الدبلوماسية التركية.. الحصان الأسود في سباق وقف حرب أوكرانيا

الأربعاء 30 مارس 2022 01:13 م

ترقب واهتمام عالمي بالمباحثات الدائرة بين روسيا وأوكرانيا برعاية تركية بمدينة إسطنبول، وسط آمال متعلقة بدور مؤثر للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في وقف آلة الحرب، التي دخلت شهرها الثاني على التوالي.

ومع توالي العقوبات الأوروبية والأمريكية على موسكو، تبرز أنقرة كوسيط أشبه بـ"الحصان الأسود" الذي يجمع في يديه أوراق عدة، تتيح له تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع، دون أن يحسب على طرف دون آخر.

ويتجه الجانبان فعليا، نحو توافق على نقاط عدة، وسط محاولات من أنقرة لجمع الرئيسين، الروسي "فلاديمير بوتين"، ونظيره الأوكراني "فلوديمير زيلينسكي" قريبا.

وتشترط روسيا لإنهاء عملياتها العسكرية، تخلي أوكرانيا عن أي خطط للانضمام إلى كيانات عسكرية بينها حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والتزام الحياد التام، بينما تطالب كييف بانسحاب روسي كامل من أراضيها، وضمانات أمنية بعدم تعرضها لغزو آخر مستقبلا.

دور "أردوغان"

ترتكز الوساطة التركية في الأزمة الدائرة بين البلدين، على ثقل سياسي واضح وملموس لـ"أردوغان"، الذى التقى الوفدين الروسي والأوكراني، الثلاثاء، ووجه لهما كلمة، حذر فيها من أن إطالة أمد الحرب ليس في صالح أحد.

وأضاف: "تعاملنا بإنصاف في كافة المنابر الدولية مع الطرفين (الروسي والأوكراني) عبر ضمان حقوقهما ومراعاة حساسياتهما"، مؤكدا إيمانه بعدم خسارة أي طرف في معادلة السلام العادل للأزمة الروسية الأوكرانية.

وأقر "أردوغان" بأن "للطرفين مخاوف مشروعة"، داعيا الجانبين إلى وضع حد لهذه المأساة ووقف إطلاق النار وتحقيق السلام في أقرب وقت ممكن.

ومنذ أسابيع يمارس "أردوغان" دبلوماسية الهواتف مع نظيريه الروسي والأوكراني قبل وبعد الحرب، في محاولة للتهدئة، وإيجاد أرضية مشتركة من أجل مفاوضات شاملة واستراتيجية تمهد لأخرى سياسية بين القادة.

وبدهاء يحسب له، رفض الرئيس التركي المشاركة في العقوبات الغربية والدولية المفروضة على روسيا، وفي الوقت ذاته، لم يتخل عن دعم أوكرانيا بالمساعدات الإنسانية، واستقبال مواطنيها اللاجئين، والتمسك بوحدة أراضيها وسيادتها، وهو ما يمنحه ثقة كبيرة لدى الطرفين، تفتقدها عواصم أوروبية كبرى.

وفي فبراير/شباط الماضي، زار الرئيس التركي، العاصمة كيييف، لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة، وقبل ذلك وفر طائرات دون طيار لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني.

وتقول صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن "أردوغان" هو أكثر من يتعامل باستمرار وبصفة شخصية مع "بوتين"، ويدرك أكثر من أي رئيس دولة أخرى طبيعة النظام الروسي وسيكولوجية زعيمه.

ويقول "إيهور جوفكفا"، نائب مدير مكتب الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، إن "تركيا من بين تلك الدول التي يمكن أن تصبح ضامنة لأمننا في المستقبل"، وفق "رويترز".

طبيعة الوساطة

ترتبط أنقرة بعلاقات اقتصادية وسياسية وثيقة بالبلدين، وتستقبل تركيا على الدوام ملايين السائحين من البلدين، كما تحتفظ بعلاقات اقتصادية وعسكرية رفيعة المستوى مع موسكو وكييف.

وتمارس تركيا دبلوماسية متعددة الطبقات والمستويات، ضمن استراتيجية تهدف إلى تقليل أضرار الحرب ووقف العدوان عاجلا أو آجلا، بحسب تعبير المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن".

