تعطل تشكيل الحكومة العراقية يكشف أدورا مثيرة للقوى الأجنبية

السبت 23 أبريل 2022 05:52 م

في وقت سابق من هذا الشهر، واجه السفير البريطاني في العراق استقبالا غاضبا من أحد الرموز السياسية الرئيسية في البلاد، حيث دعا "هادي العامري"، رئيس تحالف "الفتح" أبرز القوى السياسية الشيعية المدعومة من إيران "مارك بريسون ريتشاردسون" لمقابلته، بعد عدة اجتماعات عقدها السياسي العراقي وحلفاؤه مع دبلوماسيين أجانب ذلك الأسبوع.

وكان "العامري" وحلفاؤه في الإطار التنسيقي، وهو تحالف سياسي شيعي، ناقشوا مع السفارات الأجنبية تشكيل حكومة عراقية جديدة. وكانت تلك الاجتماعات ودية إلى حد كبير، لكن زيارة "برايسون ريتشاردسون" في 2 أبريل/نيسان كانت أكثر تشويشًا. واتهم زعيم "الفتح" السفير البريطاني "بالتدخل المستمر" في الوضع السياسي، مستشهدا بمعلومات استخبارية "مزعومة" حول الجهود البريطانية لزعزعة استقرار السياسة العراقية.

ووصف مصدر مقرب من "العامري" الاجتماع بأنه "ساخن" وقال لـ"ميدل إيست آي" إن زعيم الفتح تحدث "بشكل مباشر" عن "مؤامرة" يقودها البريطانيون "لانتزاع السلطة من الشيعة". وكان الاتهام هو أن بريطانيا تشجع رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" وحلفاءه على تشكيل "حكومة أغلبية" من شأنها تهميش الفصائل المدعومة من إيران وفرض نظام سياسي جديد على العراق.

ومنذ عام 2003، حكمت الأحزاب العراقية على أساس تقاسم السلطة الذي أعطى جميع اللاعبين الرئيسيين دوراً. لكن في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان أداء الفصائل المدعومة من إيران سيئًا، مما أعطى "الصدر" فرصة لتشكيل حكومة تستبعدها.

وقال قادة شيعة إن هذه النتيجة لا يُنظر إليها على أنها خسارة نفوذ من جانب الفصائل الشيعية الرئيسية، بل على أنها قضية وجودية. وتوجه الفصائل الشيعية تهماً للمملكة المتحدة والولايات المتحدة بتشجيع "الصدر" وحلفائه السنة والأكراد على اتباع هذه السياسة، وهي سياسة تقول الفصائل إن واشنطن ولندن كانتا تخططان لها منذ سنوات.

وقال قيادي مقرب من "العامري" إن "المشروع ليس جديدا، لكن البريطانيين وجدوا أخيرًا من ينضم إليهم وينفذ معهم هذا المشروع". وأضاف أن "اجتماعات قادة الإطار التنسيقي مع السفراء كانت تهدف إلى مطالبة بعضهم بالتوقف عن دعم الصدر وحلفائه، وتحذيرهم من عواقب المضي قدماً في مثل هذا المشروع".

ومضى بالقول: "النتيجة الحتمية للمشروع الذي يتبناه الصدر هي الحرب الأهلية والتقسيم. لكن بعد ذلك سيدفع الجميع الثمن ولن يقتصر الضرر على العراق وحده". 

دور الأب الروحي

فشل مشروع "الصدر" حتى الآن. وقد أحرز تحالف "سائرون الذي ينتمي إليه فوزا كبيرا في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، ولكن بعد وقت قصير من بدء ظهور النتائج، قام ببناء تحالف مع الأحزاب السنية بقيادة رئيس مجلس النواب "محمد الحلبوسي" والحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن الإطار التنسيقي، الذي حذر من فقدان نفوذ أحزابه ومكاسبه المالية والاقتصادية، نجح في تشكيل "ثلث معطل" من النواب. وقد حال ذلك دون اكتمال النصاب القانوني اللازم للتصويت لرئيس جديد.

وبسبب الإحباط، أبعد "الصدر" نفسه عن المشهد السياسي لمدة 40 يومًا، وأخبر منافسيه أنه يمكنهم محاولة تشكيل حكومة بدلاً من ذلك. لكن يبدو أنه ما زال ملتزماً بمشروعه. ويصف أتباع "الصدر" وداعميه خطته بأنها مكنسة، شيء يمكن أن يزيل الأوساخ وينظف السياسة العراقية. بينما يفضل خصومه تشبيهه بفخار مزدحم بالخزف الهش، والذي يمكن أن ينقلب على بعضه البعض ويتحطم إذا تم الضغط عليه.  

