تقرير صحفي يكشف تفاصيل تدخل السيسي والمخابرات في تشكيل مجلس النواب

الأربعاء 9 مارس 2016 09:03 ص

أوضح تقرير صحفي، بأنه في أول أيام العام الجاري نشر «حازم عبدالعظيم»، المسؤول السابق في حملة ترشح الرئيس المصري (المشير سابقا)، «عبدالفتاح السيسي» لرئاسة الجمهورية ما أسماه (شهادة حق في برلمان الرئيس)، تضمنت تفاصيل كشفت لأول مرة عن دور جهاز المخابرات العامة في تشكيل قائمة «في حب مصر» الانتخابية الموالية للرئيس، وهي القائمة التي حصدت كافة المقاعد المائة والعشرين المخصصة للقوائم في الانتخابات البرلمانية التي كانت قد انتهت قبل حوالي شهر من نشر الشهادة.

وفقا لهذه الشهادة، تلقى «عبدالعظيم» اتصالا في يناير/كانون الأول العام الماضي، من أحد المساعدين المقربين لرئيس الجمهورية، ربما يكون الثالث في الرئاسة، الذي كان رفيقه في حملة الرئيس حيث قال له إنه يريد مقابلته لأمر هام جدا في الاتحادية.

وبحسب التقرير الذي أعدة موقع «مدى مصر»، فإنه في اجتماع لاحق في نفس الشهر بقصر الاتحادية «قال هذا المساعد لعبد العظيم: نحن نؤسس لقائمة جديدة للدخول للبرلمان وستكون أنت أحد المؤسسين لهذه القائمة، وقلت: قائمة الجنزوري! (رئيس الوزراء الأسبق ومستشار رئيس الجمهورية الحالي الذي كان يسعى وقتها لتشكيل قائمة انتخابية)، فقال: لا.. قائمة الجنزوري لن تستمر، ولكن القائمة الجديدة بها أعضاء كانوا على قائمة الجنزوري، ثم اتصل بي في نهاية يناير/كانون الثاني وقال لي إن أول اجتماع للقائمة سيكون في جهاز المخابرات العامة يوم الثلاثاء 3 فبراير/شباط 2015، واندهشت! وقلت لماذا جهاز المخابرات العامة؟ قال لي معلهش أول اجتماع لازم يكون هناك».

عن هذا الاجتماع كتب «عبد العظيم» أنه «كان على رأس طاولة اللقاء وكيل من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات (ثلاثة منهم شباب بين الـ30 والـ40 عاما) وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب جدا من الرئيس والده عضو مجلس النواب من المعينين –أحد المساعدين في مكتب الرئيس برئاسة الجمهورية وهو صاحب الدعوة لي بالحضور، والباقون حوالي 15 من الشخصيات العامة المؤسسة لهذه القائمة وكنت أحدهم»، مضيفا أن من كان يدير الجلسة ويوجهها هم وكيل جهاز المخابرات من ناحية والمستشار القانوني من ناحية أخرى، وتم توزيع أوراق على جميع الحاضرين بها اسم القائمة ووثيقة مبادئ تعبر عن القائمة الانتخابية الجديدة، وكانت «حب مصر.. هي المولود في هذا الاجتماع، نعم داخل جهاز المخابرات العامة المصرية، وسبب حضوري الاجتماع كان بناءً على دعوة موجهة لي من رئاسة الجمهورية».

وكشف موقع «مدى مصر» في التقرير الذي أعده الصحفي «حسام بهجت»، أن الشهادة «القنبلة» لأحد المشاركين الأساسيين في تشكيل قائمة «في حب مصر» جاءت كأول إقرار علني بدور مباشر لكل من مكتب رئيس الجمهورية وجهاز المخابرات العامة تجاوز مجرد تقديم الدعم لمرشحين بعينهم ليصل إلى تولي المسئولية عن تشكيل قائمة الدولة بشكل كامل.

