عودة الحريري مؤشر على تقارب إيراني سعودي

الأربعاء 3 سبتمبر 2014 06:09 ص

لا شكّ في أّنّ عودة الرّئيس«سعد الحريري» إلى لبنان بعد غياب قصريّ شكّلت مفاجأة على المستويين اللبنانيّ والعربيّ. ولا شكّ أيضاً في أنّها حُمِّلت كثيراً من المعاني والأبعاد والتمنيات. من جهة، تمّت الزيارة بالتّرافق مع بوادر تقارب سعوديّ - إيرانيّ يمكن إذا ما استمرّ واستمدّ زخماً أن يؤدّي إلى إنحسار منسوب التوتر في ساحات عدّة من سوريا إلى اليمن فالعراق.

ومن جهة أخرى، إنّ انسداد الأفق السياسيّ وتفاقم الأزمتين الإقتصاديّة والإجتماعيّة في لبنان، وما خلّفا من إحباط في النفوس، حمل البعض إلى تعليق الآمال على هذه العودة وتحميلها معاني عدّة. 

فمنهم من رأى أنّها ستشكّل دافعاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما مضى على شغور هذا المنصب أربعة أشهر، ومنهم من رأى أنّها ستعطي دفعاً للحركة الإقتصاديّة التي تعاني ركوداً مستداماً، ولطالما ارتبط اسم الحريري بالإعمار وكان له وقع إيجابيّ في أوساط الأعمال. 

وعلى هذه القاعدة، تشكّل هذه التكهّنات تعبيراً عن تطلّعات، لا بل حاجات اللبنانيّين، ولكنّها ما زالت تمنيات، طالما لم تستند بعد إلى وقائع سياسيّة ثابتة، فالتّقارب السعوديّ-الإيرانيّ ما زال في بداياته، وقد لا يتعدّى إطار التّلاقي الظرفيّ للمصالح حول نقطة واحدة، ألا وهي مواجهة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" وما يمثّله من خطر على الفريقين.

وفي واقع الأمور، تمّت عودة سعد الحريري إلى بيروت على أثر قرار ملكيّ بصرف هبة مليار دولار للجيش اللبنانيّ لمساندته في مكافحة الإرهاب. ولقد كلّف الحريري بالإشراف على آلية وطريقة صرف الهبة. وجاء القرار الملكيّ في لحظة بالغة الدقّة، ليس فقط في لبنان، حيث كان الجيش اللبنانيّ يخوض حرباً ضد الجهاديّين في منطقة عرسال المتاخمة للحدود مع سوريا، إنّما أيضاً في العراق.

وأوضح أحد المقرّبين من الرّئيس الحريري لـ«المونيتور» في تعليقه على توقيت الزيارة : «لم يكن من باب الصدفة أبداً أن يتوجّه الحريري إلى بيروت في اليوم نفسه التي بدأت فيه القوّات العسكريّة الأميركيّة قصفها الجويّ لمناطق شمال العراق من أجل صدّ تقدّم الجهاديّين بعد بلوغهم المناطق المتاخمة لمدينة إربيل الكرديّة».

ويذكّر المصدر بالتّواريخ، رابطاً الأحداث في ما بينها: «كان هذا في ٨ آب ٢٠١٤. وبعد أيّام قليلة، أيّ في ١٣ آب، قرّرت السعوديّة منح ١٠٠ مليون دولار للأمم المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب»، كأنّ بالمصدر المقرّب من الحريري يؤكّد قراراً حاسماً لدى السعوديّة بمكافحة الإرهاب وعدم توانيها عن صرف الأموال من أجل ذلك.

ولكن القرار السعوديّ تعدّى مسألة رصد المبالغ لمواجهة الإرهاب إلى خطوة تفوقها رمزيّة، ألا وهي مباركة عودة شخص سعد الحريري عبر توكيله مهمّة صرفها والإشراف عليها . لم يعد سرّاً أنّ المملكة بما لديها من مونة على زعيم تيّار المستقبل وقفت في الماضي ولمدّة ثلاث سنوات من دون عودته إلى لبنان، وذلك حرصاً على سلامته. مباركتها في هذه اللحظة المفصليّة بالذات لهذه العودة، ليست فقط تأكيداً إضافيّاً على أهميّة ومدى إلتزامها قولاً وفعلاً مكافحة الإرهاب، إنّما هي مؤشّر إلى استراتجيّاتها الموضوعة لهذه الغاية.

