وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام لـ"الخليج الجديد": عزلة سعيّد تتزايد ونهاية الانقلاب تقترب

الخميس 23 فبراير 2023 07:58 ص

اعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق (2011-2013) القيادي البارز في حركة "النهضة"، الدكتور رفيق عبدالسلام، في مقابلة مع "الخليج الجديد"، أن حملة الاعتقالات الراهنة في بلاده تزيد من "عزلة" الرئيس قيس سعيّد "داخليا وخارجيا"؛ ما يعني اقتراب نهاية ما وصفه بـ"الانقلاب".

وخلال الأيام الماضية، ووسط انتقادات محلية ودولية، شنّت السلطات الأمنية حملة اعتقالات طالت شخصيات سياسية وإعلامية ونقابية وقضائية، واتهم سعيد بعضهم بـ"التآمر على أمن الدولة"، وحمَّلهم المسؤولية عن أزمات نقص السلع وارتفاع الأسعار.

لكن عبدالسلام قال إن "تلك الاعتقالات تأتي بعدما فقد سعيّد ما يسميه بالشرعية والمشروعية، حيث قابله الشعب بمقاطعة واسعة لانتخاباته ودستوره وخارطة طريقه"، محذرا من أن البلد "على حافة الإفلاس".

وفي أكثر من مناسبة، شدد سعيّد على استقلال المنظومة القضائية، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية التي بدأ فرضها في 25 يوليو/تموز 2021.

ومن أبرز هذه الإجراءات: حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 29 يناير/ كانون الثاني و17 ديسمبر/كانون الأول الماضيين، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو/تموز من العام نفسه.

ولم يستبعد عبدالسلام تصاعد حملة الاعتقالات في الفترة المقبلة، قائلا إن "كل الاحتمالات واردة"، مرجحا أن "الاعتقالات لن تزيد القوى المعارضة للانقلاب إلا ثباتا وصلابة، ولن تفعل شيئا سوى التقصير في العمر الافتراضي للانقلاب".

وتعتبر قوى وازنة في تونس، بينها "النهضة" صاحبة أكبر كتلة في البرلمان المنحل، إجراءات سعيّد الاستثنائية "انقلابا على دستور 2014 (دستور الثورة) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011).

أما سعيّد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".

ومتهما سعيّد بأنه "مغامر ولا يعرف الحلول الوسطى"، رأى عبدالسلام أنه "لا يوجد أفق سياسي لحل الأزمة الحالية"، وأن "الانقلاب لن يندحر إلا بقوة الشارع" وعبر "موجة جديدة من الثورة".

وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "الخليج الجديد":

كيف ترى حملة الاعتقالات الراهنة ضد مَن تقول المعارضة إنهم رافضون للرئيس سعيّد؟

هذه الاعتقالات تأتي بعدما فقد سعيّد ما يسميه بالشرعية والمشروعية، حيث قابله الشعب بمقاطعة واسعة لانتخاباته ودستوره وخارطة طريقه، وهو يحاول الآن القفز في الهواء في محاولة للالتفاف على الأزمة السياسية المتفاقمة والمختلطة بأزمة اقتصادية مالية، حيث يقف البلد على حافة الإفلاس.

ويبدو لي أن سعيّد بارع في توسيع صف الخصوم بما في ذلك من داخل مَن ناصر انقلابه يوم 25 يوليو/تموز 2021؛ إذ شملت الاعتقالات كل مكونات الطيف السياسي والاجتماعي تقريبا من سياسيين ونقابيين وإعلاميين ومدونين وقضاة ومحامين.. الخلاصة هنا أن قيس سعيّد هو أكبر عدو لقيس سعيّد.

وما التداعيات المحتملة لهذه الاعتقالات؟

البلد يعيش أزمة على جميع المستويات ويقترب يوما بعد آخر من الإفلاس، والناس يكابدون من أجل قوت يومهم والحصول على المواد الأساسية المفقودة من الأسواق، وهذا الأمر يحدث للمرة الأولى منذ استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956. المؤكد أن هذه الاعتقالات ستزيد في عزلة سعيّد داخليا وخارجيا، وستصلّب صف المعارضة الوطنية أكثر في مواجهة هذه الديكتاتورية الرعناء.

