخطوات، يجب أن يكون هناك عقل جمعي حساس للغاية. وهذا الأمر متاح في واشنطن، ويمكن تلمسه من خلال دعوة جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة إلى أخذ خطوات استباقية في سوريا خلال عامي 2012 و2013 إلى أن اعترض عليه رئيس الجمهورية وحده تقريبا.

الاستراتيجية الروسية الإيرانية

انتقلت روسيا إلى سوريا بعد أسابيع قليلة من توقيع اتفاق نووي مع إيران. كل ما تم معد سلفا بين الروس والإيرانيين خلال المفاوضات النووية التي أدت إلى سلسلة من التحركات المنسقة عقب اختتام المحادثات. نحن لا نعرف بالطبع ما خطط له البلدان، وكيف اتفقا على استخدام الاتفاق النووي لخلق سياق استراتيجي ملائم لأهدافهما . ولكننا رأينا خططهم مجسدة في صورة القوت الروسية التي انتقلت إلى سوريا والتواجد الاستخباراتي الروسي في العراق. وكلما فكرنا أكثر في هذه الخطوات الفعلية كلما صارت الأهداف العامة أكثر وضوحا. وكما نكتشف من خلال ما يجري حاليا في العراق، فإنه من المؤكد أن الروس سوف يتوجهون إلى العراق في وقت قريب. العراق ثمرة ناضجة يمكن أن تقع في سلة الرئيس «بوتين» في أقرب وقت.

بغداد معبئة برياح قوية تسير في اتجاه موسكو، في يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول، قال عضو في البرلمان العراقي صراحة إن على «العبادي» أن يدعو الروس الى العراق دون تأخير. «الولايات المتحدة خانتنا خلال السنوات الـ12 الماضية وعلى القوى السياسية أن تتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية كما أن على البرلمان أن يستثمر في هذه الفرصة التاريخية للشعب العراقي في السماح لروسيا بتوجيه ضربات مباشرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية»، وكانت تلك مجرد بداية.

ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عاصفة ضخمة من البيانات والعروض الإعلامية والمقالات والخطب التي قدمها السياسيون والتي تروج للدور الروسي. ليس من المحتمل أن تكون هذه الحملة مجرد جملة عفوية. هناك ملاحظتين جديرتين بالانتباه، أولا، إن جميع المعلقين الذين يروجون للروس هم من الشيعة والسياسيين الموالين لإيران، ثانيا، فإن هذه الدعوات غالبا ما تكون مقرونة بانتقادات لاذعة للولايات المتحدة.

ومن الواضح أن «العبادي» لا يزال يقاوم هذه الموجة الهائلة من الدعوات لاستقدام الروس. وهذه المقاومة ليست هينة. ما يحاول رئيس الوزراء القيام به هو موازنة ما يسعى السياسيون الموالون لإيران لفعله. إنه ببساطة يعمل على عزل محور «نوري المالكي - قاسم سليماني» الذي يبدو أنه وراء هذه الموجة الموالية لروسيا، ويبدو أنه يفعل ذلك عبر الالتفاف السياسي.

خطة العبادي

خطة «العبادي» هي كما يلي: العمل على بناء تحالف مع «عمار الحكيم»، «مقتدى الصدر»، والأكراد والسنة للحصول على الأغلبية في البرلمان (ربما 200 مقعدا من 328(، وبالتالي عزل رأس الحربة الإيراني «نوري المالكي» وحلفائه في بغداد. الخطة يسير على ما يرام، خاصة بعد زيارة «العبادي» للنجف في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني. «السيستاني» لم يجتمع مع «العبادي» خلال الزيارة للحفاظ على صورته كزعيم ديني، كما أكد أنه لم يجتمع أيضا مع «المالكي».

ولكن من الخطأ اعتبار أن خطة «العبادي» بمفردها كافية لعزل ذلك الجناح المؤيد لروسيا في العراق. من الخطأ لأن هذا النهج يربط هذه المسألة الهامة بشخص «العبادي» فقط، في حين أن قاعدة دعم الروس تنمو بسرعة كبيرة من حوله، وهذا يعني أنه من الخطأ أن يرى «العبادي» دون رؤية البيئة العامة من حوله. هذه البيئة هي التي ستمكن رئيس الوزراء من النجاح أو تدفعه نحو الفشل. وفي حالتنا تلك فإنها تجعله أقرب إلى الفشل.

