الهيمنة الاستراتيجية. تنافس مستمر بين قطر والإمارات على القرن الأفريقي

السبت 22 مايو 2021 11:59 م

يوفر ساحل البحر الأحمر وساحل خليج عدن فرصا هائلة للاستثمار في الموانئ لكن منطق الاستثمار يتعدى البعد الاقتصادي حيث تهدف الاستثمارات إلى ضمان الهيمنة الاستراتيجية وليس التجارية. 

وكانت حادثة السفينة العالقة التي أوقفت الملاحة في قناة السويس لأكثر من أسبوع في أبريل/نيسان 2021 بمثابة تذكير بأهمية البحر الأحمر كطريق عبور للطاقة والسلع التجارية، حيث يصل معظم الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام من الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.​

ويعتمد النمط الحالي للعولمة (الذي يتميز بمزيج من الإنتاج الصيني والتوزيع الذي يهيمن عليه الأمريكيون) على حرية التجارة عبر قناة السويس والبحر الأحمر بشكل كبير. وقد جذبت القيمة الاستراتيجية للبحر الأحمر، الذي يفصل القرن الأفريقي عن شبه الجزيرة العربية، اهتمامًا متزايدًا على ضفتيه حيث بدأت قوى عالمية مثل روسيا وتركيا والصين، وكذلك الولايات المتحدة وفرنسا قبلها، في إنشاء قواعد بحرية على طول سواحل جيبوتي والصومال وإريتريا والسودان.

وجذبت هذه الأهمية التي أعيد اكتشافها حديثًا استثمارات من الشاطئ المقابل حيث تنافست دول الخليج العربي الثرية على النفوذ في شرق أفريقيا. وقد تنافست قطر والإمارات وتركيا مع بعضها البعض للسيطرة على موانئ شرق أفريقيا لكسب موطئ قدم في هذه المنطقة الاستراتيجية. وتريد الإمارات والسعودية اكتساب نفوذ أكبر في القرن الأفريقي لمواجهة تركيا، بالرغم من بعض المخاوف لدى السعوديين بشأن طموحات أبوظبي.

وفي عالم يمثل فيه النقل البحري حوالي 90% من التجارة الدولية، فقد ركزت دول الخليج على الاستثمار في الموانئ. وتكتسب هذه الحقيقة أهمية أكبر في المناطق الواقعة على طول طرق التجارة البحرية الرئيسية، مثل البحر الأحمر الذي يمر من خلاله أكثر من عُشر التجارة الدولية ما يجعله أحد أهم الممرات المائية في العالم.

وحتى الآن، كان الميناء الرئيسي في القرن الأفريقي، ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، هو الميناء الموجود في جيبوتي، حيث أدت الحرب في اليمن إلى تقليص قدرة موانئ عدن والحديدة. ومع ذلك، كانت هناك زيادة في الاستثمار الأجنبي في موانئ شرق أفريقيا، مما أدى إلى إثارة المنافسة للسيطرة على هذه المنطقة بين القوى الخليجية.

وقد أبرمت الإمارات عقودًا مع إريتريا وأرض الصومال وبونتلاند فيما وقعت قطر وتركيا عقودا مع  الصومال والسودان. وبالرغم أن هذه المنطقة شهدت نموًا اقتصاديًا كبيرًا على مدار العقدين الماضيين، إلا أنها ما تزال تعاني من النزاعات والقرصنة والحكومات الهشة.

ومنذ عام 2015، برزت الإمارات كمنافس رئيسي في سباق التنافس على الموانئ في شرق أفريقيا من خلال موانئ دبي العالمية. وتعتبر الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات اقتصادية وسياسية بطبيعتها. بتعبير أدق، في مقابل تلبية احتياجات القرن الأفريقي للبنية التحتية للموانئ (خاصة إثيوبيا غير الساحلية التي شهدت نموًا غير مسبوق في العشرين عامًا الماضية مما عزز الحاجة إلى روابط مع جيبوتي والموانئ الجديدة) كانت الإمارات تقوم ببناء منشآت عسكرية هناك لدعم القوات الجوية والبحرية المشاركة في اليمن. وتهدف المنشآت أيضا إلى مواجهة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين عبر إريتريا.

