أزمات متتالية.. الفقاعة الاقتصادية تنفجر في وجوه المصريين

الثلاثاء 22 مارس 2022 01:30 ص

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الحكومة المصرية أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 9.8% للربع الأول من العام المالي 2022/2021، وهو أعلى معدل نمو ربع سنوي منذ 20 عامًا، مما يشير إلى الانتعاش القوي بعد الوباء.

وأعقب ذلك إعلان آخر في يناير/كانون الثاني عن تحقيق الصادرات المصرية غير النفطية مستوى غير مسبوق بلغ 32 مليار دولار في 2021 مقارنة بـ25 مليار دولار في العام السابق.

ولكن هذه المؤشرات التي تبدو إيجابية تخفي صورة أكثر تعقيدا في ظل مزيج من العوامل المحلية والدولية التي يتوقع أن تعمق مستويات الفقر.

ويعد العامل الأبرز هو استمرار العقيدة النيوليبرالية للنظام وإصراره على تقويض الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك التخفيض الذي حدث الصيف الماضي لدعم الخبز الذي يستفيد منه 67 مليون مصري، والإعلان عن استبعاد الأزواج المتزوجين حديثا من منظومة الدعم.

ويأتي الحد من الإنفاق الاجتماعي بالتوازي مع نظام ضرائب تنازلي يحول العبء الضريبي ليصبح على أكتاف الفقراء والطبقات الوسطى، مما أدى في النهاية إلى خفض مستويات المعيشة لمعظم المصريين.

مشكلة مزمنة

تأتي الأيديولوجية النيوليبرالية للنظام مرفقة بنموذج النمو الفاشل المدفوع بالديون، والذي يهدف إلى تحسين القدرة التنافسية الدولية لمصر، مما وضع ضغوطًا على قيمة الجنيه المصري.

وبالرغم أن الصادرات غير النفطية حققت مستوى تاريخيا في عام 2021، وصل العجز في الحساب الجاري خلال العام المالي 2021 إلى 18.4 مليارات دولار بارتفاع 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى عجز منذ العام المالي 2016. ولطالما كانت هذه مشكلة مزمنة بالنسبة لاقتصاد مصر.وبدا واضحا أن تركيز النظام على المشاريع الضخمة كمحرك للنمو لم يعالج المشكلة.

ومع تصحيح قيمة الجنية أمام الدولار خلال الساعات الماضية فإن ذلك ينذر بتفاقم التضخم مما يؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء.

وأدى تخفيض قيمة العملة الأخير في عام 2016 إلى ارتفاع حاد في التضخم وزيادة سريعة في معدلات الفقر. وبالرغم أن احتياطيات العملات الأجنبية في مصر بلغت 41 مليار دولار في نهاية 2021، مما أعطى النظام بعض المساحة للدفاع عن العملة، إلا إنه لا مفر من إجراء تخفيضات متتالية لقيمة العملة.

كما أدى نموذج النمو المدفوع بالديون أيضًا لتقليل التدفقات المالية العالمية لمصر، خاصة أن الدين لم يستخدم لتعزيز القدرة التنافسية الدولية للاقتصاد المصري. وتعتمد الحكومة بشدة على الديون المقومة بالعملة الأجنبية والتي تشكل حاليًا أكثر من ربع عبء الديون الإجمالي.

ومع تخفيض قيمة الجنيه ستزداد نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي. وعلى سبيل المثال، فإن تراجع قيمة الجنيه بـ8%، يزيد نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي بـ1.8%، وإذا تفاقم التراجع أكثر ستزداد هذه النسبة وربما يصل الدين إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

ضغوط إضافية

يعني الاعتماد الشديد على الديون المقومة بالعملات الأجنبية أن مصر تتأثر بشدة من أي تغيير في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة. وعلى سبيل المثال، فإن زيادة أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ضغطت على مصر لرفع أسعار الفائدة الخاصة بها، والتي تعتبر بالفعل من بين أعلى المعدلات في العالم.

