هل يكون بن غفير فتيل حرب دينية انطلاقا من الأقصى؟

الجمعة 6 يناير 2023 10:36 م

من خلال اقتحام الأقصى، أظهر زعيم القوة اليهودية أنه يحمل السوط في يده، وبالتأكيد هناك المزيد من الاستفزازات في جعبة وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجديد "إيتمار بن غفير" الذي لم يهدر وقتا من أجل إظهار من هو الزعيم.

وبعد أيام من أداء حكومة رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" اليمين الدستورية، سار السياسي القومي المتطرف مباشرة إلى المسجد الأقصى بالرغم من التقارير التي تفيد بأنه اتفق مع "نتنياهو" على تأجيل مثل هذه الزيارة خوفا من التداعيات المحتملة.

لكن من سيحاسبه على اللعب بالنار؟ هل رئيس الوزراء الذي يحتاجه بشدة للبقاء في السلطة وحتى يتمكن من إصدار تشريع لإنهاء محاكمته بالفساد وإبعاده عن السجن؟ أم قوة الشرطة الإسرائيلية التي يملك "بن غفير" نفسه الآن سيطرة غير مسبوقة عليها؟

لقد استخدم زعيم حزب القوة اليهودية الفاشي الزيارة ليشير لكل من أتباعه و"نتنياهو" أنه لا يستجيب لأحد، وأنه لن يتنازل عن أيديولوجيته المتطرفة الخاصة بالتفوق اليهودي. كما أرسلت الزيارة رسالة أخرى مفادها أن "بن غفير" مستعد لإثارة حرب دينية. ويمكن أن يكون الأقصى برميل البارود لإشعال مثل هذا الحريق.

وحتى الآن على الأقل، مرت زيارة "بن غفير" دون رد فعل فلسطيني كبير، بالرغم أن "حماس" حذرت مسبقًا من أنها لن "تقف مكتوفة الأيدي". وكان "بن غفير" يختبر المياه. وبالتأكيد سيعود قريبا باستفزازات أكبر. وخلال حملة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وبعدها، دعا إلى أن يكون اليهود قادرين على الصلاة في الموقع الإسلامي المقدس، وقال إنه سيطالب "نتنياهو" بإقرار ما يسميه "الحقوق المتساوية لليهود" هناك.

وأثارت زيارته عاصفة من الاحتجاج الدبلوماسي. واستدعى الأردن، الذي يتمتع بوصاية رسمية على الموقع المقدس، سفير إسرائيل، بينما نهضت الولايات المتحدة، راعية إسرائيل، لوصف الزيارة بأنها "غير مقبولة". وأرجأت الإمارات زيارة "نتنياهو" المرتقبة.

وسوف يسعد "بن غفير" بمثل هذا التوبيخ غير الفعال. والسابقة التي استند إليها كانت الزيارة التي قام بها زعيم المعارضة آنذاك "أرييل شارون" إلى الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 مدعوماً بألف عنصر من قوات الأمن الإسرائيلية، على خلفية معارضة شرطة القدس.

وأدى هذا الاقتحام إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية، واستخدمت إسرائيل الدبابات لحصار الزعيم الفلسطيني "ياسر عرفات" في مقر قيادته في رام الله، بينما أضعف الجيش الإسرائيلي السلطة الفلسطينية، ما عكس فعليًا الوعد بالحكم الذاتي المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو. لقد أُستنزف المجتمع الفلسطيني تدريجيًا من القدرة والإرادة على تحمل الانتفاضة التي حصدت أرواح الآلاف.

وقد يكون بن "غفير" يسعى لإثارة مواجهة مماثلة لتوفير ذريعة لإنهاء ما تبقى من السلطة الفلسطينية. ويمكن أن تكون هناك مكافأة سياسية داخلية أيضًا: فقد ركب "شارون" موجة القومية اليهودية التي أطلق العنان لها مباشرة في مكتب رئيس الوزراء. 

