إجلاء سريع للرعايا من السودان.. هل تتهيأ ساحة القتال للأسوأ؟

الاثنين 24 أبريل 2023 10:25 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

تتسارع وتيرة عمليات إجلاء دول العربية وأجنبية لرعاياها ودبلوماسييها من السودان، مما يثير مخاوف من أن البلد العربي ينزلق إلى حرب أهلية طويلة ومدمرة أو أن الميدان يتهيأ لتدخل قوى إقليمية أو دولية دعما لأحد طرفي الاقتتال الراهن.

وللأسبوع الثاني على التوالي، منذ 15 أبريل/ نيسان الجاري، تتواصل الاشتباكات بين الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وكل طرف منهما يتهم الآخر ببدء القتال، ويتبادلان إعلانات متضاربة عن تحقيق مكاسب على الأرض مع انهيار ثلاث هدنات بدأت أحدثها في أول عيد الفطر الجمعة، فيما بلغت حصيلة الضحايا 420 قتيلا و3700 جريح، ونزح عشرات الآلاف من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى أو في اتجاه تشاد ومصر، وفقا للأمم المتحدة.

وبين القائدين العسكريين خلافات أبرزها حول مقترح لدمج "الدعم السريع" في الجيش، وهو شرط أساسي لاتفاق يهدف إلى عودة الحكم المدني في البلاد، بعد أن تحالف البرهان وحميدتي معا للإطاحة بالشركاء المدنيين من حكم المرحلة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عبر فرض البرهان إجراءات استثنائية أبرزها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.

ويريد البرهان إتمام عملية دمج "الدعم السريع" في الجيش خلال عامين، هي مدة مرحلة انتقالية جديدة مأمولة، بينما يرغب حميدتي أن يستغرق الدمج عشر سنوات، وهو خلاف يرى مراقبون أن خلفه أطماع من الطرفين في السلطة والنفوذ. وفي أبريل/ نيسان 2019، أطاح قادة الجيش بالرئيس آنذاك عمر البشير (1989-2019) تحت ضغط احتجاجات شعبية حاشدة مناهضة له.

خروج الرعايا

ومنذ السبت تتواصل وتتكثف عمليات إجلاء رعايا عدد من الدول العربية والأجنية. وأعلنت الخارجية المصرية الإثنين إجلاء 436 من مواطنيها برا، وذلك غداة إعلانها إصابة أحد أعضاء السفارة بطلق ناري، دون تفاصيل بشأن حالته أو الجهة التي استهدفته.

وعلى متن سفن تابعة للبحرية السعودية، أجلت المملكة من مدينة بورتسودان على البحر الأحمر 150 شخصا من السعوديين، بالإضافة إلى رعايا لـ12 دولة أخرى، وفقا لوزارة الخارجية.

أما بغداد فأعلنت مقتل مواطن عراقي خلال الاشتباكات، مضيفة أنه جرى إجلاء 14 عراقيا من العاصمة الخرطوم. وأفاد الأردن بإجلاء 343 أردنيا وفلسطينيا وعراقيا وسوريا وألمانيا على متن 4 طائرات عسكرية أقلعت من مطار بورتسودان الدولي.

وأعلنت إيطاليا إجلاء جميع مواطنيها الذين طلبوا المغادرة، بينما أجلت مدريد نحو 100 شخص، بينهم 30 إسبانيا، على متن طائرة عسكرية، وأفادت النروج بإجلاء سفيرها واثنين من الدبلوماسيين.

وفيما نقل الجيش الألماني 313 شخصا، وصلت إلى جيبوتي الأحد طائرتان عسكريتان فرنسيتان تحملان نحو 200 شخص من الرعايا الفرنسيين وجنسيات أخرى، بحسب وزارتي الخارجية الألمانية والفرنسية.

والأحد، أعلنت "الدعم السريع" أن قواتها تعرضت لهجوم من طيران الجيش أثناء إجلاء رعايا فرنسيين من سفارة بلادهم مرورا بمدينة بحري إلى أم درمان في الخرطوم؛ مما أصاب أحد الرعايا ودفعها إلى العودة بهم إلى نقطة الانطلاق حفاظا على سلامتهم.

وأعلنت الحكومة البريطانية استكمال قواتها المسلحة إجلاء موظفيها الدبلوماسيين وعائلاتهم، كما أعلن الاتحاد الأوروبي اكتمال إجلاء بعثته، لكن من استمرار سفيره في تقديم مهام عمله بالسودان.

وتعرض مدير مكتب الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية في السودان البلجيكي ويم فرانسين لإصابة خطيرة بعدما أطلق مسلحون الرصاص عليه مساء الثلاثاء. وعقب إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين، أعلن الرئيس جو بايدن الأحد عن إغلاق السفارة الأمريكية في الخرطوم مؤقتا.