الرّجل العائد هو رمز للاعتدال، وإذا كان من عنوان لهذه العودة فهي عودة الاعتدال. لقد أصبح هذا الشعار منذ ٨ آب ٢٠١٤ لازمة يردّدها السياسيّون المنضويون في صفوف ١٤ آذار. كما طبع على ملصقات إعلانيّة ارتفعت في شوارع بيروت للتّرحيب بالزعيم العائد. إنّ رفع الشعار هذا، يحمل أكثر من معنى في لحظة يستعر فيها الصراع الطائفيّ في الشرق الآوسط، وتقوم مجموعات جهاديّة بقطع الرؤوس والقضاء على الأقليّات باسم الدين.

وإذا كان الاعتدال هو عنوان المرحلة، عنوان بصيغة لبنانيّة ومباركة سعوديّة، فالتطرّف هو الآفة التي يجب القضاء عليها. لهذا السبب، تمّ الإعلان في ٧ آب، أيّ بالتزامن والتّنسيق مع عودة الاعتدال عن موتمر يعقد في السعوديّة في منتصف عام ٢٠١٥ تحت عنوان مكافحة التطرّف بمشاركة عشرين دولة.

تأتي إذن عودة الحريري إلى بيروت ضمن خطّة سعوديّة لمكافحة الإرهاب ومواجهة التطرّف، أعلن عناوينها الملك عبد الله بن عبد العزيز في رسالته إلى قادة وعلماء الأمة الإسلاميّة في ١ آب ٢٠١٤. وتأتي هذه الخطّة، بالتّزامن مع بداية انفتاح على إيران كانت آخر إشاراتها زيارة مساعد وزير الخارجيّة الإيرانيّ أمير عبد اللهيان في ٢٦ آب ٢٠١٤ للملكة.

ويستخلص المصدر المقرّب من الحريري: أنّ السعوديّة توجه رسالة مفادها أنّ شعار المرحلة هو الإسلام المعتدل، متخطّية الحواجز الطائفيّة والمذهبيّة. وتدعم الجيوش الوطنيّة، كما في لبنان، والمؤسّسات الدوليّة، كالهبة إلى الأمم المتحدة، وليس المجموعات الدينيّة. وهي في الوقت نفسه، تنفتح على الحوار مع إيران على قاعدة المصالح الاستراتيجيّة، رغم استمرار الخلاف معها على مسائل عدّة أخرى من الموقف تجاه النظام في سوريا أو من مصر أو السياسة المتّبعة تجاه اليمن أو في العراق.

إنّ نقطة إلتقاء المصالح الإيرانيّة - السعوديّة تنحصر اليوم في مسألة مواجهة تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وهذا ما شكّل الأرضيّة لتشكيل الحكومة اللبنانيّة وضبط أمن البلد الصغير، ولو في الحدّ الأدني. وهذه هي خلفية عودة سعد الحريري إلى لبنان. طبعا، لقد استفاد تيّار المستقبل من ديناميّة العودة لتثبيت موقعه الرياديّ الذي عانى بعض الشيء بسبب غياب زعيمه لمدّة طويلة.

كما استفاد من هذه العودة لترتيب البيت السنيّ وحسم معضلة دار الإفتاء، فتمّ انتخاب مفت جديد للجمهوريّة، هو الشيخ عبد اللطيف الدريان والمعروف بقربه من المملكة، وذلك في ١٠ أغسطس/آب أيّ بعد يومين من العودة. ولكن ما لبث سعد الحريري أن عاد إلى السعوديّة بعد أسبوع من عودته. فهل كانت هذه العودة مجرّد زيارة؟ يؤكّد المقرّبون أنّ عودته الثانية والمستدامة إلى بيروت حاصلة قريبة جدّاً.

يبقى أن شروطها، لا سيّما تلك المتعلّقة بأمنه الشخصيّ، كما يقول المصدر: «مرتبطة بتطوّر الحوار السعوديّ ـ الإيرانيّ».

 

 

المصدر | د. سامي نادر، المونيتور

  كلمات مفتاحية

سعد الحريري إيران

السعودية تدعم الجيش اللبناني بمليار دولار

حول أسباب الدعم السعودي للبنان

السفير السعودي يدعو اللبنانيين لـ«التعجيل» بانتخاب رئيس

السعودية وإيران تحاولان جمع الفرقاء في لبنان

جنرال إسرائيلي: دور إيران في اليمن يدفع لتقارب إسرائيل مع السعودية

«نيويورك تايمز»: «عماد مغنية» متورط رئيسي في اغتيال «رفيق الحريري»

«الحريري» من القاهرة: نقف في صف الاعتدال ضد «تطرف» إيران وداعش والنصرة

«السنيورة» للمحكمة الدولية: «الحريري» بكى وقال إنه لن ينسى إهانة «الأسد» له