أزمة رغيف الخبز بمصر تتجدد.. هل تدعم توجهات الحكومة الفقراء أم تحتال عليهم؟

السبت 21 يناير 2023 01:43 م

تتصدر أزمة رغيف الخبز بمصر، المشهد، حيث تأتي ضمن سلسلة أزمات أخرى منبثقة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيش مصر ذروتها مؤخرا، تحت ضغوط شح العملة الأجنبية وانهيار قيمة الجنيه وارتفاع غير مسبوق لنسبة التضخم.

تظهر أزمة رغيف الخبز المتجددة بين الفينة والأخرى هذه المرة، من خلال شكل الدعم الذي تقدمه الحكومة للرغيف الذي يباع لقطاع من المستهلكين حائزي البطاقات التموينية، بخمسة قروش (0.00169 دولار).

هذا الدعم، دفع رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" لإعلاء صوته، مؤكدا أنه ضاغط بشدة على موازنة الحكومة بسبب ارتفاع كلفته بعد ارتفاع تكلفة القمح، الذي تستورد البلاد معظمه من الخارج، وكذلك تكلفة السولار الذي يشغل الأفران.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال وزير التموين "علي المصيلحي" إن الحكومة تتحمل حوالي 90 قرشا (0.030 دولار) للرغيف الذي يصل إلى المستهلك بخمسة قروش.

وتتحمل الموازنة السنوية ما يصل إلى 90 مليار جنيه (2.653 مليار دولار)، لدعم 270 مليون رغيف يوميا، بحسب الأرقام الحكومية.

خريطة إنتاج الخبز بمصر

وفقا لأرقام نشرتها دوائر حكومية، يستهلك المصريون حوالي 300 مليون رغيف يوميًا، ما بين 275 مليون رغيف مدعم تبيعه المخابز البلدية لحاملي البطاقات التموينية بسعر 5 قروش (0.00169 دولار) بوزن 90 جرامًا بحد أقصى 5 أرغفة لكل فرد يوميًا، فيما تنتج مخابز "الأفرنجي" الخبز السياحي بكمية تصل إلى 25 مليون رغيف يتجاوز سعره الجنيه (0.034 دولار).

وبالنسبة للخبز السياحي، فإن المخابز تشتري الدقيق من السوق لإنتاج الخبز السياحي، ويتم تحديد سعره وفقًا للعرض والطلب، ولا يخضع للرقابة الحكومية، وكان هذا أحد أسباب تصاعد الشكاوى من المواطنين خلال الأسابيع الأخيرة حول تردي جودة هذا الرغيف واستمرار نقصان وزنه بالتوازي مع غلاء سعره، حي وصل سعر الرغيف الواحد إلى جنيهين في بعض المناطق.

في المقابل، تصرف الدولة حصصًا من الدقيق للمخابز البلدية لإنتاج الخبز المدعم بسعر محدد 5 قروش، ويصرف فقط لحائزي البطاقات التموينية.

ويتم إنتاج الخبز المدعم بدقيق "استخراج 82%" - وهي النسبة الإجمالية للدقيق من القمح المطحون- فيما يتم إنتاج الخبز السياحي بدقيق "استخراج 72% مما يجعل لونه أبيض عن نظيره البلدي، وفي المقابل فإن الخبز السياحي متوفر طوال اليوم بصورة أكبر من نظيره المدعم، والذي ينفذ سريعًا.

وتستورد مصر معظم احتياجاتها من القمح من الخارج، وبلغ حجم وارداتها حوالي 1.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الماضي بزيادة 66 مليون دولار عن الفترة نفسها من العام السابق.

كيف تحركت الحكومة؟

وفي مواجهة هذه المتغيرات، التي تراها السلطات أزمة يجب النفاذ من بين أنيابها بأقل الخسائر،دون المساس (الفوري) برغيف الخبز المدعم، تجنبا لتداعيات اجتماعية، تحركت الحكومة على مسارين توازيا وتواليا في نفس الوقت.

المسار الأول، هو إعلان مسؤولين أن الحكومة تعد منظومة لبيع الخبز المدعم لغير حاملي البطاقات التموينية بسعر التكلفة الفعلية.

ولم يتم حتى الآن تحديد آلية بيع الخبز أو سعره حتى الآن، لكن تقارير تحدثت عن "كروت مدفوعة مسبقا"، يشتريها المستفيد من مكاتب البريد المنتشرة بالبلاد، ويمنح كل كارت عددا من الأرغفة بسعر يقل قليلا عن جنيه واحد للرغيف، وفقا لقيمة الكارت.

ويقول "عطية حماد"، رئيس شعبة المخابز بالغرفة التجارية بالقاهرة، إنهم ينتظرون صدور قرار وزاري يوضح هذه النقاط لبدء تطبيق المنظومة.

أهداف تلك الخطوة

يرى "حماد" أن تلك الخطوة ستسهم بشكل كبير في توفير الخبز البلدي للمواطنين، وخفض سعر الخبز السياحي، وبالتالي توفير سيولة مالية للمواطنين وتقليل استنزاف جيوبهم لشراء الخبز السياحي الذي ارتفعت أسعاره بشكل مبالغ فيه.

وسبق أن أعلن مساعد أول وزير التموين ورئيس جهاز التجارة الداخلية المصري، "إبراهيم عشماوي"، أن الوزارة ستبدأ تطبيق تجربة بيع الخبز البلدي لغير حاملي البطاقات التموينية بسعر التكلفة الفعلية، عبر بطاقات ائتمان مسبقة الدفع من خلال المخابز التموينية.