في عام 2018، حصلت موانئ دبي العالمية على امتياز لمدة 30 عامًا لتطوير ميناء عصب الإريتري، كما استحوذت على ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال كما أنشأت الإمارات هناك قاعدة جوية عسكرية يمكن تكييفها لتعمل كمطار مدني، وذلك فضلا عن الاستثمارات الإماراتية في البنية التحتية لأرض الصومال والتي بلغت قيمتها نحو 440 مليون دولار.

ولا تقتصر أنشطة الإمارات على أرض الصومال فقد استثمرت أبوظبي أيضًا في البنية التحتية للموانئ (وتدريب خفر السواحل) في مقاطعة بونتلاند الانفصالية الأخرى في الصومال. وبهذا المعنى، استخدمت الإمارات البنية التحتية للموانئ كحصان طروادة لمتابعة مصالحها الاستراتيجية وسياستها الخارجية في شرق أفريقيا.

وفي عام 2018، وقعت شركة مواني قطر على عقد بقيمة 4 مليارات دولار مع السودان لتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر، كما نشطت الدوحة في الصومال حيث تنافست مباشرة مع الإمارات من خلال تأمين عقود لبناء ميناء ومنطقة اقتصادية حرة في هوبيو، بالتعاون مع حكومة مقديشو نفسها بدلاً من أرض الصومال الانفصالية.

كما استثمرت تركيا، أحد أهم حلفاء قطر، في تطوير جزيرة سواكن التي كانت الإمبراطورية العثمانية تسيطر عليها في السابق. في غضون ذلك، حصلت تركيا على حق نشر قواتها العسكرية في الميناء، بينما كانت شركة تركية تدير ميناء مقديشو.

ويشير التوسع البحري التركي الأخير إلى حقبة سابقة عندما هيمنت الإمبراطورية العثمانية على البحر الأحمر لمدة 3 قرون. وأدت عودة أنقرة إلى المنطقة إلى تكثيف تصور بعض العواصم العربية للرئيس "أردوغان" على أنه "عثماني جديد". ولن يغير المزاج التعاوني الحالي داخل دول مجلس التعاون الخليجي هذا التصور، بالنظر إلى مخاوف الغرب بشأن طموحات أنقرة.

وتشكل المنافسة على النفوذ في البحر الأحمر وشرق أفريقيا عقبة أمام استمرار الاتفاق الذي وقعته السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5  يناير/كانون الثاني في العلا لإنهاء الحصار المفروض على قطر.  وبالرغم من الاتفاق، تتمسك قطر بطموحاتها فيما يحرص جيرانها وخصومها الإقليميون على كبح جماح نفوذها الخارجي.

في غضون ذلك، بدأت 4 دول أعضاء في جامعة الدول العربية -الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبينما عرضت إدارة "ترامب" هذه الأمور على أنها وسيلة للسلام، زاعمة أنها وسيلة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان للاتفاق تداعيات أكبر بكثير على الطموحات الاستراتيجية لدول الخليج في البحر المتوسط ​​والخليج.

وبينما تبدأ الولايات المتحدة انسحابها الذي وعدت به منذ فترة طويلة من المنطقة، سيتعين على دول الخليج حماية مصالحها في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا بما لا يهدد سلامة التجارة الدولية. وحاليا تمنح القواعد المطلة على البحر الأحمر الدول العربية نفوذًا متزايدًا على الأحداث في القرن الأفريقي مثل حرب تيجراي ونزاع انفصال أرض الصومال، فضلاً عن الكارثة المستمرة في اليمن.

المصدر | أليساندرو برونو - منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القرن الأفريقي موانيء دبي موانيء قطر سواكن النفوذ الخارجي في البحر الأحمر البحر الأحمر تيجراي

«فرانس إنفو»: الإمارات تستغل الدول الهشة لامتلاك القرن الأفريقي

تحريض أفريقيا ضد مونديال 2022.. مخططات الإمارات تهدد باضطراب القارة السمراء

هل تستطيع الإمارات حل معضلة سد النهضة؟

إنترست: تقارب تركيا ومصر والخليج يخفف التنافس بالقرن الأفريقي

الإمارات وأفريقيا.. ماذا تريد أبوظبي من القارة السمراء؟