ويفضل بعض القادة الشيعة المقربين من "الصدر" تشبيهًا آخر: "الأب الروحي. رواية ماريو بوزو لعام 1969". إذ يقول أنصار "الصدر": مثل عائلة "مافيا كورليوني" الخيالية في الرواية، فإن "الصدر" لديه القوة والنفوذ اللازمين للسيطرة على الفصائل الشيعية - سواء عن طريق التشجيع أو التخويف. 

ويقول ساسة شيعة مؤيدون لمشروع "الصدر" إنه يستطيع تدريجياً إنهاء الفصائل "سياسياً وعسكرياً"، والاستيلاء على ممتلكاتهم وأموالهم، وحتى إضفاء الشرعية على عملهم. وقال زعيم شيعي بارز لموقع "ميدل إيست آي": "يهدف المشروع إلى السيطرة على الفوضى الطويلة الأمد من خلال استبدال العشرات من قادة الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة التي تسيطر حاليًا على المشهد السياسي والأمني ​​في العراق بقيادة واحدة ومليشيا واحدة".

وأضاف أن "الصدر لديه الكتلة النيابية الأكبر والملايين من الأتباع، بالإضافة إلى واحدة من أكبر الميليشيات الشيعية، وإمبراطورية مالية تتجاوز إيراداتها السنوية ميزانية بعض الدول الصغيرة". وتابع: "لذلك، فهو أنسب شخص للعب دور الأب الروحي، أو المكنسة التي ستكتسح هذه المجموعات".

وقال قادة الشيعة من كلا المعسكرين إن هذا المشروع تم اقتراحه وتطويره في الأصل من قبل البريطانيين في عام 2018، ولا يقتصر على الشيعة في العراق. وقال زعيم سياسي بارز مقرب من "نوري المالكي"، المنافس الرئيسي لـ"الصد"ر في الإطار التنسيقي: "المشروع مصمم ليمتد إلى الساحتين السنية والكردية". وكان البريطانيون هم أول من اقترح ذلك للتخلص من العصابات والفصائل المسلحة.

ويقول القادة السياسيون الشيعة إن المشروع المزعوم يتطلب قائدًا من كل مجموعة دينية/عرقية رئيسية لتنفيذه. وتم اختيار "الصدر" من بين القوات الشيعية، و"الحلبوسي" من السنة، والرئيس السابق لإقليم كردستان العراق شبه المستقل "مسعود بارزاني" هو الممثل الكردي.

وقال سياسي شيعي ليبرالي مقرب من "الصدر" لموقع "ميدل إيست آي": "من وجهة نظر البريطانيين، إذا بقي هؤلاء الثلاثة في الجبهة فقط، فسيكون من الأسهل السيطرة عليهم. ولا يُتوقع أن يثور الحلبوسي والبارزاني على البريطانيين. اما الصدر إذا كان يفكر بالتمرد فالمظاهرات الحاشدة تكفي لإسقاطه".

محاولات إفشال مشروع "الصدر"

لا يوجد دليل على أن البريطانيين يقفون وراء مشروع "الصدر". وفيما يتعلق بالنفوذ الأجنبي في العراق، فإن الولايات المتحدة وإيران أقوى بكثير. ومع ذلك، يُعتقد أن البريطانيين لعبوا دورا محوريا في العديد من القرارات الرئيسية في العراق منذ عام 2003. وهم يتمتعون بعلاقات جيدة مع معظم القوى الشيعية، وخاصة الصدريين، الذين يتلقون التدريب والمشورة البريطانية، وفقا لعدة مصادر من مختلف الطوائف السياسية، بمن في ذلك كبار المسؤولين.

لكن بالرغم من العلاقات الجيدة سابقا، بدأت التوترات بين الفصائل الشيعية المدعومة من إيران وبريطانيا في الغليان عندما تم تعيين "جعفر الصدر"، ابن عم "الصدر" وصهره، سفيرا للعراق في المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وبرز "جعفر الصدر" على أنه اختيار ابن عمه لمنصب رئيس الوزراء المقبل، واعتبر خصوم "مقتدى الصدر" ترشيحه الشهر الماضي "دليلا ملموسا" على أنه والبريطانيين "يسعون بجدية إلى القضاء عليهم".

ومع ذلك، فإن "الثلث المعطل" لـ"الإطار التنسيقي" أوقف العملية الدستورية لانتخاب رئيس ورئيس وزراء وحكومة، وقد أتاحت المهلة السياسية المؤقتة التي اعلنها "الصدر" لمنافسيه فرصة للضغط على السفارات الأجنبية لرفض خطته. وكان سفراء المملكة المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي ومصر أول محطات اتصالهم.

