ستراتفور: إقالة رئيس مؤسسة النفط الليبية تنذر بفصل جديد من الصراع

الثلاثاء 19 يوليو 2022 10:26 ص

في 7 يوليو/تموز الجاري، أقال رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية الليبية "عبدالحميد الدبيبة" مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، في محاولة لتجاوز الحصار النفطي وتشجيع خصمه في شرق ليبيا "خليفة حفتر" على دخول مفاوضات بشأن تسوية سياسية محتملة.

وفي حين أن مناورة "الدبيبة" قد تؤدي إلى استئناف سريع لصادرات النفط الليبي، لكنها قد تخلق مخاطر على المدى الطويل في الإمدادات وامتثال الشركات، حيث إن هذه الخطوة قد تسمح لـ"حفتر" بتسييس تلك الصادرات.

وفي 12 يوليو/تموز الجاري، نشرت وزارة النفط رسميا قرار "الدبيبة" - وهو رئيس الوزراء المعترف به دوليًا - بإقالة كامل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، بما في ذلك رئيسها القوي "مصطفى صنع الله"، وتعيين المصرفي البارز "فرحات بن قدارة" بديلًا له.

وفي 13 يوليو/تموز الجاري، أدلى "صنع الله" ببيان من مقر المؤسسة الوطنية للنفط ينتقد "الدبيبة" على اتخاذ هذه الخطوة ضده أثناء تواجده خارج البلاد للحج، ثم أخذت التوترات تتصاعد في الفترة ما بين 13 و14 يوليو/تموز الجاري وقامت ميليشيا مؤيدة لـ"الدبيبة" بحصار المبنى والدخول بقوة لإجراء احتفال تسليم المسؤولية لـ"بن قدارة".

مناورة للاحتفاظ بالسلطة

من خلال الإطاحة بـ"صنع الله"، يحاول "الدبيبة" تهدئة غضب الليبيين من الظروف الاقتصادية التي دفعتهم لتنظيم احتجاجات واسعة على مدار الأسبوعين الماضيين، بالإضافة إلى تقديم تنازلات إلى "حفتر" بعد ظهور حكومة منافسة.

ويحاول "الدبيبة" تأمين مكانه في السلطة بعد أن عين البرلمان (الذي يقع مقره في مدينة طبرق الشرقية) رئيس وزراء منافس لقيادة الحكومة في وقت سابق من هذا العام.

ومنذ تشكيلها في مارس/آذار الماضي، لم تتمكن حكومة الوفاق الوطني الجديدة حتى الآن من الحكم من العاصمة طرابلس. لكن الحكومة المنافسة قد يكون لها دعم أوسع داخل ليبيا من حكومة الوحدة التي يرأسها "الدبيبة"، خاصة خارج طرابلس.

أدى ظهور حكومة الوفاق الوطني الجديدة إلى حصار لموانئ النفط الحيوية في البلاد بدأ في يونيو/حزيران الماضي، حيث طالب المتظاهرون باستقالة "الدبيبة" وحكومته. ومن أجل توسيع قاعدة الدعم السياسي والاستفادة من اعتراف الخارج به، أوردت التقارير أن "الدبيبة" طلب دعم "حفتر" الذي يُعتقد أن له علاقات قوية مع المتظاهرين عند موانئ النفط في البلاد.

لذلك، فإن اتفاقًا محتملاً مع "حفتر" من شأنه أن يعزز قدرة "الدبيبة" على صد محاولة حكومة الوفاق الوطني الجديدة لحكم البلاد.

تحديات طويلة الأمد

إذا فقد "صنع الله" القدرة على التحكم في بقية المؤسسة الوطنية للنفط وأصبحت السيطرة بيد حلفاء "حفتر"، فيمكن رفع الحصار عن النفط الليبي عاجلاً وليس آجلاً. ولكن ذلك قد يثير تحديات مستقبلية في الإمدادات من خلال إعطاء المزيد من السلطة إلى "حفتر" (وشرق ليبيا) على قطاع النفط.

وبالرغم من الإجراءات التي نفذتها الميليشيا المؤيدة لـ"الدبيبة" من 13 إلى 14 يوليو/تموز ضد مقر المؤسسة الوطنية للنفط، لا يزال من غير المرجح أن يقبل "صنع الله" مرسوم "الدبيبة" والتنحي. وفي الوقت نفسه، قد يطالب "حفتر" بمزيد من التنازلات كجزء من أي صفقة مقايضة، خاصة فيما يتعلق بتوزيع إيرادات النفط والسيطرة على مصرف ليبيا المركزي.

وإذا نجحت المناورة وتمكن حلفاء "حفتر" من السيطرة على المؤسسة الوطنية للنفط، فقد يسحب حلفاء "حفتر" الآخرون بين القبائل الليبية الشرقية طلبهم باستقالة "الدبيبة"، ما يسمح بانتهاء الحصار النفطي وعودة مستويات الإنتاج إلى ما قبل الحظر، أي عند 1.1 مليون برميل يوميا.