واختار «عبدالعظيم» عدم إجراء أية مقابلات إعلامية بعد نشر شهادته، غير أن الشهادة شجعت آخرين على الحديث ورواية ما شهدوه من تحركات وما حضروه من اجتماعات سبقت التصويت في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2015.

نحو قائمة وطنية

وأفصح «مدى مصر» في تقريره عما حصل عليه من مصدرين منفصلين على معرفة وثيقة بمجريات اجتماع الثالث من فبراير/شباط 2015 كانوا على قائمة الحاضرين الذين دعاهم إليه مساعد رئيس الجمهورية، وقد شملت قائمة الحضور «سامح سيف اليزل»، ضابط المخابرات السابق والذي سيتم تعيينه فيما بعد منسقا للقائمة، و«محمود بدر»، أحد مؤسسي حركة «تمرد» التي كانت قد أطلقت مبادرة إسقاط «محمد مرسي» من الرئاسة في 2013، و«محمد بدران»، رئيس حزب «مستقبل وطن» والرئيس السابق لاتحاد طلاب مصر، و«طارق الخولي»، القيادي المنشق عن حركة «6 إبريل»، و«الجبالي المراغي»، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، و«أسامة هيكل»، وزير الإعلام الأسبق في فترة حكم المجلس العسكري، ومقدم البرامج «أسامة كمال»، و«السيد محمود الشريف»، نقيب الأشراف الذي سيتم انتخابه لاحقا وكيلا لمجلس النواب، و«عماد جاد»، الباحث السياسي والقيادي السابق بحزبي «المصري الديمقراطي» ثم «المصريين الأحرار»، و«طاهر أبو زيد»، وزير الرياضة الأسبق، وكانت السيدة الوحيدة بين الحاضرين هي «آمنة نصير»، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.

وقد ترشح كافة الحضور فيما بعد على قائمة في «حب مصر»، وحصلوا بالطبع على مقاعد في مجلس النواب الحالي، باستثناءين هما «حازم عبدالعظيم»، الذي أعلن لاحقا انسحابه من القائمة، و«أسامة كمال» الذي قرر بعدها التفرغ لعمله الإعلامي، رغم أن الاجتماع شهد تكليفه متحدثا رسميا باسم القائمة. 

ووفق التقرير، فقد أدار الاجتماع  وكيل جهاز المخابرات العامة اللواء «إيهاب أسعد»، وشاركه في تسيير أعمال الاجتماع المحامي «محمد أبو شقة»، الذي كان قد شغل منصب المستشار القانوني للحملة الرئاسية بتوكيل قانوني من «السيسي» في 2014.

ولم يكن الطريق إلى تشكيل قائمة «في حب مصر» يسيرا، بل جاء بعد عدة محاولات سابقة لم يكتب لها النجاح، وكانت الأشهر الأولى التالية لانتخاب «السيسي» في 2014 قد شهدت مشاورات من أجل تشكيل قائمة وطنية وغير حزبية لخوض الانتخابات.

وكشفت المعلومات التي حصل عليها «مدى مصر» أن المساعد الرئاسي الذي وجه الدعوة للمشاركين في اجتماع 3 فبراير/شباط 2015 هو الرائد «أحمد شعبان»، ضابط المخابرات الحربية الذي لعب الدور الأبرز في تشكيل قوائم المرشحين الموالين للنظام سواء على مقاعد القائمة أو المقاعد الفردية، والذي يعمل معاونا لصيقا للواء «عباس كامل» مدير مكتب «السيسي» في قصر الاتحادية الرئاسي.

ولا توجد الكثير من المعلومات المنشورة حول الضابط «شعبان»، ولكنه اسم معروف في الأوساط الحزبية والإعلامية بوصفه حلقة الاتصال مع رئاسة الجمهورية وخاصة مع اللواء «عباس كامل»، كاتم أسرار «السيسي» وأقرب المقربين إليه، وتقتصر الإشارات السابقة إلى اسم «شعبان» على عدد محدود للغاية من الأخبار والتقارير الصحفية وأعمدة الرأي.