ومدعومًا بموجة متجددة من الشوفينية اليهودية، إلى جانب الشرعية السياسية التي منحها "نتنياهو" له من خلال إيصال حزبه إلى الحكومة، ربما يأمل "بن غفير" في رؤية هذا السيناريو يتجدد مرة أخرى.

القوميات المتنافسة

صوّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدول العربية والدبلوماسيون الغربيون زيارة "بن غفير" على أنها تهدد ما يُعرف بـ"الوضع الراهن": مجموعة من المبادئ المتفق عليها في القرن التاسع عشر، وتجددت بعد احتلال إسرائيل للقدس في عام 1967 وتتعلق بسيادة المسلمين على المساجد وسلطة الأوقاف الإسلامية لتنظيم الدخول والعبادة.

ومع ذلك، فالحقيقة هي أن إسرائيل تعمل على تقويض الوضع الراهن بوتيرة أسرع منذ زيارة "شارون". وهذا هو السبب في أن توغل الجنرال الإسرائيلي أشعل شرارة انفجار الفلسطينيين قبل عقدين من الزمن، وهو ما لم يحدث ـ حتى الآن على الأقل ـ مع زيارة "بن غفير"، فلم تعد انتهاكات السياسيين الإسرائيليين المتطرفين للوضع الراهن خارجة عن المألوف.

وقال "شارون" في ذلك الوقت، إن الموقع المقدس كان "أساس وجود الشعب اليهودي، وأنا لا أخاف من أعمال الشغب من قبل الفلسطينيين". وكانت هذه هي الطريقة التي أعاد بها "شارون" القومي المتطرف والعلماني تعريف الصراع.

لقد جعل التأكيد على السيادة اليهودية على الساحة شرطا أساسيا لأي سياسي إسرائيلي يتنافس على السلطة. وبعد أن أصبح رئيسًا للوزراء، وفي خضم الانتفاضة الثانية، فرض "شارون" في عام 2003 بشكل أحادي دخول اليهود وغير المسلمين إلى الموقع رغم معارضة السلطات الدينية الإسلامية في الأقصى.

اليوم، لم يتبق سوى القليل من اتفاقية الوضع الراهن؛ فقوات الاحتلال الإسرائيلي هي التي تحدد بشكل حصري من يدخل الأقصى، وتقيّد عبادة المسلمين متى قررت إسرائيل ذلك، فيما أهل غزة المحاصرون في جيبهم بسبب الأسوار وأبراج المراقبة مستبعدون بشكل دائم من الموقع المقدس.

في غضون ذلك، يتمتع الجنود الإسرائيليون بالزي العسكري، واليهود المتدينون والمستوطنون بإمكانية الوصول بسهولة؛ وغالبًا ما يستخدمون زياراتهم للصلاة في انتهاك صارخ للوضع الراهن. وعلى نحو متزايد، تقتحم قوات الأمن الإسرائيلية المسجد متى شاءت؛ وقد ساهمت هذه الاقتحامات في مايو/أيار2021 في أسابيع من العنف في كل أنحاء الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل.

ويرى "بن غفير"، كما "شارون"، الأقصى على أنه قضية وطنية عليا. وحدد أحد مشرعيه القائد العسكري الإسرائيلي السابق المسؤول عن غزة "زفيكا فوجل" هدف "بن غفير"، مشيرًا إلى أنه يمكن تحقيقه من دون رد فعل فلسطيني: "لا ينبغي أن نتعامل مع زيارته على أنها شيء من شأنه أن يؤدي إلى التصعيد. لماذا لا نعتبره جزءًا من تحقيق سيادتنا [اليهودية]؟".

ومع ذلك، في مواجهة "نتنياهو" الضعيف، يجب أن يأمل "بن غفير" في دفع سياسة "شارون" إلى أبعد من ذلك ليس فقط تأكيد مبدأ الملكية اليهودية للمكان المقدس، ولكن أيضًا ترسيخ الواقع المادي للسيطرة اليهودية المطلقة. ويشمل ذلك إعطاء الأولوية للعبادة اليهودية، كما يحدث الآن في الخليل في المسجد الإبراهيمي. إنه نموذج يريد المستوطنون الذين يتبعون "بن غفير" تكراره في الأقصى، كما أنه يعني التقسيم المادي لساحة الأقصى، ما يعكس الواقع في الخليل.