وتأخذ تلك الاستراتيجية أشكالا عدة، تشمل تنسيق الجهود وتنفيذ عمليات الإجلاء، وإرسال المساعدات، وفتح ممرات إنسانية، وتوفير قناة اتصال بين موسكو وكييف، واستضافة مسؤولي البلدين، وربما لاحقا جمع "بوتين" و"زيلينكسي" في أنقرة.

كذلك يسعى الجانب التركي، كحليف موثوق لدى موسكو، إلى تزيين فرصة السلام في أنظار المسؤولين الروس، وضرورة تجنب إيقاع عقوبات بالغة الشدة باقتصادهم وبروابطهم مع العالم الخارجي، بحسب "العربي الجديد".

وقد تمكنت الدبلوماسية التركية عمليا من جمع وزيري خارجية أوكرانيا وروسيا للمرة الأولى لإجراء مفاوضات بينهما من خلال لقاء عقد في أنطاليا، 10 مارس/آذار الجاري.

وخلال الأسبوع الجاري، تجري محادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، برعاية تركية، سعيا للوصول إلى بنود محددة قد تتبلور إلى اتفاق يحول دون طول أمد الحرب.

نقاط خلافية

وتتركز المفاوضات حول عدم انتهاك قواعد الحرب، ووقف إطلاق النار، وتخفيض عدد القوات، وعدم إقامة قواعد عسكرية للنيتو على الأراضي الأوكرانية، وطبيعة الضمانات الأمنية المطلوبة من روسيا وأوكرانيا.

ويدور الخلاف حول مطالبة روسيا بنزع السلاح عن أوكرانيا، مقابل طرح آخر يقضي فقط بالسماح لكييف بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا ظلت غير منحازة عسكريا كجزء من مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وتتلخص النصيحة التي يقدمها الأتراك لأوكرانيا، في أن تكون دولة قوية لكن محايدة، لا تعادي روسيا ولا تكون خاضعة للأطلسيين الذين تخلوا عنها في أحلك الأوقات، بحسب "القدس العربي".

ووفق وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، فإنه "تم التوصل إلى اتفاق في بعض النقاط بين الوفدين الروسي والأوكراني"، دون الإفصاح عنها.

وأضاف: "لم يتم الاقتراب من التفاهم في أي مفاوضات بقدر ما تم التوصل إليه اليوم، ويمكننا القول إن المفاوضات الروسية الأوكرانية بدأت تثمر السلام والتقارب في وجهات النظر".

مستقبل الوساطة

على الرغم من أن روسيا تتفوق على أوكرانيا في حسابات أنقرة، فإن الجانب التركي يدرك أهمية كييف للولايات المتحدة وأوروبا، ويريد أن يكون رمانة الميزان في أية تسوية مستقبلا، ما يعزز نفوذه على الساحة الدولية.

كذلك، يعد انتصار أوكرانيا المدعومة غربيا، وانكسار روسيا الحليف القوي لتركيا، أمرا في غير صالح أنقرة، خاصة إذا ما وصل الأمر لتحقيق هدف استبدال القيادة الروسية (بوتين)، حينها لن يكون من المستبعد أن يحاول المعسكر الغربي تطويق تركيا كهدف ثان، والتخلص من "أردوغان"، بحسب المحلل السياسي السوداني "مدى الفاتح".

وقد يشكل تحقيق نصر ساحق لروسيا فرصة لمتابعة تمددها عبر البحر الأسود، واستقواء "بوتين" بشكل يهدد مصالح تركيا في سوريا وليبيا وشرقي المتوسط.

تبقى نهاية الأزمة بشكل دبلوماسي الخيار المفضل للأتراك، مع ثقل دور "أردوغان"، وتنامي نفوذ أنقرة، ونجاح دبلوماسية الحياد الفاعل في إيجاد أرض صلبة للحوار بين الروس والأوكران، قد تفضي إلى إنقاذ أوروبا من أزمة الطاقة واللاجئين، وإنقاذ الشرق الأوسط من شح القمح، وإنقاذ العالم من لهيب أسعار أسواق النفط والغاز، وإنقاذ بلد أوروبي من الدمار والخراب.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان بوتين الحرب الروسية الأوكرانية زيلينسكي الدبلوماسية التركية الناتو

حرب أوكرانيا.. كيف توازن تركيا مصالحها بين روسيا والناتو؟

أردوغان: يمكننا أن نكون إحدى الدول الضامنة لتحقيق أمن أوكرانيا

موقف تركيا بين روسيا وأوكرانيا

أبو ظبي: الدبلوماسية هي السبيل لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية