ماذا وراء صمت أحمدي نجاد تجاه الاحتجاجات في إيران؟

الثلاثاء 27 ديسمبر 2022 06:11 ص

انتقدت غالبية الشخصيات السياسية والمشاهير ورموز الرياضة في إيران عنف الدولة ضد موجة الاحتجاجات المستمرة والتي بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، فيما وقف الموالون للحكومة بحزم إلى جانب قادتهم. وكان صمت الرئيس الأسبق "محمود أحمدي نجاد" منذ بداية الانتفاضة أمرا لافتا.

وبعد تنحيه عام 2013، بدأ "أحمدي نجاد" في التحرك بحذر إلى الأمام لرسم صورة جديدة لنفسه من خلال المواقف الليبرالية وتبني سياسة خارجية تصالحية وآراء متسامحة بشأن حقوق المرأة.

لكن ينبغي التذكير أن السنوات الثماني التي قضاها "نجاد" كرئيس أغرقت إيران في عزلة غير مسبوقة وفرضت فترة طويلة من الانكماش الاجتماعي والثقافي حيث حظرت الحكومة العديد من الصحف، وفرضت رقابة متزايدة على الإنترنت.

لقد تم حجب "فيسبوك" و"تويتر" تحت إشراف "نجاد" وتم إغلاق مكاتب العديد من وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية مثل "رويترز" و"بي بي سي وورلد" و"العربية"؛ وتم تقديم كبار الشخصيات المؤيدة للإصلاح والصحفيين لمحاكمات صورية وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة بعد إعادة انتخابه في عام 2009 عبر انتخابات مثيرة للجدل.

والأهم من ذلك، أن القسم سيئ السمعة في أجهزة إنفاذ القانون الإيرانية والمعروف بشرطة الأخلاق، المسؤولة عن وفاة "مهسا أميني"، ظهر لأول مرة بناءً على تعليمات "نجاد" في عام 2006. لقد جر البلاد إلى ورطة دبلوماسية متكررة ولم تتم دعوته أبدًا لزيارة رسمية إلى أي دولة أوروبية.

وتكررت عمليات الخروج خلال خطبه في الأمم المتحدة والمنتديات الدولية الأخرى، ورفضه زعماء العالم حتى تلك الدول التي كانت تقليديا مرتبطة بإيران. وفي عام 2012، رفض الرئيس البرازيلي آنذاك "ديلما روسيف" لقاءه بعد وصوله إلى ريو دي جانيرو لحضور قمة الأمم المتحدة. وحتى أنصاره لم يتمكنوا من تجاهل الإذلال.

وكان أحد أكبر الأخطاء التي شارك فيها "نجاد" هو الخطاب الذي ألقاه في 24 سبتمبر/أيلول 2007 في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، عندما تعرض لصيحات الاستهجان مرارًا وتكرارًا من قبل الطلاب وغيرهم من الحاضرين. 

ومنذ التقاعد، ركز "نجاد" على الحديث حول الحقوق المدنية والسياسة الخارجية، في محاولة واضحة لجذب الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة، وربما يوازن فرصه في الترشح للمنصب مرة أخرى والاعتماد على أصوات الإيرانيين المحبطين.

ومن خلال إجراء مقابلات مع مؤسسات إعلامية معادية للجمهورية الإسلامية وتوجيه انتقادات مبطنة إلى الأجهزة الأمنية، سعى "نجاد" إلى إظهار نفسه على أنه ليبرالي وسياسي عاقل يقاوم تعاليم الحكومة والأصولية الدينية.

وكان استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الجمهور الأمريكي مثيرا للجدل، حيث أثنى على نجوم الدوري الأمريكي للمحترفين وغيرهم من الشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية الأمريكية مثل "أنجلينا جولي"، و"لاري كينج"، و"مالكولم إكس"، وكان ذلك مثيرًا للجدل بشكل خاص نظرًا لسجله الحافل من الكلام العدائي ضد الولايات المتحدة. لكن معجبيه اعتبروا ذلك محاولة لإظهار اهتمامه بإصلاح العلاقات مع أمريكا.

وفي مقابلة أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مع الصحفي والمعلق المحافظ "مهدي ناصري"، رفض "نجاد" مفهوم الحجاب الإلزامي. 

ومن الصعب أن نحدد ما إذا كان "نجاد" قد تغير بالفعل وتخلي عن وجهات نظره المتطرفة للعالم بالنظر إلى أن نزاهته وصدقه كانا دائمًا موضع خلاف. ويجادل منتقدوه بأنه يجيد التلاعب بالكلمات لذلك لا يعد قائدًا موثوقًا به. لكن رفضه التعليق على احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، بينما انتقد مؤخرًا الجمهورية الإسلامية لانحيازها لروسيا في غزوها لأوكرانيا، يشير إلى خططه المستقبلية والدور الذي يريد أن يحدده لنفسه في التسلسل الهرمي لسلطة الجمهورية الإسلامية.

وقال "كامران بخاري" من معهد "نيو لاينز" للأبحاث الاستراتيجية والسياسية، لـ"المونيتور" إن "نجاد يحاول الظهور بمظهر المعتدل، لكنه في الوقت نفسه يدرك أنه لا يمكن أن يكون متمرّدًا على المؤسسة. وبالفعل هو في مكان صعب. إنه يريد الاستفادة من الوضع الحالي لكنه يدرك قيوده. ولن يؤيده المتظاهرون بسبب إرثه".

وقد أصبحت خطوط الصدع داخل النظام أكثر حدة من ذي قبل بالنظر إلى الأزمة المستمرة، وهو ما قد يفسر أيضًا صمت "نجاد". وقد يكون يراقب الوضع عن كثب وسوف يقفز إلى الساحة عندما تكون مخاطر القيام بذلك أقل بكثير من العوائد المحتملة.

ويقول خبراء آخرون إن "نجاد" لا يريد أن يفقد مكانته في المؤسسة من خلال التعاطف مع المتظاهرين، الأمر الذي سيثير حتمًا حفيظة المرشد الأعلى "علي خامنئي" الذي دعم رئاسته دون قيد أو شرط.

ومن المثير أن العديد من القادة الإيرانيين الذين خرجوا من السلطة اكتشفوا فجأة فوائد حقوق الإنسان. قال "علي أنصاري"، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة "سانت أندروز" في أسكتلندا: "أظن أنه يدرك أن الوضع خطير بما فيه الكفاية.. إذا تحدث  فقد تكون العواقب وخيمة عليه".

وقد حاول "نجاد" الترشح للرئاسة في عام 2021 واستبعده مجلس صيانة الدستور، لكن هذا لا يعني أنه تخلى عن طموحاته أو استبعد محاولة أخرى للرئاسة في عام 2025. وعلى هذا النحو، فإن التغاضي عن الاحتجاجات ونقل رسالة الولاء للقيادة التي دفعته إلى السلطة يبدو أنها الاستراتيجية الأكثر حكمة بالنسبة له.

**لقراءة النص الأصلي What's behind Ahmadinejad's awkward silence on Iran's protests?

المصدر | قوروش زيباري | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أحمدي نجاد خامنئي إيران الاحتجاجات احتجاجات إيران مجلس صيانة الدستور

نجاد يعلن مقاطعة الانتخابات: نتيجتها حكومة ضعيفة تقوض إيران عالميا

عبر قناة سعودية.. أحمدي نجاد يدعو لاتحاد بين طهران الرياض ويثير جدلا واسعا

مولوي عبدالحميد.. رجل الدين السني المناهض للنظام في إيران

على غرار الربيع العربي.. احتجاجات إيران تحد غير مباشر للحكومات الخليجية

تحديث بلا ديمقراطية.. السبب الجذري لاحتجاجات إيران