«الباجي قائد السبسي» .. من الموت السياسي إلى رئاسة تونس

الاثنين 22 فبراير 2016 04:02 ص

الرئيس التونسي «الباجي قائد السبسي» من الشخصيات السياسية التي تشعر بالارتياح عندما تجلس إليها وتحاورها، حتى بعد أن أصبح رئيساً للدولة. يحب الحديث ويتفنن فيه، لأنه بقصد منه أو من دون قصد، يمزج بين الماضي والحاضر.

يستند على تجاربه الشخصية ليحاول إقناعك بوجهة نظره في مسألة مطروحة اليوم على الرأي العام. يكفي أن ماضيه الواسع في مجال الدبلوماسية جعله مطلعاً على جزء هام من الأحداث والشخصيات التي صنعت التاريخ المعاصر.

وقد احتار في أمره مستشاروه، لأنهم كلما أعدوا له خطاباً مكتوباً، إلا وفضّل في كثير من الحالات أن يتخلص من تلك النصوص لأنه يعشق الارتجال ومخاطبة التونسيين بشكل مباشر، اعتقاداً منه بأنه بذلك يكون أكثر وضوحاً وإقناعاً.

اللقاء الأول مع «السبسي» حصل عندما كان كاتب هذه السطور لم يبلغ سنّ الثلاثين بعد، في مكتب المرحوم «حسيب بن عمار» صاحب صحيفة «الرأي» المستقلة التي أثّرت كثيراً في التحولات السياسية التي بدأت تشهدها تونس منذ ثمانينيات القرن الماضي. كان «السبسي» يومها بعيداً عن السلطة بسبب خلاف حصل بينه وبين الرئيس الراحل «الحبيب بورقيبة». انتقدتُ تجربة الحكم ومن كانوا يساهمون في إدارته، فاندفع قائلاً «يا سيدي تبنا، الله يقبل توبة عباده فهل أنتم ترفضون ذلك؟».

بعد الثورة لم يكن أحد يتوقع أن يكون «السبسي» أحد الشخصيات السياسية الكبرى التي ستتصدّر المشهد. كان يُنظر إليه كأحد وجوه الماضي البعيد. وكان يبدو أن سنّه المتقدمة ستشكل حاجزاً ليؤدي أدواراً أساسية بعد الثورة. حتى هو لم يفكر في ذلك، ولكن تدخلت الإرادة الإلهية لتفتح أمامه الطريق نحو رئاسة البلاد في مرحلة دقيقة.

عندما عجز آخر رئيس حكومة تم تعيينه من قبل الرئيس المخلوع «زين العابدين بن علي» عن قيادة الحكومة في المرحلة الصعبة التي تلت الثورة، قرر «محمد الغنوشي» تقديم استقالته مباشرة أمام وسائل الإعلام. عندها لم يجد رئيس الدولة المؤقت في ذلك الوقت فؤاد المبزع سوى رفيق درب طويل له هو «الباجي قائد السبسي»، فقام بتعيينه رئيس حكومة وطلب منه تهيئة شروط تنظيم انتخابات نزيهة تؤدي إلى اختار مجلس وطني تأسيسي يتولى وضع دستور جديد للبلاد.

فاجأ هذا القرار الجميع بمن فيهم ذلك «السبسي» الذي كان يعتقد في قرارة نفسه بأن نشاطه السياسي قد انتهى. ويذكر في هذا السياق أن رئيس حركة «النهضة» «راشد الغنوشي» قد علّق يومها على تعيين «السبسي» بقوله: «من أي أرشيف جاؤوا به؟».

وقد كتم «السبسي» ذلك في نفسه إلى أن توفّرت له فرصة تسليم مقاليد الحكومة إلى الأمين العام السابق لحركة «النهضة» حمادي الجبالي، الذي تم تعيينه رئيس حكومة جديدا، فقال «السبسي» في خطاب التخلي إن «الشيخ راشد الغنوشي تساءل عن الأرشيف الذي أخرجوني منه، ونسي أنه ينتمي أيضاً إلى الأرشيف نفسه، والفرق بيننا أن كل واحد منا كان محشوراً في صندوقين مختلفين»، في إشارة منه إلى عامل السن واختلاف المسار السياسي والثقافي لكل منهما.

