صخر النسور لـ"الخليج الجديد": هزات زلزال تركيا وسوريا قد تستمر لأشهر وجهود الإغاثة بحاجة لـ"أنسنة"

الاثنين 13 فبراير 2023 11:07 ص

نواف السعيدي - الخليج الجديد

حث الرئيس السابق لاتحاد الجيولوجيين العرب "صخر النسور" المجتمع الدولي على "أنسنة" المساعدات الإغاثية والنظر إلى الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه، ودعا إلى تأسيس مركز عالمي أو إقليمي وعربي لإدارة أزمات الكوارث الطبيعية.

وفي مقابلة مع "الخليج الجديد"، أضاف "النسور"، المتخصص في علوم الأرض والجيولوجيا، أن "الهزات الارتدادية للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى أشهر، ولكن بدرجة أقل وأخف حدة، وذلك قياسا على ضخامة هذا الزلزال المُدمر".

وفجر 6 فبراير/شباط الجاري، ضرب زلزال بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة ومئات الهزات الارتدادية؛ ما خلف خسائر بشرية هائلة وأضرار مادية ضخمة.

وتابع "النسور"، النقيب السابق لاتحاد الجيولوجيين الأردنيين، أن "كل دولة تعمل داخل حدودها فقط لمواجهة الكوارث والأزمات، لكن اليوم عندما نتعامل مع كوارث طبيعية عابرة للحدود بهذا الحجم فنحن بحاجة كبيرة إلى جهد تشاركي وجماعي ضمن عمل مؤسسي يحد كثيرا من الخسائر ويُقلّل أعداد الضحايا".

وأردف أن "الزلازل حتمية الوقوع، ولكن لابد من الاستعداد المبكر لها؛ فالعلم لم يتوصل للتنبؤ بموعد حدوث الزلازل، لكن لا بد من تكثيف البحث العلمي، لعل علماء العالم يصلوا إلى مرحلة يستطيعون فيها توقع الزلازل".

ولتقليل الخسائر، شدّد على أهمية "اعتماد أكواد للبناء؛ فلا بد من التشديد دائما في كل المناطق النشطة زلزاليا على موضوع الأبنية المُقاومة للزلازل، ويجب نشر العلم والتوعية المستمرة بموضوع الزلازل وكيفية التعامل أثناء الهزة الأرضية، ويجب إعادة تقييم المباني القديمة وإعادة دراستها".

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "الخليج الجديد":

كيف تنظرون للزلزال المُدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مقارنة بالزلازل السابقة خلال القرن الحالي؟

الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا ‏يُعتبر من الزلازل القوية المُدمّرة في العصر الحديث؛ فلا تزال تداعياته مستمرة، والهزات الارتدادية ما زالت موجودة؛ لذا، يُصنف من الخمسة الكبار في القرن الحالي في قوته وشدته وأثره، وهذا يرجع إلى أن تركيا مُحاطة بصفائح تكتونية تتصادم مع بعضها البعض، ويمكن إجراء ربط أو دراسة بخصوص احتمالية تكرار الزلازل المُدمرة كل 50 عاما أو 100 عاما نظرا للوقائع المُماثلة في تركيا خلال السنوات الماضية.

ما أسباب قوة وكارثية هذا الزلزال؟ ولماذا اُعتبر واحدا من أقوى الزلازل؟

هذه المنطقة تُصنف بأنها ذات أنشطة زلزالية عالية وخطرة، حيث تمتاز بالزلازل القوية تاريخيا؛ والسبب أنها تُشكّل ملتقى الصفائح التكتونية، بمعنى أن الصفيحة العربية تتجه باتجاه الشمال وهناك صدع بين الصفيحة العربية وصفيحة الأناضول اسمه "صدع الأناضول الشرقي"، وهذا يُمثل نقطة ضعف، وصفيحة الأناضول مُحاطة بالصفيحة التكتونية الأوروبية الآسيوية، والصفيحة العربية، وجزء من الصفيحة الأفريقية.

وبالتالي فهي تمثل ملتقى صفائح دائمة الحركة، والحركة بين الصفيحة العربية والصفيحة الأناضولية هي حركة تصادمية؛ لأن حركة الصفائح التكتونية إما أن تتجه في نفس الاتجاه التباعدي أو تلتقي فيما بينهما وتُشكّل ما يُسمى الحركة التصادمية. ووجود صدوع شرق وشمال الأناضول مُحاطة بصفائح تكتونية تضغط باتجاه الصفيحة الأناضولية يؤدي إلى حدوث زلازل قوية ومُدمّرة.

