بعد الأربعاء العصيب.. هل عومت مصر الجنيه بشكل حقيقي وكيف سيتأثر المواطن؟

الخميس 12 يناير 2023 05:08 م

تشير الساعات التي مرت بها مصر، الأربعاء 11 يناير/كانون الأول الجاري، إلى تطورات شديدة الحساسية والأهمية فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية للبلاد، وبالتحديد سعر صرف الجنيه، بعد تغيرات عنيفة طرأت عليه خلال 3 أشهر فقط.

ظهر الأربعاء كانت العملية تدور بعنف، وتجاوز سعر الدولار 32 جنيها، لكن بعدها بدقائق فوجئ الجميع بنزولات حادة ومتتالية للسعر حتى استقر في نهاية اليوم في حدود 29.70، وكان قد انخفض قبلها، عصر الأربعاء، إلى 29.20.

ما سبق دفع المتابعين والخبراء للتساؤل: هل ما حدث يعد تطبيقا واضحا لسياسة سعر الصرف المرن؟، وهي السياسة التي طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة المصرية تطبيقها بشكل صارم من أجل استمرار برنامجه لإقراض القاهرة "بمشاركة من دول الخليج ومؤسسات مالية دولية أخرى"، وهو القرض الذي تعول عليه مصر لمساعدتها على تقليل فجوتها التمويلية المتصاعدة.

ما هو سعر الصرف المرن؟

وفقا لمبدأ الإصلاح الاقتصادي، يجب أن يكون سعر الصرف عاكسا بشكل حقيقي قيمة عملة البلد المحلية أمام العملات الأجنبية، لاسيما الدولار، ولن يحدث ذلك إلا بإخضاع العملة المحلية بشكل شبه كامل لقوى العرض والطلب.

أي أنه حينما تتم عمليات بيع واسعة للعملة المحلية لشراء العملة الأجنبية تنخفض قيمة تلك العملة المحلية، والعكس صحيح، وهو ما يعرف بـ"سعر الصرف المرن"، وما سبق يساعد في إيضاح الخريطة الاقتصادية أمام المستثمرين ، شرط أن يتم بشفافية.

هل هذا ما يحدث في مصر؟

وفقا لمتابعين ومتعاملين، لا يتم هذا الأمر بالشكل الطبيعي، وتشوبه كثير من الاختلالات، أبسطها هو أن الحصيلة الدولارية للبلاد لا تزال متدهورة، وبالتالي لا تستطيع البنوك توفير الدولار لطالبيه في أي وقت وبأي مبلغ.

ما سبق جعل المتعاملين وطالبي الدولار، وهم كثر في بلد يعتمد بشكل أساسي على استيراد معظم السلع من الأساسيات والكماليات، يحاولون البحث عن العملة الخضراء في أماكن أخرى، أو بشكل أوضح "أسواق موازية".

والأسواق الموازية، هي أسواق ينشط بها أصحاب رؤوس أموال لديهم مخزونات دولارية تحصلوا عليها بأشكال متعددة، ليوفروا العملة الأمريكية لطالبيها، ولكن بأسعار أعلى من البنك، ولا يكون أمام المتعاملين سوى الرضوخ نظرا للقيود التي يفرضها البنك على صرف الدولار.

وما ينسحب على الدولار ينسحب بالضرورة على باقي العملات الأجنبية، وإن كان بوتيرة أقل.

هنا، ظهر واضحا أمام صندوق النقد والممولين الدوليين أن هناك قيمتان لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار وبقية العملات الأجنبية، وهو ما يعني أن الدولار سيكون متواجدا أكثر بالأسواق الموازية بدلا من البنوك، لأن معظم المتعاملين متواجدون في تلك الأسواق.

بالتالي، ووفقا لتلك التطورات، ستستمر الأمور بالتدهور، لذلك، كان الهدف هو محاولة الوصول بسعر صرف البنك لأقرب نقطة إلى السوق الموازية، بهدف اجتذاب هذه الشريحة الضخمة من المتعاملين إلى الجهاز المصرفي مجددا، وبالتالي انتعاش تداول العملات الأجنبية بتلك المؤسسات.

وعندما تكون قناة التدفق الأساسية للعملات الأجنبية داخل الجهاز المصرفي وليس السوق السوداء تحدث انتعاشة وتوفرا للعملة الأجنبية، لتتكاتف هذه الانتعاشة مع مدخولات البلاد من الدولار من قطاعات ثابتة، مثل السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج.