هذا النهج خاطيء أيضا لأنه لا يحسب حسابا للدور المحتمل للحوادث المفاجئة على المسرح العالمي. خذ على سبيل المثال الهجوم الفاشل على الرمادي، أو المجزرة التي ارتكبتها «الدولة الإسلامية» في قاعدة الأمن العراقية. سوف يتم ترويج بطاقة «إلقاء اللوم على الأمريكيين»على نطاق واسع للجمهور الشيعي ما سوف ينعكس بالفشل على لعبة «العبادي» وربما نهاية حياته السياسية، وبالتأكيد سيجلب الروس إلى بغداد.

إيران لديها العديد من الأصول في العراق. بإمكان «سليماني» التلاعب بالأحداث للوصول بالأمور إلى نقطة يبدو عندها عمل «العبادي» كله بلا جدوى. بعد كل شيء، أعطيت الرمادي تقريبا للدولة الإسلامية. الخسائر في صفوف قوات الحشد الشعبي في الأنبار أو غيرها على سبيل المثال، يمكن أن تلهب المشاعر إلى حد إجبار «العبادي» على الاصطفاف مع جنبا إلى جنب مع «المالكي» ومع السيد «سليماني»، وكيل «بوتين»، أو تتركه دون خيار آخر سوى الاستقالة.

ولكن كيف يمكن منع أي محاولة لزعزعة «العبادي» أو إحباط خطته؟ مع وجود القليل من الأصول في العراق وإيران، فإن على الولايات المتحدة أن تصعد نشاطها في سوريا من أجل تحسين نفوذها في العراق.

في حين يبدو أن حقلي الحرب منفصلين سياسيا إلى حد كبير، فإن الأمور في الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق من وجهة نظر «بوتين». روسيا تنظر إلى العراق وسوريا ككتل ذات أهمية استراتيجية للوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي تخطي الجسر التركي الذي عفا عليه الزمن. لدى إيران نفس الاهتمام ولكن مع اختلافات بسيطة.

ولكن لماذا لا ينبغي أن نرحب بالدور الروسي في حين أن العديد من المسؤولين في الإدارة يفعلون ذلك. حيث يرون أن كل المشاعر المناهضة لروسيا ليست أكثر جزء من الحمض النووي للغرب فيما بعد الحرب الباردة.

المشكلة هنا لها أبعاد كثيرة. تمتطي روسيا الحصان الإيراني من أجل غزو الشرق الأدنى. هذا الحصان هو في الواقع حصان بري طائفي توسعي. لم يكن الحصان المثالي للسيد «بوتين» لركوبه ولكنه كان الوحيد المتاح على أرض الواقع. روسيا، وربما الصين، سوف يكونون، وبمجرد أن يصحبوا قادرين على كسر الوجود الأمريكي في غرب آسيا، فإنهم سوف يكملون طريقهم في بقية آسيا في الحد الأدنى ولاسيما أن الدول الأخرى سوف تتغير رهاناتهم نحو القوى الجديدة الناشئة. وهذا بشكل عام فاتحة لمرحلة جديدة في لعبة الأمم العالمية.

ولكن هل ستنضم الصين بشكل كامل إلى التحالف الجديد بين روسيا وإيران؟ نحن نخطيء حين نفهم نشوء التحالفات على أنها منتج لتجمع القادة والاستراتيجيين داخل الغرف المغلقة لتشكيل علاقات جديدة مختلفة نوعيا. هذا لا يعدو كونه تتويجا للعمل. تظهر التحالفات الجديدة في وعي القادة والخبراء الاستراتيجيين عندما تتبين ضروراتها الموضوعية على أرض الواقع. بمجرد أن تصبح هناك مزايا واضحة لهذا التحالف بالنسبة للصينيين، فإنهم سوف يسارعون إليه بكل نشاط.

من المدهش مشاهدة أمور اللعب بين اللاعبين الإقليميين والعالميين. لا يتم تعريف اللعبة من جانب واحد واحد بمعزل عن الآخرين. كان الإيرانيون هم من وجهوا الدعوة إلى الروس إلى المنطقة، وهذه الدعوة هي في الحقيقة جزء من لعبة أكبر للحد من نفوذ الولايات المتحدة، وهو هدف مشترك من قبل كل من إيران وروسيا كل لأسبابه الخاصة

الموجة التي تواجه الولايات المتحدة الآن في غرب آسيا ضخمة بالفعل. وأضعفت الولايات المتحدة موقفها في السنوات الـ15 الماضية لدرجة أن وجودها هناك قد صار في خطر. في هذه العاصفة، يجري مخاض عالم جديد، ويبدو أنه ليس جميلا على الإطلاق.