تسييس المؤسسة الوطنية للنفط

إن وجود حليف مسؤول عن المؤسسة الوطنية للنفط سيمكن "حفتر" من زيادة نفوذه المباشر على إنتاج النفط في البلاد بشكل كبير. ومن خلال إزالة عقبة رئيسية (صنع الله) أمام تغيير سياسات عملاق النفط الذي تديره الدولة، ستزداد قدرة "حفتر" على استخدام هذا الإنتاج في النهاية كسلاح سياسي.

بالنسبة للسياق الجيوسياسي الأوسع، فإن من شأن سيطرة "حفتر" على المؤسسة أيضًا أن تمنح مؤيديه في شرق ليبيا تأثيرًا أكبر على شركة النفط. وقد يؤدي ذلك إلى نقل المزيد من الوظائف الإدارية والتشغيلية في المؤسسة الوطنية للنفط من طرابلس إلى بنغازي، وهو ما تطلع إليه طويلًا شرق ليبيا (موطن نحو ثلثي احتياطيات النفط في البلدا)، وستتجلى السيطرة على المؤسسة من خلال نقل المقر الرئيسي إلى شرق البلاد.

وإذا حدث التحالف الوثيق بين "حفتر" و"الدبيبة" فقد يؤدي هذا إلى تراجع دعم "الدبيبة" في طرابلس ومصراتة، ما يهدد بمزيد من العنف بين الفصائل السياسية المتنافسة. ونظرًا للعداء الطويل بين "حفتر" والقادة في هاتين المدينتين بعد مواجهات عسكرية متعددة، فإن أي صفقة بين "حفتر" و"الدبيبة" ستضعف شعبية "الدبيبة" من خلال ربطه بـ"حفتر".

ومع تراجع الدعم لحكومة الوحدة الليبية، قد يمنح هذا حكومة "فتحي باشاغا" فرصة لتحل محل حكومة "الدبيبة"، ليعمل المجلس الرئاسي مع هذه الحكومة بدلا من حكومة الوحدة التي يترأسها "الدبيبة".

الانزلاق للعنف وصعوبات الامتثال

بالرغم أن انقسامات الشرق والغرب لا تزال قوية ومؤثرة في الديناميكيات السياسية الليبية، ستستمر صفقة "الدبيبة" و"حفتر" في تحطيم صورة المنافسة بين المنطقتين الجغرافيتين المختلفتين، وتؤدي إلى مزيد من المنافسة بين النخب السياسية داخل كل منطقة. ويمكن أن تؤدي التوترات المتزايدة بين زعماء ليبيا إلى تصاعد العنف في المناطق الحضرية مثل طرابلس وبنغازي.

وقد تخلق المواجهة الحالية تحديات في امتثال شركات النفط الدولية حيث ستجبرهم على التفكير فيما إن كانوا سيعترفون بـ"بن قدارة" أم "صنع الله" كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط.

ووفقًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تنظر الولايات المتحدة إلى المؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس كممثل وحيد لقطاع النفط الليبي وقد دعمت موقفها من خلال استخدام القوة العسكرية لمنع تصدير النفط الليبي من شركات النفط المنافسة في البلاد.

وفي 14 يوليو/تموز الجاري، أصدر سفير الولايات المتحدة في ليبيا "ريتشارد نورلاند" بيانًا ينتقد فيه الهجوم الأخير على مقرات المؤسسة الوطنية للنفط وقال إن القرارات الأخيرة المتعلقة بقيادة المؤسسة يمكن الطعن عليها في المحكمة. وإذا لم تعترف الولايات المتحدة بسيطرة "بن قدارة" على المؤسسة، فإن الشركات التي تريد شراء النفط الليبي ستواجه موقفا صعبا.

ومع استمرار حرب أوكرانيا، قد تمنع الصدمات المستمرة لسوق النفط العالمية الولايات المتحدة من اتخاذ مثل هذا الموقف القوي، حيث إن عودة النفط الليبي إلى السوق ستساعد في خفض الأسعار العالمية.

لكن المؤسسة الوطنية للنفط لا تزال ربما المؤسسة الليبية المهمة الوحيدة التي لم يتم تقسيمها أو تسييسها تمامًا حتى الآن في البلاد. ويعني ذلك أنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءات قوية ضد إقالة "صنع الله"، فإن ذلك سيضعف مصداقية سياسات واشنطن التي تقول إنها ترتكز على إبقاء المؤسسة الوطنية للنفط بعيدة عن تجاذبات السياسة.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدبيبة حفتر صنع الله بن قدارة المؤسسة الوطنية للنفط حصار النفط باشاغا حكومة الوحدة الوطنية حكومة الوفاق الوطني شرق ليبيا بنغازي طرابلس إقالة صنع الله حرب أوكرانيا أسعار النفط الولايات المتحدة

ليبيا.. تجدد الاحتجاجات الشعبية بعدة مناطق

مؤسسة النفط الليبية تستأنف الإنتاج في عدة حقول

النفط الليبية: إنتاج النفط يتجاوز المليون و200 ألف برميل يوميًا

إيني تثير مناكفات جديدة بين الدبيبة وباشاغا في ليبيا.. ما القصة؟

بوساطة إماراتية.. هل ذهبت 6 مليارات دولار من أموال النفط الليبي إلى فاغنر؟