تدهور الموارد الدولارية

الاختلال الأكبر الذي ظهر هنا، هو أن السياحة تراجعت بشدة، قياسا إلى أن معظم شريحة السياح التي كانت تأتي إلى مصر هم من روسيا وأوكرانيا ودول شرق أوروبا.

كما تسببت سياسات مصرفية حكومية إلى قلة تدفقات المصريين من الخارج والتي باتت تذهب أكثر إلى السوق الموازية، وبالتالي لم تحدث الانتعاشة المنتظرة، لا سيما أن قطاع التصنيع والتصدير في مصر متراجع ومتدهور.

أمام هذا الوضع، استمرت القيود على التعاملات الدولارية داخل البنوك المصرية، واستمرت السوق الموازية – بدورها – في العمل.

وفقا لما سبق، بات هنا انقسام على كافة المستويات حول جدوى تبني سياسة سعر الصرف المرن أو ما يعرف بـ"التعويم"، بين من يرى أن تلك السياسة توثر إيجابا على السوق ومناخ الاستثمار، وبين من يرى أن الإدارة المالية الحالية غير قادرة على الخروج من الأزمة وتعقيداتها المتراكمة، وأن التأثيرات سلبية ومتفاقمة.

ويشير بعض الخبراء إلى أن حالة التذبذب الحاصلة حاليا في سعر الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية هي مؤقتة ويمكن بعدها استقرار الأسعار، في حين يرى آخرون أن عجز النقد الأجنبي يمكن أن تستمر معه الأزمة، في ظل تراجع حركة السياحة والموارد الأخرى ذات الطبيعة الدولارية.

بدوره، يصر صندوق النقد على رأيه بوجوب تبني مصر سياسة التعويم الكامل، ويعول على أن تلك السياسة من شأنها أن تنعش الحصيلة الدولارية للبلاد، وهو أمر بات محل شك، وفقا للمعطيات السابقة.

الأربعاء العصيب

وفيما يعد دليلا على ذلك، كان الجنيه منهارا، ظهر الأربعاء، بشكل غير مسبوق أمام الدولار، ولم تشفع آليات العرض والطلب "الحر" في عمل شئ، لكن تقارير تحدثت عن اندفاع صناديق خليجية لشراء سندات مصرية بشكل عاجل بقيمة 250 مليون دولار ، ما أدى لانتعاش الجنيه بعد ذلك بدقائق، وهو ما يمكن أن نطلق عليه خطة إنقاذ طارئة لن تكون جاهزة في المرات المقبلة.

من أجل ذلك، ركزت أحدث تقارير صندوق النقد حول مصر، الثلاثاء الماضي، والتي نشرها "الخليج الجديد" ووسائل إعلام أخرى على طلب صندوق النقد من دول الخليج الوفاء بتعهداتها لشراء أصول مصرية مقابل مليارات الدولارات، كي تتمكن تلك المليارات من إنعاش الحصيلة الدولارية بالبنوك المصرية وتصبح حينها سياسة سعر الصرف المرن "التعويم" فعالة بعض الشيء.

وما لم تنتعش الخزينة الدولارية في مصر، وتقدم البنوك المصرية الدولار لطالبيه وتلغي السياسات المشددة التي وضعتها على السحب الدولاري داخل وخارج البلاد، ستستمر السوق الموازية في العمل، وكلما اقترب سعر الدولار في البنك من سعرها، ستتعامل هي بالسعر الأعلى، نظرا لاستمرار توافد المتعاملين عليها.

ويعني ذلك أن الجنيه سيستمر بالانخفاض بشكل غير محدد أمام الدولار، وستكون التداعيات على المواطنين شديدة العنف.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدولار مقابل الجنيه الاقتصاد المصري تعويم الجنيه سعر الصرف المرن البنك المركزي

انهيار الجنيه يتصدر تويتر.. ترحم على عهد مرسي وسخرية من إعلاميين مؤيدين للسيسي

من الخليج والمؤسسات الدولية.. 960 مليون دولار أنقذت الجنيه المصري من انهيار تاريخي

كن إيجابيا و "أوعى تتبرع".. سخرية واسعة من دعوة مصريي الخارج لإرسال 200 دولار

بينها الجنيه المصري والليرة التركية.. 6 عملات شرق أوسطية مرشحة للتأرجح في 2023

مع تماسك الجنيه.. ستاندرد تشارترد يتوقع رفعا جديدا للفائدة في مصر