حرب أوكرانيا.. كيف توازن تركيا مصالحها بين روسيا والناتو؟

الأربعاء 9 مارس 2022 10:00 ص

يمكن القول إن تركيا هي أهم دولة إسلامية في العالم اليوم، كما أن هناك نزعة استقلالية متزايدة في إدراتها للعلاقات الدولية، لذلك فإن موقفها مهم من الحرب غير المباشرة بين الناتو وروسيا في أوكرانيا؟

وقد اكتسبت تركيا خبرة سياسية وعسكرية هائلة خلال قيادتها للإمبراطورية العثمانية لما يقرب من 6 قرون، وهي واحدة من أكبر وأطول الإمبراطوريات في تاريخ العالم. وبعد انهيارها وتقسيمها في نهاية الحرب العالمية الأولى، عادت تركيا الجريحة تدريجيا إلى موقع القيادة كقوة إقليمية كبرى. ويساعد موقعها الاستراتيجي وهيكلها الاقتصادي المتنوع ورؤيتها الجيوسياسية الطموحة على فرض نفسها بقوة على الساحة العالمية.

تحركت تركيا تحت قيادة الرئيس "رجب طيب أردوغان" لتأكيد وضعها ليس فقط كقوة في الشرق الأوسط، ولكن كقوة أوروبية، بلقانية، متوسطية، قوقازية، أوراسية وفي آسيا الوسطى، وحتى كلاعب أفريقي. ومثل العديد من البلدان الأخرى، انزلق حكمها تدريجياً إلى نوع من الاستبداد أصبح يُعرف باسم "الديمقراطية غير الليبرالية".

وتتحكم تركيا في مضيقي الدردنيل والبوسفور اللذين يربطان البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود حيث يتواجد الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم. ويعطي ذلك أنقرة وزنًا جيوسياسيًا إضافيًا.

وعلى مدى قرون، ضمت الإمبراطورية الروسية بانتظام أجزاء من الأراضي العثمانية، ما يساعد في تفسير سعي تركيا السريع للحصول على عضوية وقائية في الناتو في عام 1952، وبالتالي تأكيد وضعها الأوروبي في أقصى الطرف الشرقي لحلف الناتو. لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وظهور دول ما بعد الاتحاد السوفييتي الجديد، وجدت تركيا نفسها فجأة بدون حدود برية مع روسيا واختفى "التهديد" الجغرافي/الجيوسياسي الأكثر أهمية بين عشية وضحاها.

ما تزال تركيا اليوم عضوًا في حلف الناتو، لكن غالبا ما تتحرك بشكل مستقل عن الناتو، حتى إنها ذهبت إلى شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400". في الواقع، لا يعتمد الناتو الآن كثيرًا على تركيا فيما يتعلق بالدفاع. وتكمن قيمته الأساسية بالنسبة لأنقرة في منحها مقعدًا على طاولة مؤسسة أمنية أوروبية وعابرة للأطلسي.

ولا تقبل تركيا حاليا تعريفها على أنها "حليف مخلص لحلف شمال الأطلسي" ومستعد لتلبية طلبات واشنطن على المسرح الدولي، حيث تطمح إلى قيادة إقليمية واسعة لا تخضع لأي دولة أو قوة بمفردها.

وتلعب تركيا دورًا مهمًا في ليبيا، وتدعم بقوة القضية الفلسطينية، وهي صديقة للإخوان المسلمين، ودعمت أذربيجان بشكل حاسم في حربها الأخيرة مع أرمينيا، وتنشط في الصومال والدول الأفريقية الأخرى، وتحافظ على علاقات مهمة مع إيران، وتبيع الأسلحة إلى أوكرانيا، وتعمل عن كثب مع روسيا من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، وتحافظ على علاقات وثيقة مع دول آسيا الوسطى التركية، وتهتم بشدة بالمشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

بشكل عام، لدى تركيا مجموعة من المصالح "غير المتوافقة" التي يبدو أنها تديرها بفعالية كبيرة، الأمر الذي يثير استياء واشنطن التي تفضل حليفًا أكثر انصياعا لها. وفي الحرب الحالية، ليس من المستغرب أن تحاول تركيا الموازنة بين الناتو وروسيا.

لقد انتقدت علنًا الغزو الروسي باعتباره "حربًا"، وشاركت في دعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي "استنكر" العدوان الروسي، وربما تمارس ضوابط قانونية على مرور السفن الحربية الروسية في البحر الأسود. وبالرغم أن تركيا تحتفظ بعلاقات مهمة مع روسيا، لكنها تدعم التتار الأتراك في شبه جزيرة القرم، وقبل كل شيء تعارض أي تحركات روسية تهدد السيادة الوطنية للدول الأخرى في المنطقة كما تبيع تركيا طائرت "بيرقدار" إلى أوكرانيا.

لكن تركيا ستقاوم الانجرار إلى أي موقف أعمق أو دائم لمواجهة روسيا، حتى إن أنقرة عرضت التوسط بين موسكو وكييف لأنها تتمتع بدرجة من المصداقية لدى كل من روسيا وأوكرانيا.

