لماذا يحتاج الغرب إلى تغيير جذري في نظرته تجاه الأزمة السورية؟

الجمعة 26 أغسطس 2022 07:55 ص

يعتبر الصراع السوري في حالة جمود حاليًا، حيث يبدو الانتصار الكامل لأي طرف غير مرجح بعد أكثر من عقد من القتال.

وبالنظر إلى الانخراط العميق للعديد من القوى الإقليمية والدولية، فإن أي تحول في الديناميات يعتمد الآن على الأطراف الخارجية وليس السوريين.

لكن الجهود الخارجية ظلت غير مثمرة لسنوات، فلم يكن هناك أثر لعملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، في حين توقفت عملية أستانا التي تقودها روسيا والتي كانت الأكثر نجاحًا في البداية.

كما لا يزال الاقتصاد السوري مشلولًا في وقت يقبع فيه 90% من السوريين تحت الفقر مع ضعف الاستثمار والتجارة. وأصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى نهج جديد.

ويقدم تقرير حديث صادر عن مؤسسة "دوتش كلينجينديل" إحدى هذه الرؤى الجذرية لفتح الطريق أمام عملية السلام. ويعتبر التقرير أن صانعي السياسة الغربيين بحاجة إلى إعادة تصور للصراع.

وبدلاً من مواصلة الجهود البائسة بشأن المقترح المتفائل بـ"انتقال سياسي يقوده السوريون" والذي اقترحته الأمم المتحدة في عام 2015، يجب أن يقبل الغرب أن هذا الهدف أصبح مستحيلا في الوقت الحالي.

وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يركزوا على نتائج أكثر تواضعًا وواقعية مثل تحسين حياة السوريين العاديين، وخفض التوتر، ومنع التقسيم الدائم لسوريا.

الترابط بين المناطق

يقترح التقرير أن تتجاوز الجهات الفاعلة الغربية تركيزها الحالي على العقوبات والمساءلة والمساعدات الإنسانية، لصالح استعادة "الترابط العملي" بين نطاقات السيطرة الثلاثة في سوريا. 

الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة المدعومة من تركيا، الشرق الذي يسيطر عليه الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة، وبقية البلاد التي يسيطر عليها نظام "بشار الأسد" بدعم من روسيا وإيران.

وفي ظل قلة الترابط بين هذه المناطق، ظهر أمراء الحرب ليسيطروا على طرق التهريب، مما زاد من الضغط على الاقتصادات الضعيفة في هذه المناطق، وسرع الانجراف نحو التقسيم الدائم.

ويحث تقرير "كلينجينديل" الحكومات الغربية على تشجيع التجارة الخاضعة للرقابة وتدفقات البضائع والأفراد والاستثمار والتعاون التعليمي بين المناطق.

ويرى أن ذلك سيساعد على استعادة الروابط الإقليمية وتعزيز اقتصادات هذه المناطق وتقليل المعاناة. وبعد بضع سنوات من إعادة الانخراط الناجح، يمكن بعد ذلك معالجة الأسئلة طويلة الأجل.

ولا يحتاج ذلك إلى التخلي عن الأهداف الأوسع مثل محاسبة نظام "الأسد" على جرائمه والعمل على انتقال السلطة، لكن السعي لتحقيق هذا الهدف غير الواقعي حاليًا، جعل احتياجات السوريين العاديين أمرا ثانويا مما يزيد الأمور سوءًا.

وتشتد الحاجة لمثل هذه البراجماتية، ويرى التقرير أن السياسة الغربية ليست ناجحة وتحتاج إلى التطور إلى ما هو أبعد من التركيز الضيق على معاقبة "الأسد" بهدف منع سوريا من أن تصبح دولة مقسمة وفاشلة على عتبة أوروبا.

مشاكل محتملة

وتعد أحد الأجزاء المهمة من توصيات التقرير هو السماح بتدفق التجارة - ومعظمها من السلع التركية - من المناطق الشمالية المدعومة من تركيا إلى الأجزاء الخاضعة تحت سيطرة "الأسد".