لكن سعيّد اتهم المعارضة بالإرهاب والتخطيط لمحاولة اغتياله وقال إن الاعتقالات الأخيرة تستهدف حماية الدولة ممَن وصفهم بـ"المتآمرين الذين استولوا على مبالغ ضخمة وتسببوا بإفلاس مصارف".. كيف تعلق؟

سعيّد في عالم من التخيلات والأوهام (...) أصبحت قصة اغتياله سردية متكررة كل أسبوع تقريبا، وخصومه هم متآمرون وخونة وفاسدون وجراثيم وغيرها من المصطلحات في قاموسه الطويل. ليس هناك فساد أكبر من الاستيلاء على الحكم بالقوة المسلحة ووضع كل السلط (السلطات) بين يديك وتنصيب نفسك الحاكم والمُشرّع والقاضي والحكم.

هل تتوقع مزيدا من الاعتقالات؟ وهل ستطال قيادات أخرى بحركة النهضة؟

كل الاحتمالات واردة مع حاكم أرعن مثل سعيّد لا يحسب خطواته ولا يقدر عواقب الأمور. لكن هذه الاعتقالات لن تزيد القوى المعارضة للانقلاب إلا ثباتا وصلابة ولن تفعل شيئا سوى التقصير في العمر الافتراضي للانقلاب.

وما أبعاد استمرار التحقيقات والمحاكمات مع رئيس حركة "النهضة" رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي؟ وماذا لو تم اعتقاله؟

الانقلاب ينتهج سياسة الاستنزاف المستمر لرموز مقاومة الانقلاب، فهذه المرة التاسعة تقريبا التي يقف فيها الغنوشي أمام قاضي التحقيق علنا، ولديه جلسة تحقيق أخرى (اليوم) الخميس.

ولو تم اعتقال الغنوشي فستستمر المعركة ضد هذه الديكتاتورية الناشئة إلى أن يتم دحرها، والغنوشي لم يرهبه حكم الإعدام في مرحلة (الرئيس الراحل الحبيب) بورقيبة (1957-1987) ولا سجون (الرئيس الراحل) زين العابدين بن علي، ولن ترهبه اليوم محاكمات سعيّد.

وهل لتلك الاعتقالات علاقة بعدم موافقة صندوق النقد على منح تونس قرضا جديدا؟

نعم سعيّد يحاول الهروب من الأزمة وحالة الإفلاس التي دفع نحوها البلاد، ثم تبخر قاعدته الشعبية بسلسلة اعتقالات لرموز المعارضة بزعم المحاسبة، ولكن هذا أشبه ما يكون بالتداوي بالتي كانت هي الداء أو تناول أدوية فاسدة ولغير الأمراض التي صُنعت لها.

لكن البعض يرى أن شعبيته شهدت صعودا بين المؤيدين لما يُعرف بـ"مسار المحاسبة"..

هؤلاء حفنة صغيرة من الانتهازيين والجهلة، ولا وجود لهم إلا في العالم الافتراضي. إذا كان سعيّد يدعي وجود قاعدة اجتماعية لصالحه فلنراها على أرض الواقع وفي الميدان.

وماذا عن خيارات المعارضة للرد على الاعتقالات؟

مقاومة الانقلاب هي جهد تراكمي وليست عملا مناسباتيا، وتقديري أن الانقلاب يتراجع يوما بعد يوم رغم ارتفاع منسوب العنف والبلطجة، في مقابل ذلك تربح المعارضة بالنقاط يوما بعد آخر، والمسألة مسألة وقت إلى أن يندحر هذا الانقلاب غير مأسوف عليه.

