فتحي باشاغا رئيسا للحكومة.. هل يعود الانقسام الليبي مجددا؟

الخميس 10 فبراير 2022 07:40 م

أثار إعلان مجلس النواب الليبي، الخميس، عن اختيار وزير الداخلية السابق "فتحي باشاغا" لرئاسة الحكومة القلق بشأن العودة مجددا لمشهد انقسام البلاد إلى جبهتين، إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، خاصة مع استمرار الخلافات بين المؤسسات الرسمية حول قانون الانتخاب، ودور القضاء في العملية الانتخابية، وتعذر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كانت مزمعة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ولا يدور القلق حول الاعتراف بشرعية اختيار "باشاغا" فقط، بل حول شخصيته وتوجهاته السياسية، بعد أن تحول من ممثل موثوق لقوى الغرب، في مرحلة سابقة، إلى حليف لقوى الشرق، التي يقود مليشياتها اللواء "خليفة حفتر".

وبدأ هذا التحاول منذ تبني "باشاغا" تنفيذ برنامج دؤوب لتفكيك المليشيات المسلحة في ليبيا، حظي بتأييد ودعم عربي وغربي، إلا أن برنامجه وجهوده لم تكلل بالنجاح، بسبب الفصائل المسلحة في طرابلس، التي فهمت تحركاته في إطار مساعي قادة مصراتة، ذات العلاقات القوية بوزير الداخلية آنذاك، للسيطرة على العاصمة.

توافق غير تقليدي

من هنا جاء توافق "باشاغا- حفتر"، إذ يملك الثاني النفوذ الأكبر في الشرق، بينما يمتلك الأول قوة عسكرية وسياسية وعلاقات دولية متشابكة تمكنه من فرض حكومته حتى، لو لم يسلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية "عبدالحميد الدبيبة" بذلك، وفقا لما نقله موقع قناة "الحرة" الأمريكية عن المحلل السياسي الليبي "أحمد المهدوي".

وفي السياق، تحدث الضابط من الشرق الليبي، العقيد "سعيد الفارسي"، عن "صفقة تمت في القاهرة المصرية مع نجل حفتر من أجل إيصال باشاغا لرئاسة الحكومة الجديدة ومن ثم يحقق حفتر و(رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح) مصالحهما".

وفي هذا الإطار، قامت الكتيبة 166 التابعة لـ"صدام حفتر" بتأمين "باشاغا" وتنسيق تحركاته ولقاءاته مع مسؤولين وأعيان في الشرق الليبي.

لكن "الفارسي" توقع أن يواجه اختيار "باشاغا" موقفا دوليا مغايرا عن التوجه المصري "الذي يريد إبعاد تركيا عن إقليم برقة بعد التقارب المتسارع بين الطرفين مؤخرا".

ومن هذه الزاوية، يقرأ عديد المراقبين تأييد الأمم المتحدة لموقف "الدبيبة" المعلن برفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة وفق الإجراءات التي سبق التوافق عليها.

هل يؤثر هكذا رفض على مستقبل الانتقال السياسي المتعثر؟ يرى مراقبو الشأن الليبي أن البلاد ستكون أمام فرضيتين تتمثّل أولاهما في استلام "باشاغا" الحكومة الجديدة، وحصول توافق وطني حولها، بما ينهي رسمياً ولاية "الدبيبة"، فيما يتمثّل الاحتمال الثاني في تمسك "الدبيبة" برفض التخلي عن منصبه، ما يعني الاتجاه نحو وجود حكومة تحظى بثقة البرلمان، وأخرى تمارس السلطة باعتبارها حكومة الأمر الواقع.

ويدعم الاحتمال الثاني اللغط المثار منذ الدقيقة الأولى لاختيار "باشاغا" حول شرعية رئاسته للحكومة، إذ استبقى مجلس النواب مرشحين من أصل 7 هما "باشاغا" (59 عاما) و"خالد البيباص" (51 عاما)، وهو موظف كبير سابق في وزارة الداخلية، قبل أن يعلن رئيس مجلس النواب، المتحالف مع "حفتر"، أن "البيباص انسحب تاركا باشاغا مرشحا وحيدا".

لكن وسائل إعلام محلية نقلت تصريحات لـ"البيباص" نفى خلالها انسحابه من الترشح، واتهم "عقيلة صالح" بـ"توجيه قاعدة مجلس النواب لصالح باشاغا".

وفي السياق، يرى المحلل السياسي الليبي "عماد جلول" أن مجلس النواب عزز من الاتهامات الموجهة إليه بالفساد، عبر اختيار رئيس حكومة جديد بطريقة "مشوهة"، حسب تعبيره.

وقال "جلول": "كلما يتخذ مجلس النواب قرارات أو يصدر قوانين هامة، يتم استخدام أسلوب فرض الأمر الواقع، أو قطع البث عن الجلسات أو عدم تحقيق نصاب قانوني للمصوتين من النواب"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وأشار إلى أن أطرافا سياسية قد تطعن في قرار "النواب" الأخير، الأمر الذي سيفسح المجال "أمام الطعن في شرعية باشاغا واختياره للحكومة الجديدة".