السيناريو الكابوس

تلك الجهود المتسارعة والمكثفة لإجلاء الرعايا والدبلوماسيين أثارت تكهنات بوجود تقديرات في عواصم إقليمية ودولية بأن السودان ينزلق سريعا إلى حرب أهلية طويلة ربما تستدعي تدخلا عسكريا من قوى إقليمية ودولية لمساندة أحد الطرفين.

وشددت مجموعة الأزمات الدولية، في تقرير لها، على ضرورة "اتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة ومدمرة" وصفتها بـ"السيناريو الكابوس". وحتى الآن، يدور القتال في عشر ولايات من أصل 18 في أحد أفقر دول العالم.

و"من المرجح أن يوفر التوسع الجغرافي الإضافي للقتال فرصا لجماعات مسلحة إضافية للانخراط في الاشتباكات، ما ينذر بحرب أهلية شاملة وطويلة في بلد يعاني بالفعل موجات جفاف ونقص في الغذاء"، ووفقا لموقع "وورلد فيو"، التابع لمركز "ستراتفور" للدراسات الأمنية والاستراتيجية الأمريكي.

وحذر ويلو بيريدج، في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، من وجود "خطر جدي للغاية لحدوث نزاع طويل الأمد، فبينما يمتلك الجيش قواتا أكثر، تتمتع "الدعم السريع" بخبرة قتالية أحدث، لا سيما في اليمن، ولديها القدرة على نشر قوة كبيرة من المركبات المدرعة".

والجيش يمتلك حوالي 124 ألف عسكري، مقابل نحو مئة ألف فرد لدى قوات "الدعم السريع"، التي أُسست في 2013 لدعم القوات الحكومية ضد حركات التمرد المسلحة في إقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهاما بينها مكافحة الهجرة غير القانونية عبر الحدود وحفظ أمن البلاد.

موقع استراتيجي

ويخشى محللون أن تنجر دول في المنطقة إلى النزاع السوداني، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. و"مع اقتراب حميدتي من الإمارات، أصبح البرهان أقرب إلى مصر"، بحسب بيريدج. والإمارات هي أكبر مشترٍ للذهب المنتج بشكل رسمي في السودان.

ووفقا لـ"وورلد فيو" فإن "موقع السودان على البحر الأحمر يجعله نقطة اهتمام استراتيجية للقوى الإقليمية والدولية، مما أدى إلى قلق بعض المراقبين الدوليين من تحول القتال الحالي إلى حرب بالوكالة".

ورجح أن يتدخل "اللاعبون الإقليميون الثلاثة الأكثر انخراطا في السودان، وهي مصر (الجارة الشمالية) والإمارات والسعودية"، في القتال بين الجيش و"الدعم السريع" في حال اختل ميزان التكافؤ الراهن بين الجيش و"الدعم السريع".

ولا يقتصر القلق من احتمال التدخل على لاعبين إقليميين، إذ توجد مخاوف من احتمال تدخل لاعب دولي، بما قد يستدعي تدخل لاعبين آخرين منافسين له، في مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال مايك إيكل، في تحليل لموقع "أوراسيا ريفيو"، إنه في حين ينزلق السودان نحو "حرب أهلية صريحة" يوجد "لاعب يتربص بظلال السياسة والتجارة السودانية لسنوات حتى الآن، وهي روسيا التي لطالما اهتمت بتأمين قاعدة عسكرية في ميناء على ساحل البحر الأحمر السوداني".

وبالنسبة لهوية الطرف الذي تدعمه موسكو، نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية قولها إن مجموعة "فاجنر" المرتزقة الروسية المرتبطة بالكرملين، زودت قوات حميدتي بصواريخ "أرض-جو" عبر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

ونفت "فاجنر" أي نشاط لها في السودان، كما نفى حفتر مساندته لـ"الدعم السريع"، وأعرب عن استعداده للوساطة بين الطرفين السودانيين. وتستثمر كل من روسيا والإمارات في الموانئ والتعدين والذهب، وهو القطاع الذي تسيطر عليه بشكل كبير قوات "الدعم السريع"، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان رعايا إجلاء حرب أهلية تدخل خارجي الجيش الدعم السريع

بمساعدة تركيا والإمارات.. أمريكا تنظم قافلتي إجلاء من السودان

لبنان يشكر السعودية على مشاركتها في إجلاء مواطنيه من السودان

الكويت: جميع مواطنينا الراغبين بمغادرة السودان وصلوا البلاد

السودان.. الجيش والدعم السريع يتبادلان الاتهامات بإقحام المدنيين في المعارك

السعودية: إجلاء 10 مواطنين و189 أجنبيا من السودان (صور)

لا استقرار في السودان إلا بالتنسيق بين 6 دول بينها 3 عربية وإسرائيل

مع تهديد مصالحها.. هل تتدخل مصر عسكريا في السودان؟

السودان.. بريطانيا تبدأ بإجلاء رعاياها وسويسرا تترقب الفرص المناسبة لمغادرتهم