هل يمكننا القول إن هذا الزلزال انتهى بالفعل أم أن ارتداداته مستمرة؟

ستظل ارتداداته مستمرة، وسُجل إلى الآن ما يقارب 2000 هزة ارتدادية. والهزات الارتدادية لهذا الزلزال يمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى أشهر مقبلة، ولكن بدرجة أقل وأخف حدة، وذلك قياسا على ضخامة وفداحة هذا الزلزال المُدمر الأول والثاني اللذين شهدناهما في تركيا وسوريا. وهذه الهزات الارتدادية بدأت شدتها وقوتها بالنزول تدريجيا وستظل تتراجع تلك الحدة خلال الفترة المقبلة.

ما تقييمكم للجهود والمساعدات الدولية في مواجهة تداعيات الزلزال؟ وهل جهود الإنقاذ تتناسب مع حجم الكارثة؟

الكوارث الطبيعية عابرة للحدود، والهزات الأرضية والزلازل واحدة من هذه الكوارث، ويبدو أن العالم لم يلتفت بعد إلى ضرورة العمل الجماعي أو التأهب والاستعداد المبكر للعمل الجماعي. وأنا أدعو لضرورة المبادرة بتأسيس واستحداث مركز عالمي أو إقليمي وعربي على الأقل للأمن وإدارة الأزمات والمخاطر لمواجهة الكوارث الطبيعية، لأنه من الواضح أن كل دولة تعمل داخل حدودها فقط لمواجهة الكوارث والأزمات.

اليوم عندما نتعامل مع كوارث طبيعية عابرة للحدود بهذا الحجم فنحن بحاجة كبيرة إلى جهد تشاركي وجماعي ضمن عمل مؤسسي، وليس على نظام "الفزعة" -مع تقديرنا لكل من تقدم وساهم- فالعمل المؤسسي يحد كثيرا من الخسائر، ويُقلّل أعداد الضحايا.

وكثير من الخلافات قد تعيق جهود الإنقاذ والإغاثة أو لا تجعلها بالصورة المأمولة على مستوى العمليات الإسنادية والدعم اللوجستي، لاسيما أن جزءا كبيرا من المناطق التي ضربها الزلزال هي مناطق تُصنف كمناطق فقيرة أو أشد فقرا، وبالتالي طبيعة المنازل غير مؤهلة.

حان الوقت لأن يكون هناك جهدا جماعيا موحدا ضمن ما يسمى الاستعداد المبكر، ولا ننتظر حتى تقع الكارثة. من الجيد أن نأخذ العبر والدروس من كل حادثة، ولكن الأفضل هو الاستعداد المبكر، وأن تكون هناك خارطة طريق، وخطوات واضحة للتعامل إما إقليميا أو عربيا أو عالميا، يجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.

كما يجب أن تكون هناك مراكز للبحث العلمي، وأملي أن يُؤسس في الدول العربية مركز مشترك للبحث العلمي، ويتبع جامعة الدول العربية مثلا؛ لإدارة الأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية، سواء فيضانات أو انزلاقات وانهيارات أو زلازل وهزات أرضية وما شابه ذلك.

حان الوقت لتوحيد الجهود واستثمار العقول العربية المختصة في هذا المجال ضمن عمل مؤسسي؛ فهو السبيل المنظم والوحيد لتقليل الخسائر. بالطبع لا أحد يستطيع أن يوقف زلزالا أو يمنع حدوثه، ولكن بإمكان العمل المؤسسي والجهد الجماعي وتبادل الخبرات، تقليل الخسائر في الأرواح.

أما عن الجهود والمساعدات الدولية، فالعالم اليوم بحاجة ماسة إلى "الأنسنة"، وأن ننظر إلى الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه، فلا أحد بمنأى عن التعرض للكوارث الطبيعية. لذلك، المساعدة أمر واجب وحتمي وليس بتفضل أو منّة، والكل يجب أن يساعد حسب استطاعته.

وهل توجد مقترحات لتقليل آثار الزلزال؟

لا بد من اعتماد "أكواد للبناء"، وكما علمت أنه بعد زلزال إزميت عام 1999 تم اعتماد نظام أكواد بناء لمقاومة الزلازل في تركيا، وهو أمر إيجابي ومحمود، لكن هناك مبانٍ مشيدة قبل إقرار هذا النظام. لا بد من التشديد دائما في كل المناطق النشطة زلزاليا على موضوع الأبنية المقاومة للزلازل، خاصة المنشآت الحيوية كالمستشفيات والمدارس والجامعات والمنشآت العامة، ورغم أنها مكلفة نوعا ما، ولكن "درهم وقاية خير من قنطار علاج".