عمل «شعبان» في السابق مديرا لمكتب المتحدث باسم القوات المسلحة، وفور انتخاب «السيسي» رئيسا للجمهورية في يوليو/تموز 2014 تم انتداب «شعبان» من وزارة الدفاع إلى مكتب الرئيس، بصحبة كل من اللواء «عباس كامل» والعقيد «أحمد علي»، الذي اختفى عن المشهد بعدها بوقت قصير ليصبح شعبان الرجل الثاني في الاتحادية والذراع اليمنى لـ«عباس كامل».

وأشار التقرير أن اللافت هو مخرجات اجتماع الثالث من فبراير/شباط، وأسماء بعض المدعوين إليه، بل وموعد المؤتمر الصحفي المخطط لليوم التالي، وهي معلومات تم تسريبها جميعا قبل ساعات من انعقاد الاجتماع إلى جريدة «اليوم السابع» المقربة للأجهزة الأمنية والتي نشرت الخبر على موقعها في  تحت عنوان «مفاجأة.. الإعلان عن قائمة وطنية لخوض الانتخابات غدا بدون الجنزوري».

وقبل بضعة أشهر من انعقاد الاجتماع، في منتصف 2014، أعلن «ياسر سليم» حصول شركته على كافة الحقوق التسويقية الحصرية لجريدة وموقع «اليوم السابع» داخل وخارج مصر بالشراكة مع شركة «بروموميديا».

وفي نهاية عام 2015، قامت شركة «سليم»، «بلاك أند وايت» بشراء كامل أسهم موقع «دوت مصر»، وكشف أحد ملاك أسهم الموقع لـ«مدى مصر» -شريطة عدم ذكر اسمه- أن الممولين الإماراتيين (وهم الملاك الفعليون للموقع) اتصلوا به وبكافة الشركاء الاسميين في أوراق الشركة وتم تكليفهم بنقل أسهمهم لـ«ياسر سليم» وشركائه بعد أن تقرر نقل ملكية الموقع وإداراته للمخابرات العامة المصرية مباشرة في ضوء تعثر الموقع مهنيا وماليا بعد الوفاة المفاجئة لمؤسسه «عبدالله كمال» في منتصف 2014.

وفي الشهر ذاته أعلن التلفزيون المصري توقيع تعاقد مع «بلاك أند وايت» لإنتاج برنامج «توك شو» يومي بعنوان «أنا مصر»، ومع انتشار الهمس ثم التصريح بالتساؤلات حول كون البرنامج الجديد -الذي انطلق في يناير/كانون الثاني من العام الجاري- من إنتاج جهة سيادية، اضطر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون «عصام الأمير» إلى التصريح للصحف بأن «الشركة الراعية ليس لها علاقة بأي جهات سيادية».

ولم يكن «ياسر سليم» هو الرابط الوحيد بين صحيفة «اليوم السابع» وبين المسئولين الأمنيين القائمين على تشكيل القائمة، ففي مطلع 2015 أيضا أعلنت الصحيفة انضمام الكاتب الصحفي (ابن الدولة) إلى قائمة كتابها بعمود يومي، وتبين أن الكاتب المجهول خلف الاسم المستعار هو ذاته الرائد «أحمد شعبان».

وفي صباح اليوم التالي لاجتماع المخابرات، انعقد المؤتمر الصحفي بالفعل للإعلان عن القائمة بفندق سونستا في 4 فبراير/شباط بحضور المشاركين في الاجتماع وأعلن فيه «سامح سيف اليزل» عن إطلاق القائمة.

ورغم تكليف «سليم» بأعمال التنسيق اليومي للقائمة، فإن دور الضابط «أحمد شعبان» لم يتوقف بالكامل، حيث كشف عن ذلك شاب من إحدى محافظات الوجه القبلي في مقابلة مع «مدى مصر»، ذكر فيها أنه كان أحد الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات على قائمة «حب مصر» كممثل عن إحدى التكتلات المشاركة فيها.