وفي الاتجاه ذاته، يرى المحلل السياسي الليبي "معتز بلعيد" أن حظوظ تسليم "الدبيبة" رئاسة الحكومة بسلاسة تكاد تكون منعدمة، مشيرًا إلى أن "هذا الأمر بدا جليًا في تلميحات العديد من المسؤولين بالحكومة ومن يرتبط بها بشكل أو بآخر".

عودة الانقسام

نتيجة لذلك، يعتقد المحلل المختص في شؤون ليبيا "أنجوس ماكدوال" أن النتيجة الأكثر ترجيحًا في ليبيا هي "العودة إلى التقسيم الإداري بين حكومتين متوازيتين في مدن مختلفة، وهو النمط الذي ساد البلاد منذ عام 2014 حتى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة قبل عام واحد"، حسبما أورد تقرير نشره موقع "دبليو تي في بي".

ونقل التقرير عن "ولفرام لاتشر"، الخبير بمركز الأبحاث الألماني SWP: "لدى الجانبين النية الواضحة للاستيلاء على السلطة"، مشيرا إلى حشد القوات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوحدة أو ضدها في طرابلس مؤخرًا.

وأضاف: "يدرك سكان ليبيا وجود المزيد من المقاتلين في الشوارع والتهديد المستمر والصارخ باندلاع أعمال عنف مفاجئ، ولا سيما في ظل وجود المرتزقة الذين يستعين بهم الجانبان".

ويعزز من هذا الترجيح أن جماعات طرابلس المسلحة، التي تسعى باستمرار إلى توسيع نفوذها، منقسمة في ولائها بين "باشاغا" و"الدبيبة"، "ما يسهل على النزاعات السياسية إشعال القتال في الشوارع"، حسبما يرى "لاتشر".

ورغم أن فرص حدوث الانقسام ما زالت قائمة، حال رفض "الدبيبة" تسليم السلطة، إلا أن البرلماني الليبي "المبروك الخطابي"، يستبعد في المقابل، حدوث هكذا انقسام بعد منح الثقة للحكومة الجديدة.

ويرى "الخطابي" أن "ليبيا ستصبح أمام حكومة شرعية اختيرت وفق القواعد والنصوص الدستورية المعمول بها، وأخرى انتهت ولايتها، ستكون مغتصبة للسلطة إذا حاولت رفض التسليم".

ويُعزى ترجيح كفة تسلم "باشاغا" رئاسة الحكومة إلى وجود عاملين، أحدهما محلي، يتعلق بتوافقات نهائية بين أغلب الفرقاء الليبيين، بما فيهم قيادة الجيش وأغلب فصائل مصراتة، على تكليفه بإدارة المرحلة الانتقالية المقبلة التي ستسبق الانتخابات.

وبالإضافة إلى العامل المحلي، ثمة آخر إقليمي، يتمثل في سعي مصر لتحالف مع فرنسا وإيطاليا لصياغة تحالف جديد يأخذ بزمام الأمور في ليبيا على حساب تركيا، الداعم الأبرز لبقاء الدبيبة حاليا.

ومن هذا المنطلق، ثمة تحليلات ترجح سيناريو للانتقالي السياسي في ليبيا، يتمثل في تسليم "باشاغا" رئاسة الحكومة مقابل تهيئة الأرض لـ"حليف" مقرب من تحالف مصر وفرنسا وإيطاليا، بانتخابات الرئاسة المقبلة، سواء كان "حفتر" أو "صالح".

وكان "حفتر" أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة التي كان مقررا عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وما زال موعد إجرائها غير محسوم حتى الآن.

ولم يخف "باشاغا"، الذي تقدّم بترشحه لرئاسة الحكومة أمام مجلس النواب، مطلع هذا الأسبوع، طموحاته للقيادة، فقد كان أول شخصية بارزة تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية.

لكن ترشحه لرئاسة الحكومة سيحرمه من الترشح للرئاسة حينما يتم تنظيم الانتخابات، إذ اشترط مجلس النواب الليبي، في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، على كل مرشح أن "يقدم تعهداً مكتوباً بعدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة".

ويتوقع الكاتب الصحفي الليبي "الحسين الميسوري" أن يكون "باشاغا" على موعد مع "مهمة محلية دقيقة، يحتاج فيها إلى تحقيق التوافق الكافي الذي يحول دون مزيد من التشظي في الوضع السياسي للبلاد"، وفقا لما أورده موقع "سكاي نيوز عربية".

وأشار إلى أن "التعويل حاليا على قدرة باشاغا في تحقيق توازن بين جميع الأطراف الليبية الفاعلة، بما يضمن تمثيلها في السلطة الجديدة، وبالتالي تشكيل حكومة تلقى القبول في شرق البلاد وغربها".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

ليبيا فتحي باشاغا عبدالحميد الدبيبة عقيلة صالح خليفة حفتر

باشاغا يتعهد بضمان إجراء الانتخابات الليبية في موعدها الجديد

مصر تثمن تكليف البرلمان الليبي فتحي باشاغا برئاسة الوزراء

الدبيبة: اختيار حكومة جديدة محاولة أخرى للدخول إلى طرابلس بالقوة

نيويورك تايمز: حكومة ليبيا الجديدة تعيد الانقسام والفوضى

حكماء مصراتة يرفضون باشاغا.. والأمم المتحدة تراقب الوضع

تحركات مصرية مهدت لاختيار باشاغا لرئاسة حكومة جديدة في ليبيا