أيضا لابد من نشر الوعي والتوعية المستمرة بموضوع الزلازل وكيفية التعامل أثناء الهزة الأرضية. ووضع سلسلة من الإجراءات لإعادة تقييم المباني القديمة وإعادة دراستها من خلال إعادة الكشف الحسي الهندسي على هذه المباني.

كذلك أدعو إلى تكثيف البحث العلمي حول القراءة الزلزالية ومتابعة حركات صفائح القشرة الأرضية؛ فيجب أن يكون هناك سباق على مستوى التسلح العلمي بدلا من سباق التسلح العسكري الذي يفضي إلى الخراب والدمار الهائل.

هل انتهى الأمل في احتمالية إخراج العالقين أحياء من تحت الأنقاض في تركيا وسوريا؟

الأمل بالله دائما، ولا بد من الاستمرار في البحث حتى الرمق الأخير.. أنا مع استمرار البحث، وإن كانت الجهود مضنية ومتعبة في ظل الظروف الصعبة التي يعمل فيها المسعفون والمنقذون –كان الله في عونهم- فضلا عن الضغط النفسي الذي يتعرضون له من هول ما يشاهدونه من الضحايا. قد تقل فرص النجاة تدريجيا، ولكن لا بد من استمرار البحث.

ما الوقت الذي ستحتاجه تركيا وسوريا للتعافي من تداعيات الزلزال؟

مرحلة التعافي مرهونة بالدعم الدولي وإعادة الإعمار، هذا على مستوى الأبنية، ولكن هناك جرحا غائرا في نفوس مَن فقدوا أسرهم وأحبتهم، وهذا يحتاج لسنوات، فالبعد العاطفي والإنساني لذوي الضحايا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار بالإضافة إلى الإعمار والبناء وإعادة التأسيس.

هل تتوقع احتمال وقوع زلزال جديد داخل مناطق التمركز السكاني في تركيا؟

الحركة هناك مُعقّدة ولكل منطقة ظروفها الخاصة، وتركيا منطقة نشطة زلزاليا، وهناك العديد من الشواهد التاريخية على ذلك. ومن المتوقع الاستمرار في الهزات الارتدادية لعمل توازن نتيجة الزلزال الأول؛ فالقشرة الأرضية تعيد توازنها من خلال الهزات الارتدادية.

إلى متى سيظل العالم عاجزا عن التنبؤ بوقوع الزلال؟

الله أعلم؛ فالعلم لا يمكنه حتى الآن التنبؤ بموعد ومكان وقوة الزلزال، لكننا نأمل أن نصل ليوم من الأيام يستطيع فيه العلم أن يتنبأ بالزلازل، وفي كل الأحوال ينبغي على المجتمع أن يقف وقفة جادة وملموسة في مواجهة الزلازل والكوارث الطبيعية، والنظر للبُعد الإنساني في التعاطي مع هذه الكوارث الطبيعية.

والزلازل حتمية الوقوع، ولكن لا بد من الاستعداد المبكر لها؛ فالعلم لم يتوصل للتنبؤ بموعد حدوث زلزال، لكن لا بد من تكثيف البحث العلمي لعل علماء العالم يصلون إلى مرحلة يستطيعون فيها التوقع، ولا أدري هل هذا بالإمكان أم لا؟

ومن الضروري العمل على زيادة الوعي والثقافة في المدارس والجامعات ولدى الناس عامة عبر الإعلام، يجب أن يدرك الجميع أن هذه منطقة زلزالية، وبالتالي لا بد من أخذ الاحتياطات اللازمة، حتى أثناء توزيع الكثافات السكانية يجب أن يؤخذ الأمر بعين الاعتبار.

أخيرا، هل هناك فوائد طبيعية للزلازل؟

بالإمكان دراسة الموجات الزلزالية المنبثقة من الهزات والزلازل الأرضية للوصول إلى معرفة ما في باطن الأرض من ثروات طبيعية كالغاز والنفط، وقد تكون هذه واحدة من الإيجابيات. كما أن الزلازل يمكن أن تفسر لنا أبعاد ما يحدث في باطن الأرض، ونسأل الله العفو والعافية للإنسانية جمعاء.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صخر النسور تركيا سوريا كوارث زلازل

خبير كندي: زلزال تركيا وسوريا نادر الحدوث ولا يتكرر إلا كل 100 عام

الجارديان: إنقاذ ضحايا زلزال سوريا يعطله "فيتو بوتين المثير للسخرية"

MEE: زلزال سوريا كشف ادعاء الإنسانية في الغرب

زلزال تركيا وسوريا: قصص المعجزات والملائكة تضفي هالة على إنقاذات الرضع والأطفال.. والعلم يقول كلمته

البحرين ترسل طائرة مساعدات لضحايا الزلزال.. وتركيا تشيد