تلقى الشاب ذاته، وفقا لشهادته لـ«مدى مصر» اتصالا لاحقا من الرائد «شعبان» يطلب مقابلته بعد إعلان تأجيل الانتخابات في الشهر التالي في ضوء حكم القضاء بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات الخاصة بعدالة تقسيم الدوائر الانتخابية، ولم ينجح الشاب الصعيدي في النهاية في الحصول على مكان في التشكيل النهائي للقائمة.

وأوضح التقرير أن مصدر القلق الحقيقي للقائمين على القائمة كان حيال قائمتين منافستين بالتحديد أولاهما قائمة «تحالف الجبهة المصرية» بزعامة «أحمد شفيق» رئيس حزب «الحركة الوطنية»، وثانيهما «حزب النور»، فكلاهما نجح قبل إغلاق باب الترشح في التقدم بمرشحين على كافة مقاعد الدوائر الأربعة المخصصة للقوائم.

وفي ظل شعور القائمين على «حب مصر» بالتهديد الذي تمثله قائمتا «شفيق» و«السلفيين»، والصعوبات التي واجهتها الدولة في الانتهاء في وقت قصير للغاية من المفاوضات مع كافة الأحزاب والكتل التي قبلت الانضمام لقائمة «حب مصر» والاستقرار على الأسماء النهائية للمرشحين المائة والعشرين، فضلا عن المرشحين الاحتياطيين، وبما يراعي تمييز الفئات التي نص الدستور على تمثيلها في القوائم، وسط كل هذه التحديات جاء الحل في صورة حكم الدستورية العليا ببطلان بعض مواد قوانين الانتخابات في 1 مارس/آذار 2015، ليتنفس معاونو الرئيس الصعداء، ويعودوا إلى لوحة الرسم من جديد لإعادة ترتيب صفوفهم بعد أن تأجلت الانتخابات.

وومع إعادة فتح باب الترشح في سبتمبر/ايلول 2015، أعلن «حزب النور» طواعية الانسحاب من دائرتي الصعيد وشرق الدلتا، والاكتفاء بقائمتين بدلا من أربعة، منعا لاستفزازهم كما يقول القيادي.

كما أعلن الحزب تخفيض عدد مرشحيه على المقاعد الفردية، إلا أن القيادي يشير إلى أن الحزب أبقى فعليا على كافة مرشحيه الفرديين، مستغلا عدم إعلان أي من الأحزاب السياسية عن أعداد نهائية لمرشحيها على المقاعد الفردية.

وهكذا، فما بين فبراير/شباط وديسمبر/كانون الأول من عام 2015، كانت أجهزة الدولة ومعاونو «السيسي» قد تمكنوا من احتواء أغلب الأحزاب السياسية في تحالف «حب مصر»، وخرجت القوتان المنافستان بأقل من 12 مقعدا فرديا لكل منها، بينما قرر عدد آخر من الأحزاب والقوائم عدم خوض الانتخابات من الأصل، لكن الحاجة ظلت قائمة لتدعيم مقاعد القوائم بعدد غير قليل من المقاعد الفردية من أجل الاقتراب من الأغلبية البرلمانية المريحة، وهو الدور الذي تقرر أن يلعبه حزب «مستقبل وطن».

حزب شباب الرئيس

كشفت المقابلات التي أجراها «مدى مصر» مع عدد من الأعضاء السابقين والحالين في الحزب والمقربين من رئيسه ومؤسسه «محمد بدران» عن دور لجهاز المخابرات الحربية ومكتب رئيس الجمهورية يتجاوز مجرد دعم الحزب، بل يتضمن إنشائه وتمويله وتوجيهه بشكل مباشر منذ تأسيسه وحتى اليوم. 

وكتب «حازم عبدالعظيم» في شهادته عن الحزب «أحد مساعدي الرئيس في رئاسة الجمهورية قال لي بنفسه بالحرف حزب مستقبل وطن وكان في الأصل جبهة مستقبل وطن أسسته المخابرات الحربية ككيان شبابي لدعم الرئيس وده تبعنا».

وبعد شهر واحد من انتخاب «السيسي»، تقدم «بدران» بأوراق تأسيس حزب باسم «مستقبل وطن» في يوليو/تموز 2014، وحصل الحزب على موافقة لجنة الأحزاب السياسية بعدها بأقل من شهر.