بعد طرد السلطات للأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية "إستر لانش" من تونس قبل أيام، هل انقطع حبل الوفاق بين سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل (الذي استضافها) بعدما كانا حليفين؟

العلاقة بين سعيّد والاتحاد (أكبر نقابة عمالية) تزدادا توترا يوما بعد آخر، رغم أن الاتحاد اعتبر ما جرى يوم 25 يوليو/تموز عملا تصحيحيا؛ لأن سعيّد لا يحتمل وجود أحزاب ولا منظمات من حوله ويريد أن يكون الحاكم المطلق بأمره، ومن دون حسيب أو رقيب، ولكنه نسى أن عمر الأحزاب في تونس يزيد على قرن من الزمن.

هل تعتقد أن اتحاد الشغل يرى أنه أخطأ في دعمه السابق لسعيّد؟

بالأمر الواقع ومن دون إعلان، يتجه الاتحاد إلى مغادرة مربع 25 يوليو/تموز؛ لأن سعيّد لم يعطه شيئا ويعمل على حشره في الزاوية. ولذلك، وجد نفسه يخوض معركة وجود. واحتمال القطيعة بين الطرفين وارد جدا خاصة من جهة سعيّد الذي يُصرّ على ضرب الاتحاد واستهداف قيادته بالمحاكمات والملاحقات القضائية.

وهل يمكن القول بفشل مبادرة تشكيل حكومة تكنوقراط التي أطلقها اتحاد الشغل في يناير/ كانون الثاني الماضي؟

هذه المبادرة فشلت لأن سعيّد لا يريد حوارا وليس في قاموسه إلا لغة الصراع والحرب، كما أنها وُلدت ميتة لأنها لم تشمل الأحزاب السياسية التي تُعتبر الطرف الرئيسي في المشهد السياسي، وهي المعنية بدرجة أولى بالحل. أما قصة حكومة الخبراء والتكنوقراط فغير مجدية؛ لأن سجل التجربة معهم في تونس لم يكن مُشجعا أصلا.

إلى أي مدى لا يزال الاتحاد قادرا على تحريك الشارع؟

الاتحاد قادر على تحريك شارعه الاجتماعي، ومهما كانت أوضاعه الداخلية فإن الجسم النقابي يتضامن في مرحلة الاستهداف، وتقديري أن هناك نوعا من الالتقاء الموضوعي بين الشارع السياسي الذي تتقدمه جبهة الخلاص الوطني (تضم النهضة وأحزاب أخرى معارضة) والشارع الاجتماعي بقيادة اتحاد الشغل.

هل تعتقد بوجود أطراف أخرى فاعلة داخل السلطة بعيدا عن سعيّد؟

هناك القوى الصلبة (يقول منتقدون إنها الجيش والأجهزة الأمنية) التي تظل المرتكز الرئيسي الذي يعتمد عليه الانقلاب، وهذه ستظل تتعامل بمنطق "نحن مع الشرعية إلى أن تسقط"، وهناك القوى الخفية أي الدولة العميقة التي تريد أن تستخدم سعيّد مخلبا في وجه الثورة والنظام الديمقراطي الوليد.

وهل لا يزال لديكم أمل في إمكانية إغلاق قوس ما تعتبره المعارضة انقلابا في القريب؟

هذا الانقلاب لا أفق له لأنه معزول ويفتقد الرؤية والمشروع، ثم على الجهة الأخرى هناك اتساع لقاعدة المقاومة في أجواء أزمة اقتصادية ومالية تزداد عمقا، مع عجز سعيّد التام عن حل المشكلات القائمة.

في النهاية.. كيف تستشرفون مستقبل الأزمة السياسية؟

لا يوجد أفق سياسي لحل الأزمة؛ لأن سعيّد إنسان أرعن ومغامر ولا يعرف الحلول الوسطى، ولن يندحر الانقلاب إلا بقوة الشارع وتشكل موجة جديدة من الثورة التونسية تستكمل المرحلة الأولى.

المصدر | نواف السعيدي - الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس رفيق عبد السلام قيس سعيد الانقلاب اعتقالات

احتجاجات تونس تحتدم.. قيس سعيد بين تسوية سياسية أو انفجار شعبي

تونس.. جبهة الخلاص تدعو لمظاهرة حاشدة لإسقاط انقلاب قيس سعيّد