بدوره، يؤكد رئيس شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية، "عبدالله غراب"، أن الحكومة ما زالت تجري تجارب على منظومة بيع الخبز المدعم لغير حاملي البطاقات التموينية، مشيرًا إلى أن المخابز البديلة البالغ عددها 33 ألف مخبز منتشرة في الجمهورية قادرة على تطبيق المنظومة فور الانتهاء منها، وفق ما نقلت عنه شبكة "CNN" الأمريكية.

المشكلة الأبرز لتلك الخطوة، وفق مراقبين، هي ضعف الرقابة على المخابز التموينية والتأكد من نتظامها بتقديم  الأرغفة للمشتركين بنظام الكروت بالأسعار والأوزان المحددة للرغيف.

 المسار الثاني، يتعلق بالتصريح الذي قاله وزير التموين "علي المصيلحي"، في وقت سابق من الشهر الجاري، والذي قال فيه إن الحكومة تدرس تقديم دعم الخبز للمستحقين نقدا، ووفق شروط.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه هو الهدف النهائي للحكومة من خطوة إتاحة الخبز المدعوم خارج البطاقات التموينية بمقابل، أي أن المسار الأول يمكن أن يكون هدفه للوصول إلى المسار الثاني والاستقرار عليه، وهو مطلب حكومي منذ سنوات، ويقول خبراء إنه أحد أبرز محاور المناقشات بين القاهرة وصندوق النقد الدولي، الذي يرى أن الدعم النقدي يضبط كثيرا من تسرب الإنفاق والفساد الذي يشوب منظومة الدعم العيني القائمة حاليا في الخبز.

وتنقل قناة "الجزيرة" القطرية عن أحد أصحاب المخابز التي تقدم الأرغفة المدعمة، (لم تذكر اسمه) تأكيده أن الحكومة تتحمل 60 قرشا فقط (0.020 دولارا) للرغيف وليس 90 قرشا كما تقول، كما أن بطاقة التموين للأسرة الواحدة لا تشمل أكثر من 4 أفراد، لكل فرد 5 أرغفة يوميا، وهو عدد لا يكفي لإطعام شخص طوال اليوم.

لذلك، فإن أغلب الأسر تشتري الخبز المدعم بسعر حر يتراوح بين 50 قرشًا إلى جنيه واحد، وفق صاحب المخبز، الذي قال: "نحن نتسلم جوال الدقيق وزن 50 كجم (مجانا) مقابل إنتاج 720 رغيفا، تصل تكلفة إنتاجها حاليا إلى 102 جنيه".

وفصّل المتحدث تفاصيل إنتاج كيس الدقيق الواحد على النحو التالي: (7 جنيهات للردّة، 47 جنيها للسولار، 20 جنيها للخبّاز، 8 جنيهات للعجّان، 20 جنيها للتقطيع).

ومنذ عام 2016 استبعدت الحكومة 7 ملايين مصري من منظومة الدعم ليتراجع العديد من 73 مليونا إلى 64 مليونا.

صندوق النقد

من ناحية أخرى، يتزامن الحديث عن مسألة دعم رغيف الخبز في مصر مع الحديث عن شروط قاسية من قبل صندق النقد على القاهرة للموافق على تمرير قرض بقيمة 3 مليارات دولار، لكن وزير المالية "محمد معيط" يؤكد أن رغيف الخبز ليس من بين الشروط التي تتفاوض مصر بشأنها مع الصندوق.

ويقول خبراء إن مسألة تحول الدعم العيني إلى دعم نقدي كمبدأ صحيحة، وتؤدي إلى كفاءة الإنفاق وتقليل فرض الفساد، أن الدعم النقدي سيضمن وصول الدعم بشكل أفضل إلى نسبة كبيرة جدا من المستحقين، وسيخفض مبلغ الدعم في الموازنة السنوية انخفاضا كبيرا.

وفي مسألة الخبز، يمكن للدعم النقدي أن يخفض فاتورة استيراد القمح، وهو هدف استراتيجي.

ولكي تتحقق تلك النسبة من الضبط والفعالية لمبدأ الدعم النقدي، يرى خبراء أن الحكومة يجب أن ترصد ما يحتاجه المواطن الفقير من الخبز شهريا ثم تصرف له قيمة هذه الكمية نقدا حسب السعر العالمي، وليس بصرف مبلغ شهري ثابت لكمية تحددها هي.

تبقى الإشارة إلى أن رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي" شدد على أنه لن يتم زيادة سعر أسعار الخبز حاليا، رغم تضاعف كافة أرقام  تكلفته، من وجهة نظر الحكومة. 

لكن رئيس البلاد "عبدالفتاح السيسي" عود المصريين على المفاجآت التي تخالف تيار التصريحات، فهل يستهدف رغيف الخبز هذه المرة، كما أعلن عن نيته ذلك في أغسطس/آب 2021 حينما قال إن الوقت قد حان لرفع سعر رغيف الخبز المدعوم؟

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

رغيف الخبز دعم الخبز الأزمة الاقتصادية في مصر صندوق النقد الفقراء في مصر

هل تخلت مصر عن فقرائها لصالح قرض صندوق النقد الدولي؟

كيف أثّرت الأزمة الاقتصادية على العمل الخيري في مصر؟

الحكومة المصرية تنفي رفع سعر رغيف الخبز المدعم بدءًا من يوليو المقبل

أزمة خبز جديدة.. التردي الاقتصادي يهدد العقد الاجتماعي في مصر

أزمة الجنيه المصري تتفاقم.. والبسطاء يدفعون الثمن

مع تراكم الديون وندرة المياه.. دعم الحكومة لخبز المصريين في مهب الريح