دبلوماسية الكوارث.. هل يغير الزلزال من طبيعة علاقات تركيا مع خصومها ومنافسيها؟

الجمعة 10 فبراير 2023 08:51 م

في أوقات الأزمات ينسى الناس ما بينهم من خصومة، ويهرع بعضهم لمساعدة المتضرر والمكلوم والمصاب، وكلما زاد حجم الأزمة وتعمق أثر المصيبة زاد حجم النسيان وسرعته وقوته.

ووسط أخبار الزلزال الحالي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، مخلفًا أكثر من 23 ألف قتيل، تتابعت الأخبار حول التضامن العالمي مع تركيا وسوريا، والاستعداد لإرسال فرق الإغاثة للمساعدة في عمليات الإنقاذ في المناطق المنكوبة.

فللدبلوماسية وجوه كثيرة، فلم تعد ذلك النشاط التقليدي في علاقات الدول الخارجية، المعروف خطوط بداياته ومسارات النهاية، لكنها أصبحت مظلة كبيرة تضم تحتها العديد من الأدوات، من بينها تقديم العون زمن الكوارث والأزمات، ففي تلك الأثناء تكون الدول المكلومة في أمس الحاجة للدعم والمساعدات الخارجية لعبور مأزقها بسلام وفي أقصر وقت وبأقل الخسائر.

وقد تجد الكثير من الدول في تلك الأجواء فرصة سانحة لتعزيز أواصر العلاقات مع تلك البلدان من خلال المبادرات والمساعدات المقدمة، لا سيما الدول التي تعاني من توترات بين الحين والآخر، فربما تصبح تلك الأزمات والكوارث أرضية جيدة للتلاقي على مسرح بعيد نسبيًا عن المسرح السياسي المعقد.

وكثيرًا ما شهد التاريخ عشرات النماذج لهذا النوع من الدبلوماسية غير التقليدية، وإن لم تكن في إطارها المنهجي الحاليّ، لكنها كانت حاضرة بقوة، وساهمت كثيرًا في تخفيف الأجواء بين الدول وتنحية الخلافات والانطلاق منها كنقطة بداية مشتركة لعلاقات أكثر نضجًا وتناغمًا.

تقول "يفجينيا جابر" وهي زميلة في المعهد الأطلسي وفي مركز الدراسات التركية الحديثة بجامعة كارلتون: "لقد حشدت المأساة حلفاء تركيا للتضامن، وقدمت أكثر من 45 دولة تعازيها والمساعدة".

ويتفق معها "إيسر أوزديل" وهو زميل للمعهد الأطلسي: "لقد أظهر لنا التاريخ مرات عديدة أن النضال المشترك في الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل، يمكن أن يقدم مساهمات إيجابية في تنمية العلاقات بين البلدان".

ويضيف: "أعتقد أن الدول التي تظهر تضامنا مع تركيا ستعمل أيضا على تحسين علاقاتها الثنائية".

فبعد ساعات من المأساة، انتشرت رسائل على منصة "تليجرام" الروسية وفي مراكز الفكر الروسية تحث الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على اغتنام الفرصة لتجديد المحادثات المباشرة مع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" (بعد سنوات من القطيعة)، بدعوى أن هذا سيكون وقتا مناسبا لتنسيق العلاقات التركية الروسية.

وأعقب ذلك محادثة هاتفية بين "أردوغان" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، قالت تقارير إنها كانت لبحث سبل التنسيق السوري التركي لمواجهة الكارثة.

ويعيش ملايين اللاجئين السوريين في جنوبي تركيا، وهناك دور للمانحين الأوروبيين والحكومة التركية لمساعدة السوريين الذين يعيشون إلى جانب جيرانهم الأتراك في المنطقة المتضررة، ولكن أيضا عبر الحدود في شمالي سوريا، التي شهدت دمارا واسع النطاق.