لكن "الإطار التنسيقي" يواجه نفس المشكلة التي واجهها "الصدر"، فلا يمكنه تحقيق النصاب القانوني في البرلمان. وقد قوضت الهجمات الصاروخية والخطب الإعلامي المعادي لحلفاء "الصدر" أي فرصة للتسوية. وقال قادة "الإطار التنسيقي" إن الولايات المتحدة هي في الواقع من اقترحت أن يتواصل التحالف الشيعي مع السفارات الأجنبية للمساعدة في "تهدئة" الأجواء وتمهيد الطريق للمفاوضات مع الكتل الكردية والسنية.

وقال أحد قادة "الإطار التنسيقي" مقرب من "المالكي": "لقد أصبحت الأمور معقدة للغاية وأصبح الجمود سائدا منذ شهور، ولم ينجح أي من الأطراف المتنازعة في فرض مشروعه. نحتاج لمبادرة دولية أو مخرج لتخفيف التوتر وكسر هذا الانسداد السياسي". وأضاف: "يجب على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين التراجع، ولتحقيق ذلك، نعتقد أن مطالبة السفراء أمر لا بد منه".

الولايات المتحدة وإيران يتشاركان المخاوف

وعلى غير العادة، لم يكن لإيران دور كبير في عملية تشكيل الحكومة العراقية. وقال قادة سياسيون مقربون من إيران إن طهران كانت سعيدة بمراقبة التطورات دون مد يد العون لحلفائها، لأنها أرادت معاقبة الفصائل المسلحة المتحالفة معها على انتهاك الأوامر وشن هجمات دون تنسيق مسبق.

لكن الحسابات الإيرانية تغيرت قبل أسابيع قليلة. وقال القادة السياسيون إن إيران بدأت في قلب التوازن ضد "الصدر" من خلال ضمان عدم انفصال أي من فصائل "الإطار التنسيقي" للانضمام إلى مشروع "الصدر".

وقال القادة إنها بدأت أيضا بالضغط على بعض اللاعبين الإقليميين، مثل قطر والإمارات وتركيا ومصر وروسيا، لتغيير مواقفهم من مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية. لكن إنقاذ الفصائل الشيعية و"الإطار التنسيقي" ليس الهدف الذي كان يدور في أذهان الأمريكيين والإيرانيين.

ويعد الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حزب كردي رئيسي له علاقات جيدة مع طهران وواشنطن والمنافس الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، هو الشاغل الرئيسي للولايات المتحدة وإيران، هذا ما قاله 3 من قادة "الإطار التنسيقي" ومسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤول عراقي كبير مقرب من الولايات المتحدة لموقع "ميدل إيست آي".

وتقليديا، يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني الرئاسة الفيدرالية منذ عام 2005، ولكن إذا تمكن تحالف "الصدر" من الوصول إلى النصاب القانوني، فمن شبه المؤكد أنه سيصوت على رئيس من الحزب الديمقراطي الكردستاني وسيفقد الاتحاد الوطني الكردستاني قدرا هائلا من النفوذ.

وقال زعيم شيعي بارز مطلع على المحادثات الجارية: "لا يوجد اتفاق إيراني أمريكي بشأن هذه التفاصيل، لكن الاتحاد الوطني الكردستاني حليف مهم لكليهما، وأولوية الاثنين الآن هي إنقاذ هذا الحليف".وأضاف أن "مرشح تحالف الصدر لمنصب الرئيس من حزب بارزاني. وإذا فاز هذا المرشح بالرئاسة فستكون هذه نهاية الاتحاد الوطني الكردستاني".

وختم بالقول: "من وجهة نظر الإيرانيين، هذا تهديد كبير وصريح لمصالحهم. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فهذا اختلال للتوازن السياسي والاجتماعي في إقليم كردستان. فتدخل الطرفان كل على طريقته. وقد نجحا حتى الآن".

المصدر | سؤدد السهلي - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإطار التنسيقي تحالف فتح تحالف سائرون مقتدى الصدر الفصائل الشيعية كردستان العراق مسعود بارزاني محمد الحلبوسي الحزب الديمقراطي الكردستاني الحكومة العراقية البرلمان العراقي

الكعبي والصدر والخزعلي.. تفاقم التنافس داخل البيت الشيعي في العراق

العراق.. المشاعر المعادية لإيران تتفاقم مع استمرار المأزق السياسي

الصدر داعيا نواب كتلته للاستقالة: الانسداد السياسي مفتعل

تحالف عراقي يرفض تشكيل "حكومة محاصصة" ويتمسك بمبدأ المعارضة

العراق.. بارزاني ينفي دعمه مرشحين محددين لرئاسة الوزراء