كان بالإمكان أن يتحوّل «السبسي» بعد انتهاء مهمته كرئيس للحكومة الانتقالية الثانية، إلى صديق لحركة «النهضة» لو جسّدت هذه الأخيرة ما دار يومها حول احتمال تعيينه رئيساً مؤقتاً للجمهورية. وكان ذلك السيناريو قائماً، لولا انحياز «الغنوشي» لـ«المنصف المرزوقي» الذي تم تعيينه في هذا المنصب خلال حكم الترويكا.

مرة أخرى يقتنع «السبسي» بأن مساره السياسي قد انتهى، وجاء دور الأحزاب القوية لتتولى إدارة شؤون البلاد. لكن عدداً قليلاً من السياسيين المناهضين لحركة «النهضة» المنحدرين من تجارب مختلفة أقنعوه بأنه قادر على تأسيس حزب جديد والقيام بقيادته، وهو ما جدد طاقته ودفعه إلى خوض تجربة صعبة ومعقدة مكّنته في الأخير من إقامة حزب «نداء تونس» الذي نجح في تعديل موازين القوى وخلق مشهداً سياسياً جديداً، مكّن السبسي من التربّع على عرش رئاسة الجمهورية بقصر قرطاج.

وقد أدى «الغنوشي» دوراً هاماً في تمهيد الطريق أمام «السبسي» للوصول إلى ما هو عليه اليوم، إذ لولاه لتم تمرير مشروع القانون الخاص بمنع رموز النظام السابق من التمتع بحق الترشح في الانتخابات التشريعية والرئاسية. كما كانت هناك نية لقطع الطريق أمام السبسي بحرمانه من الوصول إلى قصر قرطاج بتحديد سن المترشح في حدود 75 عاماً، فقام «الغنوشي» وحركته بإحباط المحاولة، وجعل المجال مفتوحاً أمام «السبسي».

يمكن القول إن «السبسي» ظاهرة تونسية مثيرة للجدل، تعلّق به التونسيون كثيراً، وخصوصاً النساء منهن، ذكّرهم بشخصية بورقيبة، وأعاد الحيوية لأسلوب مخاطبة التونسيين لجهة قدرته على تبسيط المعنى، واستعمال النكتة في أحاديثه، وكثرة استشهاده بالقرآن والأمثال الشعبية ووقائع من التاريخ.

هو رجل مشاكس، يحسن الكر والفر، ويتمتع بقدرة واسعة على المناورة والإقناع. ويستمر الجدل حتى اليوم حول مدى التزامه بوعوده بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة، وإن كانت حجة حاضرة في النفي أو الإثبات. ومهما كانت الأحكام واختلاف التقييمات، فقد أصبح «السبسي» جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية للتونسيين.

المصدر | صلاح الدين الجورشي | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس السبسي نداء تونس راشد الغنوشي الحبيب بورقيبة الثورة التونسية

من أجل حماية الديمقراطية التونسية

الخليج.. وما يريده التونسيون؟

«النهضة» يتصدر الكتل البرلمانية بعد تزايد استقالات «نداء تونس»

انقسام في صفوف حركة «نداء تونس»؟

السبسي رجل من الحرس القديم بوجه جديد والتزام ديمقراطي

تونس.. قطع شجرة تعود لزمن «بورقيبة» يتسبب في إقالة عدد من المسؤولين

الرئيس التونسي يزور الدوحة مايو المقبل

وزير الخارجية القطري يبدأ الأحد زيارة عمل إلى تونس

مسؤول حكومي يحذر من تحول تونس إلى «دولة مافيا»

الرئيس التونسي يقترح تشكيل حكومة وحدة تشارك فيها أحزاب ونقابات