إلا أن العام الأول لتأسيس الحزب لم يشهد الكثير من الظهور العلني اللافت لـ«بدران» أو لحزبه،حتى جاءت الإشارة الرسمية الأبرز لقرب الحزب من «السيسي» في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس في أغسطس/آب 2015، عندما ظهر «بدران» واقفا بجوار «السيسي» على مركب المحروسة أثناء افتتاح القناة.

كان هذا الظهور أول إعلان رسمي مبطن برعاية الدولة للحزب وقرب رئيسه من رئيس الجمهورية، وهو ما انعكس بقوة في رأي المراقبين واللاعبين السياسيين على قرار عدد من المرشحين لانتخابات مجلس النواب الانضمام للحزب والنزول باسمه في الانتخابات.

«بدران» و«السيسي»

إلى جانب الدعم والتمويل والتوجيه الرسمي للحزب، فإن أغلب المراقبين والمنافسين السياسيين اعتبروا أن النتيجة المبهرة التي حققها الحزب بحصوله على 53 مقعدا، متقدما على أحزاب كبيرة كـ«الوفد» و«النور» وغيرها، لم تكن لتتحقق إلا بفضل «أشرف رشاد»، الأمين العام للحزب، والذي أصبح لاحقا رئيس كتلته البرلمانية بمجلس النواب (لم يخض بدران الانتخابات لعدم بلوغه السن القانونية للترشح بعد)، ثم تولى حاليا منصب القائم بأعمال رئيس الحزب بعد السفر المفاجئ لـ«محمد بدران» واختفائه عن المشهد بدعوى استكمال دراسته الجامعية خارج البلاد.

كان «أشرف رشاد» أحد مؤسسي حملة «مستقبل وطن»، قبل أن يصبح أحد الأعضاء المؤسسين للحزب، ويدير المعركة الانتخابية الأولى لمرشحيه، وإلى جانب التمويل السخي والدعم الرسمي، فإن نجاح الحزب الانتخابي يرجع بالأساس لاختياره مرشحين قادرين على النجاح في دوائرهم، لاحتلالهم في السابق مناصب قيادية في «الحزب الوطني الديمقراطي» المنحل، أو انتمائهم لعائلات سياسية كبيرة، أو قدرتهم المالية على تمويل حملاتهم الانتخابية بكرم دون الحاجة لمساعدة. 

ومنذ توليه منصب القائم بأعمال رئيس الحزب، قاد «رشاد» حملة لإعادة هيكلة الحزب، وتغيير قيادات أماناته بالمحافظات، وهو ما اعتبره أعضاء سابقون بمثابة تطهير للحزب من القيادات الموالية لـ«بدران» وتولية قيادات جديدة ولاؤها الوحيد لـ«رشاد»، ما أدى إلى عدد من الاستقالات الجماعية بأمانات المحافظات قال أصحابها إنها احتجاجا على تنصيب أعضاء بارزين سابقين في «الحزب الوطني» على رأس أمانات أغلب المحافظات، باستثناء أمانات الصعيد التي كان ولاؤها لـ«رشاد» من الأصل.

ونفى «رشاد» في حواره مع «مدى مصر» وجود علاقة خاصة بين الحزب وبين الرائد «أحمد شعبان»، قائلا: «أعرفه طبعا بصفة شخصية وهو شخصية محترمة لكن كل علاقتنا به هو وجوده في اللقاءات التي تجمعنا بالرئيس مثل إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي»، ولكن المفاجأة هي أن «رشاد» أنه لم ينكر العلاقة الوثيقة لحزبه بجهاز المخابرات الحربية

ومع مطلع عام 2015 كانت المهمة الموكلة إلى المحيطين بالرئيس قد أصبحت واضحة، ولم يعد من الممكن الاستمرار في تأجيل عودة البرلمان منذ تم حله في منتصف 2012.