وستؤدي الزيادة في الديون ومدفوعات الفائدة إلى ضغوط إضافية على ميزانية الدولة، حيث يتم استنزاف ثلث الميزانية بالفعل في خدمة الديون. وسوف يترجم هذا الضغط إلى المزيد من التخفيضات في الإنفاق الاجتماعي مما يفاقم مستويات الفقر.

وأخيرا، فإن هناك أيضًا آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، بما في ذلك التداعيات على السياحة وأسعار للقمح. وفي 2021، انتعشت السياحة بشكل كبير في مصر وبلغت الإيرادات 13 مليار دولار، لتعود لمستويات ما قبل الوباء. وقد تعزز ذلك جزئيًا بعودة السياح الروس بعد استئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى الغردقة وشرم الشيخ في أغسطس/آب الماضي.

وفي فبراير/شباط قبل اندلاع الحرب، كان تصعيد التوترات بين روسيا وأوكرانيا سببا في انخفاض كبير -30%- في الحجوزات القادمة إلى مصر من البلدين. ويعني ذلك أن استمرار النزاع سيكون له تداعيات كارثية على السياحة المصرية، بالنظر إلى أن مئات الآلاف من الروس والأوكرانيين كانوا يزورون مصر كل شهر.

وتعد السياحة أيضا مصدرا مهما للعملة الصعبة ما يعني أن أي انتكاسة ستؤثر ليس على العاملين في هذا القطاع فقط، لكن أيضا على قدرة النظام على دعم الجنيه وسداد الديون، مما يرجح أكثر تراجع قيمة العملة.

ارتفاع أسعار القمح

تتعقد الصورة أيضًا بسبب زيادة أسعار القمح -التي كانت بالفعل في أعلى مستوى لها منذ عام 2012- بسبب صراع روسيا وأوكرانيا. واستوردت مصر (أكبر مستورد للقمح في العالم) قمحًا بقيمة 4.7 مليار دولار في عام 2019، وتمثل روسيا وأوكرانيا 55% و 15% على التوالي من واردات القمح إلى مصر.

وبالتالي فإن الزيادة في سعر القمح ستضع عبئًا إضافيًا على النظام المصري، ويمكن أن تسرع عملية تقليص دعم الخبز وزيادة التكاليف على كاهل الفقراء. ووضحت هذه الآثار في السوق بالفعل في فبراير/شباط عندما اضطر النظام المصري إلى إلغاء مناقصة لشراء القمح بعد تقديم عدد قليل من العروض بأسعار مرتفعة.

وبالتالي، فإن اجتماع مزيج الأيديولوجية النيوليبرالية، ونظام الضرائب التنازلي، والفشل الهيكلي لنموذج النمو، والتحديات في تدفقات رأس المال الدولي، والغزو الروسي لأوكرانيا سيعمل على إفقار الشعب المصري أكثر.

إن فشل النظام في الاستثمار في تطوير الصناعات التنافسية والتركيز فقط على الاستثمار في البنية التحتية لم يتسبب  في ثراء النخبة العسكرية فقط لكنه ترك أيضا الفقراء عرضة لتقلبات رأس المال الدولي.

ونظرا لأن آليات النظام تعتمد فقط على خفض الإنفاق الاجتماعي والاعتماد على الدعم المالي من الحلفاء الإقليميين (مثل الإمارات والسعودية) والاقتراض أكثر من الأسواق الدولية، فإن الفقراء هم الذين سيدفعون الثمن في نهاية المطاف.

المصدر | ماجد مندور - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الاقتصاد المصري الجنيه الدعم الاجتماعي حرب روسيا أزمة أوكرانيا أزمة القمح حرب أوكرانيا

مع تراجع متسارع للجنيه.. بنوك مصرية تصدر شهادات إيداع بفائدة 18%

مع تصاعد الغضب بسبب الغلاء.. مصر تبكر موعد زيادة المرتبات

بينها اللجوء للسعودية والإمارات.. 5 خيارات أمام مصر لتقوية سوق النقد الأجنبي

تداعيات جيوسياسية.. ماذا يعني لجوء مصر إلى أموال الخليج مجددا؟