أدى أعضاء المجلس الأعلى الموقت للقضاء في تونس، الإثنين، اليمين أمام الرئيس "قيس سعيّد"، الذي عينهم بعد أن قام بحلّ المجلس السابق، ما عرضه لانتقادات شديدة واتهامات بالهيمنة على القضاء واحتكار السلطات.
وقال "سعيّد"، في خطاب قصير نشرته الرئاسة، إنها "لحظة تاريخية بكل المقاييس".
وأضاف: "نخوض معا حربا بلا هوادة ضد الفاسدين والمفسدين والذين أرادوا أن يتسللوا إلى قصور العدالة".
وقام "سعيّد"، الذي احتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو/تموز الفائت، بحلّ المجلس الأعلى للقضاء في 12 فبراير/شباط الفائت، الهيئة الدستورية المستقلة التي تم تأسيسها في العام 2016، وتعمل على ضمان استقلالية القضاء في البلاد.
ويوجه "سعيّد" اتهامات بالفساد والعمل وفقا للولاءات السياسية لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنحل.
وكان أصدر مرسوما لاستبدال المجلس الأعلى للقضاء، أعطى فيه لنفسه صلاحيات إقالة القضاة فضلًا عن منعهم من الإضراب.
غير أن قراره حل المجلس أثار مجددا غضب معارضين، قالوا إنه يؤسس لعودة الدكتاتورية بعد 11 عاما على سقوط نظام "زين العابدين بن علي".
ويمنح مرسوم إنشاء "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، الذي يُسمّي الرئيس قسما من أعضائه، صلاحية لـ"سعيّد"، بـ"طلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية".
وورد في المرسوم أيضًا أنه "يمنع على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم".
واحتج أعضاء المجلس القديم وجمعية القضاة التونسيين، ضد قرار "سعيد"، ونفذوا في وقت سابق وقفات احتجاجية، وقالوا إنهم لن يعترفوا بالمجلس الجديد المعين.
وقال المستشار بمحكمة التعقيب "محمد عفيف الجعايدي": "الوضع بكل بساطة هو أننا كنا أمام مجلس أعلى منتخب، فأصبحنا أمام مجلس أعلى معين. هذا المجلس اختاره الرئيس على المقاس".
وترفض أحزاب من المعارضة ومنظمات خطوة "سعيد" لتقويض استقلالية السلطة القضائية بعد تجميده البرلمان، وتعليقه العمل بالدستور، وتجميعه السلطتين التشريعية (عبر المراسيم) التنفيذية.
وقال "غازي الشواشي" أمين عام حزب "التيار الديمقراطي": "الرئيس يعتبر آلية التعيين أفضل من آلية الانتخاب ثم يتحدث عن الديمقراطية".
وتابع "الشواشي" قائلا: "من المفروض أن يكون المسار التشاركي هو الأساس، لكن الرئيس ذهب نحو الانفراد بالسلطة.. لقد أثبت الرئيس أنه لاعلاقة له بالديمقراطية وبالتشاركية وهو غير قادر أن يستمع للآخر".
من جانبه، عبر رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان "مراد المستوري"، عن رفضه لقرار تنصيب مجلس مؤقت للقضاء، معتبرا أنه "بناء فوضوي وليس مبنيا على أي أساس قانوني ولن يدوم".
وأشار إلى أن أداء اليمين من قبل أعضاء المجلس "معيب لغياب دستور"، موضحا أن "سعيّد قام بتعيين قضاة متقاعدين منذ زمن وليس لهم علاقة بالقضاء، وبعض الوجوه التي اشتغلت في عهد الاستبداد".
كما لاقت خطوة "سعيد" الجديدة غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شن ناشطون هجوما على الرئيس التونسي، واتهموه بإذلال القضاة وتطويعهم، والعودة بالبلاد إلى عهد الديكتاتورية.
مسخرة مجلس القضاء زقفوني #يسقط_الانقلاب_في_تونس pic.twitter.com/GwLfunSTW2
— Nizar Tabac (@nizar_tabac) March 7, 2022
جهارا نهارا قيس سعيد يعقد اجتماعا لاختيار مجلس أعلى مُنصّب للقضاة!! أتوقع معياره الأساسي هو اختيار القضاة الذين يطيعون أمره ويتستّرون على جرائمه ثم يرأفون به غدا عندما يُعتقل بحول الله ويُحاكم على الانقلاب وما قام به من التمرد على القانون والدستور.#تونس #قيس_سعيد
— محمد الهاشمي الحامدي (@MALHACHIMI) March 7, 2022
مجلس القضاء الطرطوري الذي عينه قيس سعيد في #تونس pic.twitter.com/RHBYPmfuGD
— حسين دلّي (@hudly76) March 7, 2022
فكر قيس سعيد : الرئيس، الموظفين، الرعية.
— طارق المنضوج Mandhouj Tarek (@AlloLiberte) March 7, 2022
يا قيس سعيد، هذا عهد إنتهى ... القضاء سلطة و ليس وظيفة. #يسقط_قيس_سعيد #يسقط_الانقلاب_في_تونس #مواطنون_ضد_الانقلاب #المبادرة_الديمقراطية pic.twitter.com/giA6JLbMD8
والمجلس الأعلى للقضاء، هو مؤسسة دستورية تونسية، أقرها دستور 2014، تضمن في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء، واستقلالية السلطة القضائية، ومحاسبة القضاة، ومنحهم الترقيات المهنية، طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها.
فيما دارت أول انتخابات للمجلس في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وسبق أن قالت منظمة العفو الدولية، إن تحركات الرئيس التونسي لحل المجلس الأعلى للقضاء تشكل "تهديدا خطيرا لحقوق الإنسان في تونس".
ودعت المنظمة "سعيّد" إلى التراجع عن خطط حل المجلس "والكف عن التصرفات التي تهدد استقلالية القضاء".
وفي وقت سابق، أعرب سفراء دول مجموعة السبع الغنية لدى تونس ومبعوث الاتحاد الأوروبي -في بيان مشترك- عن "القلق البالغ" إزاء القرار.
وقال سفراء الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والاتحاد الأوروبي -في بيانهم- إن "القضاء الشفاف والمستقل والفعال وفصل السلطات أمران أساسيان لديمقراطية فاعلة تخدم شعبها".
وحل مجلس القضاء حلقة ضمن أزمة سياسية حادة تعانيها تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ "سعيد" فرض "إجراءات استثنائية" منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك "زين العابدين بن علي".