وبينما نجح النظام الجديد في تغيير ترتيب خارطة الطريق المعلنة في يوليو/تموز 2013 ليتم انتخاب «السيسي» رئيسا للبلاد قبل انتخاب برلمان جديد، فإنه أخفق في تضمين دستور 2014 ما يكفي من الحصانات التي تبقي على تركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية وتنتج مجلسا تشريعيا منزوع الأنياب.

وهكذا أصبح من الضروري بعد مرور أكثر من عام على انتخاب رئيس الجمهورية أن تجرى انتخابات تشريعية هي الأولى خلال أربعة أعوام تغيرت خلالها الخريطة السياسية للبلاد بشكل جذري، بشرط ضمان أن تنتج هذه الانتخابات مجلسا لا يشكل أي تحدٍ أمام سيطرة مكتب الرئيس على المجال السياسي بإحكام.

كانت الخطوة الأولى في تنفيذ هذه المهمة هي صياغة قانون انتخابي يضمن عناصر ثلاثة: هيمنة للمرشحين الفرديين على حساب القوائم الحزبية ليكون برلمانا أقل تسييسا من سابقه؛ ونسبة مخصصة لقوائم مغلقة تحصل في حالة فوزها على كافة المقاعد بصرف النظر عن نسبة الأصوات التي حصلت عليها القوائم المنافسة، على عكس نظام القوائم النسبية المعتمد في برلمان 2012 والذي ضمن لكل قائمة عددا من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها؛ وأخيرا أن تشكل المقاعد المخصصة للقائمة كتلة مضمونة من النواب المؤيدين للرئيس يمكن لها، بعد إضافة مقاعد المرشحين الفرديين الموالين للرئيس، أن تنتج أغلبية مريحة من ثلثي أصوات النواب أو أكثر، مع منع غيرها من الحصول على كتلة ثلث الأصوات المعطل للقرارات الحاسمة.

وتضمن دستور 2014 طائفة جديدة من الإجراءات التي لا يمكن لرئيس الجمهورية أو حتى لمجلس النواب الإقدام عليها بدون موافقة ثلثي أعضائه، من بينها إسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس، وتمديد حالة الطوارئ، والموافقة على تعديل أي من مواد الدستور قبل طرح التعديل للاستفتاء الشعبي، وإقرار القوانين المكملة للدستور، والتي حدد النص الدستوري أنها تشمل قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وقوانين الأحزاب السياسية والسلطة القضائية وكافة القوانين المنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور.

كما منح الدستور ثلثي أعضاء مجلس النواب سلطة إقرار القوانين التي يعترض عليها رئيس الجمهورية، وإعفاء رئيس المجلس أو وكيليه من مناصبهم، واتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو الخيانة العظمى أو أية جناية أخرى وتقديمه للمحاكمة، فضلا عن سلطة اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات مبكرة وطرح هذا الاقتراح للاستفتاء.

ولم يكن من الممكن المغامرة بظهور برلمان خارج السيطرة يملك تلك الصلاحيات المحورية، فكان دخول جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية إلى الملعب السياسي المحلي بهذه القوة والوضوح مصدرا للتوتر الداخلي بين المكونات الأمنية لإدارة «السيسي».

فمع تولي المخابرات العامة مسؤولية تشكيل ودعم قائمة «في حب مصر» وتولي المخابرات الحربية دور تأسيس ودعم حزب «مستقبل وطن»، ترك ذلك شعورا بالاستبعاد، وربما الضيق، لدى قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهو الضلع الثالث في مثلث أجهزة الأمن السياسي في البلاد.

كان جهاز أمن الدولة (قبل تغيير اسمه إلى قطاع الأمن الوطني) قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، هو المسؤول الأساسي عن هندسة المشهد السياسي والبرلماني والتواصل مع الأحزاب والنواب بالعصا والجزرة حسب الاحتياج.