ومن شأن ذلك أن يفيد الاقتصاد التركي لأنه سيفتح أسواقًا جديدة، ليس فقط في سوريا ولكن في الأردن والخليج أيضًا.

وقد لا ينتهك ذلك رسميا العقوبات الغربية التي تمنع التعامل مع النظام، حيث أن تركيا يمكنها بيع البضائع إلى حلفائها السوريين الشماليين الذين سيبيعونها بعد ذلك إلى "الأسد".

وربما تكون هذه آلية مناسبة لخروج السياسة الغربية من أزمتها الحالية مع حفظ ماء الوجه، ويمكن أن تصر على الحفاظ على العقوبات وعدم إقامة علاقات وثيقة مع "الأسد" حتى يفي بشروطهم، مع مساعدة السوريين الذين يعانون في نفس الوقت.

في غضون ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستفيد اقتصاديًا ليس فقط أنقرة وحلفائها السوريين الشماليين، ولكن مدينة حلب المحاصرة والمهيئة استراتيجيًا لتصبح محطة للبضائع القادمة من تركيا. 

كما يمكن أن يكون للمدن الشرقية المحطمة في الرقة ودير الزور أدوار مماثلة لتحسين التجارة بين مناطق النظام والشرق الذي يهيمن عليه الأكراد.

ومع ذلك، فإن هذا النهج الجديد يتطلب نوعا من الحنكة والعملية التي افتقدتها الجهات الفاعلة الغربية منذ انخراطها في قضية سوريا.

لكن مشكلة هذا الطرح أن سيحمل فائدة حتمية لـ"الأسد" وحلفائه في إيران وروسيا، وقد يكون ذلك غير مقبول للجهات الفاعلة الغربية، خاصة بالنظر إلى التوترات الحالية مع روسيا بشأن أوكرانيا.

المصالح المتنافسة

ما زال الغرب يعتقد أن الأولوية هي منع الرئيس السوري من الاستفادة بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان لذلك تأثير ضار على الشعب السوري، ويبدو من غير المحتمل أن يتغير ذلك الآن.

وبالرغم أن تقرير "كلينجينديل" أشار إلى أن هذا الانفتاح سيفيد جميع اللاعبين الخارجيين على المدى الطويل، فمن غير المرجح أن تضغط روسيا وإيران وتركيا من أجل تحقيقه، إذ أن كلًا منهم يجني ما يكفي من الوضع الراهن في سوريا ولا يشعرون بضغط لإجراء مثل هذا التغيير الجذري.

ومن غير الواضح ما إذا كان لدى طهران أو أنقرة أو موسكو أي مشكلة في التقسيم العملي لسوريا طالما أن مصالحهم تتحقق بذلك. 

ويطالب التقرير الغرب بإظهار القلق بشأن سلامة الشعب السوري على المدى الطويل، وهو القلق الذي لم يظهره الغرب في الصراع حتى الآن.

لذلك، يبدو من غير المحتمل أن يمهد هذا التقرير الطريق لعملية "إعادة تفكير" جذرية والتي تحتاجها سوريا بشدة.

وليس هذا هو أول اقتراح مبتكر للسلام لكننا لم نر قادة محليين أو دوليين على استعداد لإعطاء الأولوية لاحتياجات الشعب السوري فوق الأجندات والأهداف السياسية الضيقة.

المصدر | كريستوفر فيليبس/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا الأسد تركيا الاقتصاد السوري روسيا حرب أوكرانيا إيران

"الأمر تغير".. تحليل إسرائيلي عن دلالات الضربة الأمريكية ضد وكلاء إيران بسوريا

إصابة جنود أمريكيين في قصف متبادل مع موالين لإيران بسوريا

يقودها العرب.. الأردن يكشف عن مبادرة لحل سياسي للأزمة السورية