ومثل هذه الطموحات تتكرر في الأقصى حيث يريد "بن غفير" تدمير الموقع الإسلامي المقدس واستعادته كمعبد يهودي. وقال ذلك في مايو/أيار الماضي عندما زار مجمع الأقصى، ونشر صورة تدعو إلى القضاء على المسجد من أجل "إقامة كنيس على الجبل".

حرب أخيرة

وفي الوقت الحالي، يبدو أن "بن غفير" يستخدم نواب حزبه ليكونوا لسان حاله، حتى لا يعرض اتفاقه الائتلافي مع "نتنياهو" للخطر. وبعد زيارة يوم الثلاثاء، استمتع "فوجل" باحتمال رد حماس بإطلاق الصواريخ من غزة. وقال إن مثل هذه المواجهة "ستكون تستحق العناء لأن هذه ستكون الحرب الأخيرة، وبعد ذلك يمكننا الجلوس وتربية الحمائم وجميع الطيور الجميلة الأخرى الموجودة".

ولا يحتاج "بن غفير" إلى إشعال النار مباشرة في الأقصى، ومع وجود قوات الشرطة الإسرائيلية تحت قيادته، ومع حليفه السياسي "بتسلئيل سموتريتش" المسؤول عن إدارة الاحتلال، فإن لديه مجموعة كاملة من الوسائل الأخرى، لا سيما في القدس، لإثارة السكان الفلسطينيين.

إن قتل الشرطة للمدنيين والتوسع الاستيطاني وهدم المنازل وبناء طريق التلفريك عبر القدس الشرقية المحتلة لجلب السائحين اليهود إلى سفح الأقصى، كلها عوامل يمكن أن تثير التوترات. ويمكن لـ"بن غفير" أيضا أن يجعل حياة الأسرى الفلسطينيين أكثر بؤسا، كما وعد أن يفعل خلال الانتخابات، ما يؤدي إلى إضرابات عن الطعام.

وغالبًا ما يجد الغضب الفلسطيني منفذه في الأقصى بسبب دوره كرمز ديني وقومي، خاصة بالنسبة لشعب محروم من أي رموز أخرى للأمة. إن أقرب حلفاء "بن غفير" السياسيين في حركة جبل الهيكل يضعون أنظارهم بالفعل على عيد الفصح في أبريل/نيسان المقبل، والذي يصادف هذا العام منتصف شهر رمضان. وقد ناشدوا الشرطة، كما يفعلون كل عام، للسماح لهم بالقيام بطقوس استفزازية، مثل ذبح القرابين، المرتبطة ببناء معبد يهودي مكان المسجد الأقصى.

وفي كل عام، تحاول الشرطة إيقافهم؛ لكن هذا العام، سوف يملي "بن غفير" سياسته على الشرطة. ومع صلاحياته الوزارية وبرنامجه المتطرف، فإن الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يشعل النار.

**لقراءة النص الأصلي Is Ben-Gvir preparing a holy war against the Palestinians?

المصدر | جوناثان كوك | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اسرائيل الأقصى بن غفير نتنياهو الاحتلال الإسرائيلي

بن غفير يقود الفوضى والتصعيد

صحيفة عبرية: بن غفير يجعل مستقبل إسرائيل في خطر

تقرير عبري يحذر من تدهور التطبيع مع الخليج بسبب نتنياهو وبن غفير

262 اقتحاما للأقصى نفذه 48 ألفا خلال عام 2022

بن غفير يوجه بمنع رفع أي علم فلسطيني في المجال العام

بن غفير يتحدي فصائل المقاومة ويهدد باقتحام جديد للأقصى

لم يحدد موعدا.. بن غفير يعتزم اقتحام الأقصى من جديد

تنديد واسع باقتحام بن غفير للأقصى: اعتداء سافر وله تداعيات خطيرة

قلق أمريكي إسرائيلي من إثارة بن غفير توترات في الأقصى خلال رمضان