ويعتقد البعض أن الناتو سيخرج أقوى من هذا الصراع، لكن هذا الأمر قد لا يكون صحيحا. فمع ظهور العواقب الاقتصادية لهذه الحرب على الغرب، سيدرك الأوروبيون خطورة اتباع المغامرات الأمريكية بشكل أعمى كما لو كان الأمر بدون عواقب.

لقد أصبح حلف الناتو قوة أمنية متراجعة وقديمة لا تفكر إلا من منظور دفاعي وعسكري ضيق. من ناحية أخرى، فإن رؤية الصين الأوروبية الآسيوية هي رؤية شاملة صاعدة. ولن ترغب تركيا ولا معظم دول العالم في التخلي عن المشاركة المحتملة في هذا المشروع.

ولو كانت علاقات تركيا الجيدة مع كل من أوكرانيا وروسيا ستجبرها على اتخاذ موقف ضد أي من الدولتين، فلا جدال أن روسيا ستتفوق على أوكرانيا في حسابات أنقرة. لكن الحفاظ على علاقات عمل جيدة مع أوكرانيا في هذه اللحظة يمنح تركيا نفوذاً متزايداً أمام موسكو حيث إن أنقرة واثقة من نفسها وغير راغبة في أن يأخذها أي طرف كأمر مسلم به. لكنها تحتاج أيضًا إلى حسن النية الروسية للمساعدة في إدارة الشؤون المتعلقة بالشرق الأوسط والقوقاز وأفغانستان وآسيا الوسطى.

وبالطبع، تحاول واشنطن الحفاظ على إيمان العالم بها كقيادة موثوقة وحيدة للعالم، لكنها تخسر سريعا هذه المكانة. وتخدع واشنطن نفسها إذا اعتقدت أن لديها دعمًا عالميًا لسياستها الأيديولوجية الأخيرة لاصطياد "الدب الروسي". ومن اللافت للنظر أن معظم العالم الإسلامي لم يوافق على موقف واشنطن حيث تحظى كل من روسيا والصين بأهمية متزايدة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط وأوراسيا. لذلك، فإن معظم دول الشرق الأوسط غير مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها مع روسيا أو الصين لمجرد إرضاء الناتو.

علاوة على ذلك، لا يصدق العالم انزعاج واشنطن قانونيا وأخلاقيا من الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد فعلت الولايات المتحدة نفس الشيء في العراق قبل 20 عامًا، ناهيك عن العديد من التدخلات العسكرية التي لا أساس لها من الناحية القانونية في بلدان أخرى بما في ذلك أفغانستان وليبيا والصومال وسوريا ودعمها المباشر للسعودية والإمارات في حرب اليمن. 

وبالتالي يمكننا أن نتوقع أن تظل معظم دول الشرق الأوسط "متوازنة" أو محايدة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين الشرق والغرب في المستقبل. وحتى الآن، رأينا إحجامًا واسعًا من حكومات الدول الإسلامية عن انتقاد سياسات الصين القمعية تجاه سكانها المسلمين من الإيجور في شينجيانج؛ حيث إن الأهمية الجيوسياسية للصين تفوق إلى حد كبير الحاجة إلى الرقص على أنغام واشنطن. وحتى إسرائيل كانت مترددة في تبني سياسات "بايدن" تجاه روسيا بشكل كامل.

باختصار، لا توجد وسيلة تضمن أن عضوية تركيا في الناتو ستدفعها لدعم السياسة الخارجية الأمريكية المعادية لروسيا أو الصين. ولكن، كما قال الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" ذات مرة عن شخصية سياسية مزعجة في حزبه الديمقراطي: "من الأفضل أن يكون داخل الخيمة ويتبول خارجها بدلا من أن يكون خارج الخيمة ويتبول داخلها"، وقد يصلح هذا الرأي بشكل أفضل لوصف كيف ينظر الناتو إلى السياسات الجيوسياسية المعقدة لتركيا اليوم.

المصدر | جراهام إي فولر | ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الناتو السياسة التركية الغزو الروسي أوكرانيا أردوغان حرب أوكرانيا

كيف تعزز الأزمة الأوكرانية أهمية الممر التجاري الأوسط العابر من تركيا؟

موازنة صعبة.. كيف ستتعامل تركيا مع الحملة الغربية لعزل روسيا؟

جورج فريدمان: روسيا قد تنتصر بمعارك أوكرانيا لكنها خسرت الحرب

مع استمرار الحرب الأوكرانية.. اتصال مرتقب بين أردوغان وبايدن 

في اتصال هاتفي.. أردوغان وبايدن يناقشان قضية أوكرانيا وصفقة إف-16

تركيا: لقاء بوتين وزيلينسكي قريبا ولا نية لفرض عقوبات على روسيا

مجددا.. تركيا تؤكد عدم رغبتها في الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا

مسؤول أوروبي: نفوذ تركيا يتوسع ويجب تعزيز التعاون معها

النرويج.. الناتو يدشن مناورات ضخمة بمشاركة 30 ألف عسكري

تركيا: روسيا وأوكرانيا متفقتان على قضايا هامة ونسعى لعقد قمة ثلاثية

الدبلوماسية التركية.. الحصان الأسود في سباق وقف حرب أوكرانيا