وفي المقابلات التي أجراها «مدى مصر» مع لاعبين سياسيين كثر تواترت الإشارات إلى شعور قيادات الأمن الوطني بأن الاضطراب الذي تشهده الساحة السياسية والبرلمانية حاليا يرجع إلى تهميش دورهم واستبدالهم بمسؤولين أمنيين من أجهزة أخرى لا يملكون أي خبرة سابقة في إدارة الانتخابات أو توجيه البرلمانات.

وبحسب التقرير، فعلى الرغم من النجاح الظاهري الذي حققه اللاعبون الأمنيون الجدد بفضل جهودهم الحثيثة والمنسقة، بدءا من حصول قائمة «حب مصر» على كافة مقاعد القوائم، ومرورا بتحولها إلى «ائتلاف دعم مصر» داخل المجلس بعد ضم أغلب الأحزاب والمستقلين الموالين، وانتهاء بانتزاع مقعد رئيس المجلس للدكتور «علي عبدالعال» مرشح «حب مصر» عن دائرة الصعيد وأستاذ القانون الذي نال المنصب بعد توليه صياغة قوانين النظم الانتخابية منذ 2014، فإن مسئولي الرئاسة والأجهزة السيادية انتهى بهم الأمر إلى نيل عقاب لم يتوقعوه، حيث حصل النظام على أكثرية دون أغلبية، وأصبحت وسائل الإعلام تحفل كل يوم بأخبار تستعرض فشل قيادات الدولة والبرلمان والأجهزة في السيطرة على مئات النواب الذين تم اختيارهم بعناية على أساس وحيد هو الولاء للنظام الحالي دون أن يجمعهم أي شعور بالتقارب الأيديولوجي أو الالتزام الحزبي أو حتى المصلحة المشتركة.

وذكر بعض أعضاء المجلس الحالي لـ«مدى مصر»- بشرط عدم ذكر أسمائهم- أن صراعات النفوذ بين الأجهزة الأمنية الثلاثة ليست بعيدة عن هذا الأداء المخيب لآمال النظام حتى الآن، موضحين أن أحد النواب قال إن أعضاء المجلس أصبحوا ينتظرون مداخلات النائب «عبدالرحيم علي» ليعرفوا توجهات قطاع الأمن الوطني، وهي التوجهات التي تأتي عادة في مواجهة مداخلات «سامح سيف اليزل» و«أسامة هيكل» المعبرة عن رأي المخابرات العامة، بحسب النائب، الذي يشير إلى أن هذا التوتر تعبر عنه أيضاً المواجهات الإعلامية بين جريدة «البوابة» لصاحبها «عبدالرحيم علي» في مواجهة جريدة «اليوم السابع» وثيقة الصلة بجهازي المخابرات.

واختتم التقرير بأن هذه الصراعات المكتومة بين الأجهزة ينتظر أن تأخذ منحى جديدا في الأشهر القادمة، مع اقتراب موعد عقد انتخابات المجالس المحلية للمرة الأولى منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، والتي ستسفر عن انتخاب 55 ألف عضو في أنحاء الجمهورية، فبعض الأعضاء السابقين بحزب «مستقبل وطن» إنهم يجرى التواصل معهم حاليا للانضمام لكيان يدعى «جبهة شباب مصري» التي يدعمها «الأمن الوطني» لتصبح بديلا عن حزب «مستقبل وطن» الخاضع لسيطرة المخابرات الحربية وتحصل على نسبة كبيرة من مقاعد المحليات يتمكن من خلالها الأمن الوطني من استعادة بعض نفوذه في الحياة السياسية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر مجلس النواب المخابرات المصرية البرلمان السيسي مستقبل وطن تمرد في حب مصر

البرلمان المصري يرفض بأغلبية أعضائه استحداث لجنة لمكافحة الفساد

البرلمان المصري يبحث مشروع قانون يحظر النقاب

بعد حذاء «عكاشة».. سرقة «تابلت» نائبة مصرية تحت قبة البرلمان

البرلمان المصري يوافق على إسقاط عضوية «عكاشة» عقب لقائه بسفير (إسرائيل)

السيسي «يخشى» الدستور والبرلمان

لأول مرة.. نائبة مسيحية وكيلة للجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري