هل تستطيع روسيا الصمود في وجه العقوبات الغربية؟

الخميس 10 مارس 2022 11:17 م

ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا، اتخذت الدول الغربية سلسلة من الإجراءات التي قد تدفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار. وفرضت العديد من الحكومات الغربية عقوبات صارمة على البنوك والصادرات الروسية، فضلا عن النخب والمليارديرات المقربين من الحكومة الروسية. وكذلك علقت الشركات الكبرى عملياتها في روسيا.

وأغلق الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا ودول أخرى مجالها الجوي أمام شركات الطيران الروسية. ويقول الكرملين إن اقتصاده قوي بما يكفي لتحمل هذا الضغط. وقد يكون هذا صحيحا على المدى الطويل، ولكن على المدى القصير، قد يعاني المواطن الروسي العادي من تأثير تلك العقوبات.

  • عوامل تخفيف الألم

ومن الواضح بالفعل أن العقوبات المفروضة على موسكو لها تأثير أكبر بكثير من أي عقوبات سابقة. ومنذ فرضها، انخفضت قيمة الروبل من 81 للدولار في 23 فبراير/شباط، إلى 106 للدولار في 3 مارس/آذار. وفرضت موسكو قيودا على الصرف الأجنبي، وتم إغلاق التداول في البورصة الروسية لعدة أيام، وانهارت قيمة أسهم كبرى الشركات الروسية.

وأثرت العقوبات أيضا على البنوك الروسية، بما في ذلك أكبر بنك، "سبير بنك"، الذي يحظى بـ 90% من التحويلات وحوالي 70% من مدفوعات البطاقات في البلاد. وتم فصل العديد من المصارف عن نظام "سويفت"، ما يحد بشدة من قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية خارج روسيا.

كما اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي قرارا بتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي؛ وسيكون لذلك تأثير كبير أيضا.

  • الإضرار بالمستهلكين

لكن من غير المحتمل أن يؤدي ذلك إلى انهيار كامل للاقتصاد الروسي، وذلك لعدة أسباب. أولا، تعمل البنوك المدرجة في قائمة العقوبات بشكل أساسي داخل روسيا، حيث تتلقى معظم أرباحها ويوجد معظم عملائها.

بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تضمين جميع البنوك الروسية في الحظر؛ ما يعني أن بعض المعاملات بين الشركات الروسية والعملاء الأجانب لا تزال قائمة. وحتى البنوك التي تم تضمينها يمكنها استخدام أحد الأنظمة البديلة العديدة المتاحة لها. علاوة على ذلك، فإن الارتياب التاريخي للروس في النظام المصرفي سيوفر بعض الحماية للقطاع المالي.

ويحتفظ أكثر من 90% من السكان الروس ببعض مدخراتهم على الأقل نقدا، خاصة أولئك الذين لديهم مدخرات بالعملة الأجنبية، ويتم تنفيذ ما يقرب من 40% من العمليات التجارية في البلاد نقدا. وهكذا فإن الذعر الذي تسببه العقوبات قد يكون أكبر من الأثر نفسه.

وبالنسبة للقطاع المالي، سيتم تخفيف الضربة بعدة عوامل. أولا، يقال إن الغرب يفكر في استبعاد مدفوعات الطاقة من حظر "سويفت". ولا توجد أيضا علامة على عمليات بيع كبيرة للأسهم في الشركات الروسية، بما في ذلك من قبل غير المقيمين، وهو أمر منطقي لأنهم فقدوا الكثير من قيمتها خلال الأسبوع الماضي.

ثانيا، اتخذ البنك المركزي الروسي عدة إجراءات لتخفيف الضربة. على سبيل المثال، قبل فتح التداول في أول يوم عمل بعد الإعلان عن العقوبات الأولية، تم رفع سعر الفائدة بشكل حاد، من 9.5% إلى 20%، لمنع التداعيات المالية للحرب. وأعلنت وزارة المالية أن الشركات المصدرة ستكون ملزمة بتحويل ما لا يقل عن 80% من أرباحها إلى الروبل؛ ما يجبرها على شراء العملة المحلية وخلق المزيد من الطلب عليها.

وبالرغم من هذه الجهود، فمن المرجح أن يشعر المواطن الروسي العادي ببعض الألم من العقوبات. ولم يكن هذا هو الحال مع نظام العقوبات السابق الذي تم فرضه في عام 2014 من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.

وبالرغم أن الروس شعروا بتأثير الحظر الانتقامي الذي فرضته موسكو على واردات المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا، تمكنت الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة المملوكة للدولة من العثور على ثغرات ومواصلة ممارسة الأعمال التجارية في الغالب.

وفي بعض الحالات، تم تسليم البضائع الأجنبية إلى دول خارج نطاق العقوبات قبل وصولها إلى روسيا للالتفاف على العقوبات. وواصل الروس العاديون السفر ودفع ثمن المشتريات في الخارج ببطاقات من البنوك المملوكة للدولة، وظلت المتاجر مليئة بالمنتجات الأجنبية، وأحيانا ببدائل عالية الجودة من دول صديقة.

وفيما يتعلق بالأزمة الحالية، فلن يقتصر العبء على المستهلكين العاديين فقط بل على سوق العمل نفسه بسبب انسحاب الشركات الكبرى من السوق. وفي الأيام الأولى للحرب، أعلنت العديد من الشركات مغادرة السوق الروسية أو تعليق عملياتها هناك، إما لأن العقوبات وغيرها من الإجراءات التقييدية جعلت من الصعب للغاية القيام بالأعمال التجارية في روسيا، أو لأنها لم ترغب في أن يُنظر إليها على أنها تنتفع من دولة غزت جارتها.

وستؤثر عمليات الانسحاب هذه على الوظائف والمنتجات المتاحة للمستهلكين. وفي عام 2021، مثلت الواردات 40% من السلع الاستهلاكية و53% من المنتجات غير الغذائية. وشكلت الواردات 32% من الحليب المجفف والقشدة و30% من الجبن و28% من لحوم البقر. كما أنها شكلت 39% من السيارات، و58% من الآلات والمعدات، و60% من الأدوية والأجهزة الطبية، و82% من الملابس، و87% من أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات، و88% من الأحذية، و95% من قطع غيار السيارات.

وجدير بالذكر أن أكثر من 70% من الرقائق الدقيقة في روسيا تأتي من موردين أجانب، بينما تُستخدم الرقائق المحلية بشكل أساسي في قطاع الصناعة العسكرية والفضاء. ويعني كل ذلك أن أسعار المستهلك سترتفع على الأرجح بسبب انعدام الثقة في السوق وانخفاض قيمة الروبل. وسيعتمد مدى الارتفاع على مدى سرعة الشركات الروسية في إيجاد البدائل.

  • آلام قصيرة المدى

وبافتراض عدم فرض عقوبات أكثر صرامة، فسوف يتغلب الاقتصاد الروسي على العاصفة على المدى الطويل. ولا يزال لدى موسكو الكثير من الأموال في صندوق الثروة الوطني، كما أن الدين العام منخفض واحتياطيات الذهب كبيرة.

وتعتمد روسيا أيضا على عاملين إضافيين لتخفيف الضربة. أولا، تعتقد أن أموال ميزانيتها محمية لأن العقود الحالية لتوريد النفط والغاز الطبيعي لا تزال سليمة. وسيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض قيمة الروبل إلى جعل هذه العقود أكثر قيمة بالنسبة للميزانية الروسية.

ثانيا، تتوقع موسكو أن تراجع المنافسة مع الشركات متعددة الجنسيات سيؤدي إلى زيادة أرباح الشركات الروسية الصغيرة ومتوسطة الحجم. وكان للعقوبات السابقة تأثير إيجابي على الإنتاج المحلي وساعدت روسيا على تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع.

وتعتمد روسيا على الدول الحليفة، لا سيما تلك الموجودة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لتزويدها بالمنتجات التي لا يوجد لها بديل محلي عالي الجودة. وتأمل أيضا في إقناع البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بمواصلة التجارة معها أو توسيعها، حتى بعملة مختلفة، وأن تنضم المزيد من الدول إلى نظامها الخاص بتحويل الأموال، بديلا عن نظام "سويفت"، وكذلك نظام الدفع "مير" الخاص بها، كبديل عن "فيزا" و"ماستركارد".

والمشكلة هي أن هذه الاستراتيجية لن تؤتي ثمارها إلا على المدى الطويل. وسيتطلب إغلاق المصانع وتسريح العمال وإغلاق متاجر البيع بالتجزئة والشركات تقديم المزيد من الدعم للسكان على المدى القريب.

علاوة على ذلك، فإن المشاكل اللوجيستية والروبل الهزيل وضعف الشركات الروسية وعمليات المضاربة ستزيد من تكلفة السلع وتسهم في ارتفاع التضخم. أضف إلى ذلك النقص في العمال المتخصصين، لا سيما في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث سيبحث الناس عن عمل في بلدان أخرى مع قيود أقل بسبب العقوبات.

وتراهن موسكو بشكل كبير على التعافي طويل المدى على حساب استقرارها الاقتصادي على المدى القصير. كما أنها تراهن على أن الغرب لن يكون على استعداد لفرض عقوبات أشد، مثل حظر شراء النفط والغاز الروسي أو حظر "سويفت" كليا. وسيحدد الوقت وحده ما إذا كانت هذه الرهانات ستؤتي ثمارها.

المصدر | إكاتيرينا زولوتوفا/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب أوكرانيا الغزو الروسي عقوبات اقتصادية سويفت البنك المركزي الروسي

خبراء يرجحون انهيار دفاعات روسيا الاقتصادية تحت ضغط العقوبات الغربية

بايدن يحرم روسيا من وضع "الدولة التفضيلية" ويحذر من حرب عالمية ثالثة

روسيا تفرض عقوبات على 287 عضوا في مجلس العموم البريطاني