البحث عن خطة

هذه هي اللحظة التي ينبغي فيها الحفاظ على الأصول والموارد بعناية. هناك أشياء كثيرة لا ترغب فيها الولايات المتحدة في العالم العربي، كما أن هناك أشياء كثيرة لا يحبها العرب في السياسات الإقليمية للولايات المتحدة. لكن هذا ليس الوقت المناسب للأيدولوجيات السياسية. إنها لحظة للعصف الذهني من أجل الوصول إلى استراتيجية جماعية للحد من زخم موجة ضخمة قادمة من الشرق سوف تؤدي إلى إغراق الشرق الأدنى وتغيير التوازن الاستراتيجي العالمي. ويجب أن يكون النقاش نشطا بما فيه الكفاية للوصول إلى خيارات واضحة قبل تغيير الحرس هنا في واشنطن.

ليس من المضمون أن يربح «العبادي» دون ضغوط كبيرة على إيران وروسيا في سوريا وغيرها. هناك حاجة إلى تقييم جديد كليا من العراق وسوريا. يجب أن ننظر في الأمر ليس بصيغته التنفيذية ولكن من حيث الاستراتيجية. شي واحد آخر: فإن التقليل من ديناميات الأمور على الأرض أو من دور اللاعبين الإقليميين هو خطأ كبير لأنه في نهاية الأمر فسوف تضطر للعمل مع هؤلاء في أي خطة جديدة.

على سبيل المثال. التسرع في السعي للسيطرة على الرقة هو أمر غير مفهوم، بل ربما يعد خطئا قاتلا. صحيح أن هذا سيكون ضربة نفسية وتشغيلية هائلة للدولة الإسلامية. ولكن كيف؟ استخدام الأكراد للقيام بذلك هو خطأ كبير. الاعتقاد بأن قيمة الهدف يمكن أن تبرر الآثار السلبية للوسائل هو خطأ كبير في هذا السياق. وليست هذه هي حرب الأكراد وإنما حرب السنة. مجرد عناصر بسيطة من السنة ضمن القوة التي تستعد لمهاجمة الرقة ليس أمرا كافيا لإقناع السكان الأصليين.

اندفاع إدارة «أوباما» لإضافة الاستيلاء على عاصمة الدولة الإسلامية لقائمة إنجازات السياسة الخارجية يجب أن يتم تقييده من قبل الاستراتيجيين العسكريين الذين يفهمون حقا تعقيدات المعركة. دفع الأكراد في عمق الأراضي السنية سوف يزرع بذور مشاكل مستقبلية بين العرب والأكراد وسوف يساعد في نمو التطرف. ينبغي إيلاء الأكراد حقوقهم كاملة، بعد استبعادهم لعقود طويلة دون وجه حق، ولكن ينبغي أن يظل دورهم ثانويا في القتال من أجل الرقة. القاعدة الذهبية هي أن السنة عليهم أن يحرروا الأراضي السنية حتى لو كان هذا الانتصار سوف يتحقق على المدى الطويل.

  كلمات مفتاحية

العراق روسيا سوريا الدولة الإسلامية إيران حيدر العبادي العلاقات الروسية الإيرانية بوتين التدخل الروسي العسكري

«ستراتفور»: إيران وروسيا لا تحملان نفس الالتزام تجاه «الأسد»

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «2-2»

«ستراتفور»: هل تمتد الحملة الروسية في سوريا إلى العراق؟

العراق يشهد أول اجتماع للتنسيق الأمني بين بغداد وموسكو

العراق يميل بقوة نحو الاعتماد على روسيا في الحرب ضد «الدولة الإسلامية»

«ناشيونال إنترست»: تصاعد الصراع الداخلي في إيران

إيران وصدمتها في الحليف الروسي

«بوتين» في طهران الإثنين ويستقبل ملك الأردن الثلاثاء .. وتأجيل زيارة الملك «سلمان»

إيران: نزيف بشري بعد الاقتصادي بسوريا.. ماذا بعد؟

«ميدل إيست بريفينج»: كيف يمكننا أن نفهم التحالف الإيراني الروسي؟

مسؤول إيراني: «بوتين» يحاول قطف ثمار ما زرعناه في سوريا

موسكو وطهران: لا ضربة عسكرية ساحقة في سوريا!

«العراق - إيران».. مشهد مستقطع لحدودٍ مرسومة بأقلام رصاص!

روسيا وإيران لتغيير مسار فيينا .. بعد «صدمة» الرياض

ورطة إيران مع «الاستكبار» الروسي

الهذيان الإيراني والخفة الروسية