وليس بعيدا عن ذلك، جاء اتصال حديث رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس" مع "أردوغان"، وذلك بعد ما يقارب العام من التوترات التي برزت في مايو/أيار 2022، وارتفعت وتيرتها في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

وعقب الزلزال، أعرب رئيس الوزراء اليوناني، عن تضامنه مع الشعب التركي، مؤكدًا على استعداد بلاده إرسال المساعدات إلى تركيا، قبل أن يعلن عبر تويتر عن حديثه مع الرئيس التركي، قائلًا: "لقد تحدثت للتو مع الرئيس رجب طيب أردوغان، بالنيابة عن الشعب اليوناني، أعربت عن أعمق تعازيّ للخسارة الفادحة في الأرواح وكررت استعدادنا لتقديم كل المساعدة اللازمة".

وجاءت كارثة الزلزال لحظةً لتجاوز كافة الخلافات السياسية بين أثينا وأنقرة، ولو مؤقتًا.

فيما تذكر صحيفة "نيويورك تايمز"، بحادثة مشابهة، بين تركيا واليونان أيضًا، وذلك خلال زلزال سبتمبر/أيلول 1999 في تركيا.

وتشير الصحيفة إلى أنه قبل ما يقارب الربع قرن، حدث زلزال مدمر في تركيا، تلاه زلزال آخر أقل حدة في اليونان، وفي حينها ساهم التعامل مع الزلزال في التقليل من حدة الخلافات الطويلة بين أنقرة وأثينا.

وتصف الصحيفة الأمريكية، تحسن العلاقات في حينها بـ"دبلوماسية الزلازل"، وهي فترة أعقبت الزلزال الذي بلغت قوته 7.6 درجات في أغسطس/آب 1999، وكان مركزه بالقرب من بلدة إزميت، جنوب إسطنبول، وتشير الأرقام الرسمية في حينه، إلى مقتل 17 ألف شخص وتدمير العديد من المباني.

ومن إسرائيل، سارعت دولة الاحتلال لعرض مساعدتها لتركيا المنكوبة بالزلزال المدمر، في خطوة وصفت بأنها تستهدف تدفئة العلاقات.

صحيح أن علاقات تركيا وإسرائيل شهدت زيادة في التحسن في 2023، رغم أنها تعيش ذلك منذ عامين، لكن تأثير مثل هذه الخطوة قد يكون محدودًا مع مرور الوقت، لأنه رغم الصور المثيرة فإنه من المشكوك فيه أن يكون لها تأثير سياسي حقيقي على المدى المتوسط والطويل.

كما أن أضرار الزلزال الرهيب الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، جعلت من مكالمة هاتفية يجريها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مع نظيره التركي، لتقديم التعزية في آلاف الضحايا مثار اهتمام على رغم ركام الزلزال.

المكالمة الأولى بين الرئيسين منذ المصافحة المثيرة بينهما على هامش افتتاح مباريات كأس العالم لكرة القدم في قطر خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تقول كثيراً عن سياسة الكوارث ودبلوماسية المصائب.

فالمكالمة أتت بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية المصرية إرسال مساعدات إغاثية عاجلة إلى تركيا عقب اتصال أجراه وزير الخارجية المصرية "سامح شكري" مع نظيره التركي "مولود جاويش أوغلو" لتقديم العزاء وتمني الصحة والشفاء للمصابين.

وجاء في المكالمة السياسية الدبلوماسية توجيه مصر مساعدات عاجلة تضامناً مع الدولة التركية والشعب التركي الشقيق.

وحتى السويد التي توترت العلاقات بينها وبين تركيا على مدى أشهر بسبب الشروط التركية للتصويت على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، ثم حرق نسخة من المصحف في السويد من دون توقيف للحارق، وأخيراً حرق دمية لـ"أردوغان" في السويد من دون تدخل السلطات، بادرت إلى تقديم التعازي وعرض المساعدات.

التصريحات الرسمية الصادرة من السويد أشارت إلى أن السويد باعتبارها شريكاً لتركيا، وفي موقع رئاسة الاتحاد الأوروبي مستعدة لتقديم الدعم اللازم، وهو ما من شأنه التذكير بالمكانات السياسية وربما تبديد قدر من التوتر.

ومن السويد إلى الهند، الذي أثار الزلزال رئيس وزرائها "ناريندرا مودي" الذي أعلن بسرعة إرسال 50 فردًا من القوة الوطنية للاستجابة للكوارث برفقة 60 موظفًا للعمل في مشفى ميداني.

وقد تضمنت الشحنة التي تم نقلها جواً فرقة كلاب مدربة تدريباً خاصاً وإمدادات طبية وآلات حفر ومعدات أخرى.

وتناسى "مودي" خلاف بلاده مع تركيا الذي يعد سعيها لتولي قيادة العالم الإسلامي بدلا من السعودية أحد أسبابه، مترافقا مع دعم تركي لباكستان في قضية كشمير، وهو الأمر الذي أكده "أردوغان" في أكثر من خطاب له في الأمم المتحدة.

وبجانب ذلك، تتهم الهند جهات تركية بدعم منظمات متطرفة مناوئة للهند.

على الجهة المقابلة، انحازت الهند إلى جانب قبرص واليونان في نزاعهما مع تركيا، وتم إلغاء زيارة "مودي" إلى تركيا في 2019 والتقى وزير خارجيته بوزير الخارجية القبرصي.

ومن الممكن وفق مراقبين، أن تساهم المساعدات الهندية لتركيا بعد الزلزال في تحسين العلاقات، وهو ما يأمله "مودي".

الأمر ذاته حدث مع فرنسا، التي أعلنت افتتح مستشفا ميدانيا يتمتع بقدرات عالية تعمل فيه فرق طبية ملمة بالحالات الطارئة وقادرة على إجراء العمليات الجراحية في محافظة أديامان التركية، في مسعى للتضامن مع تركيا رغم الخلافات بين البلدين.

وهنا يشير الكاتب المصري "سليمان صالح" إلى الدور ذاته الذي قامت به تركيا مستخدمة دبلوماسية الكوارث، في مواجهة وباء "كورونا" (كوفيد-19) وقيامها باستغلال صناعتها المتقدمة في إنتاج المواد اللازمة لمواجهة الوباء والوقاية منه وأساليب مواجهته، وتوفير هذه المنتجات للكثير من الدول.

ويضيف: "كانت صورة تركيا المتقدمة، وهي تقدم هذه المنتجات لإغاثة الشعوب، تشكل أساسا لقوتها الناعمة في المستقبل".

وبصرف النظر عن تحفظات البعض بشأن دوافع دبلوماسية الكوارث وتحميل المساعدات المقدمة من الدول المانحة بأعباء السياسة والأدلجة والأهداف بعيدة المدى، لكنها تبقى في النهاية ضرورة ملحة وعاجلة تحتاج إليها الدول المكلومة لعبور أزمتها الراهنة، وسلوك دولي محمود مهما كانت علامات الاستفهام التي تفرض نفسها أمامه.

وهنا قد يكون التعاطف الإقليمي والدولي مع تركيا في مصابهما الجلل، نواة لبناء منظومة دولية جديدة، تضع البعد الإنساني فوق كل اعتبار، وتمنح الحق في الحياة القدسية الكاملة، وتضع الخلافات السياسية في إطارها الضيق، وتجعل من حياة الشعوب خطًا أحمر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا دبلوماسية الكوارث مساعدات خلافات زلزال تركيا

عدد ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا يتجاوز 24 ألف قتيل

ميدل إيست مونيتور: إسرائيل تستغل مساعداتها لتركيا في معركة علاقات عامة "خاسرة"

زلزال تركيا وسوريا.. الضحايا يتجاوزون 27 ألف قتيل وأكثر من مليون بمراكز الإيواء

وزير خارجية تركيا مستقبلا نظيره اليوناني: سنطبع علاقتنا معكم فالجار الجيد يظهر وقت الضيق

تركيا واليونان.. جولة جديدة من تضامن معتاد أم بداية حقيقية لحل الخلافات؟

سر تشدد تركيا.. هكذا تحولت السويد إلى حديقة خلفية لحزب العمال الكردستاني