هل حان وقت اقتراض مصر من صندوق النقد الدولي؟

الاثنين 14 مارس 2016 04:03 ص

إيهاب فاروق | القاهرة- أثارت زيارة وفد من صندوق النقد الدولي لمصر الأسبوع الماضي علامات استفهام عن سببها وتوقيتها، بل ودفعت بعض الخبراء والاقتصاديين للتساؤل: هل حان الوقت للاقتراض من الصندوق في ظل أزمة العملة الصعبة التي تحكم الخناق على البلاد والتي عكف البنك المركزي في الآونة الأخيرة على اتخاذ خطوات لتخطيها؟

أبلغت مصادر مصرفية رفيعة المستوي رويترز من بينهم مصدر يعمل بالبنك المركزي أن وفدا من صندوق النقد يضم مجموعة من الاقتصاديين زار المركزي المصري خلال الأسبوع الماضي للمساعدة في رسم سياسة سعر الصرف والإجراءات النقدية.

ورغم جو التكتم والسرية الذي أحاط بزيارة وفد الصندوق لمصر وامتناع البنك المركزي عن التعليق، قال أحد وزراء المجموعة الاقتصادية لرويترز: «زيارة وفد صندوق النقد لمصر كانت زيارة روتينية».

وفي أحدث خطوة اتخذها المركزي المصري لتجاوز أزمة العملة خفض البنك سعر الجنيه 14.5 بالمئة مقابل الدولار في أول تخفيض رسمي في عهد المحافظ الجديد طارق عامر عقب وصوله مساء الاحد مع محافظ المركزي الأسبق فاروق العقدة من لندن بعد أن التقيا عددا من صناديق الاستثمار الأجنبية.

وباع المركزي 198.1 مليون دولار يوم الإثنين في عطاء استثنائي لتغطية واردات سلع استراتيجية أساسية بسعر 8.85 جنيه للبنوك مقارنة مع 7.73 جنيه في العطاء الدوري السابق يوم الأحد، ويباع الدولار بسعر 8.95 جنيه رسميا في البنوك بعد العطاء الاستثنائي يوم الاثنين.

وتكافح مصر شديدة الاعتماد على الواردات لإنعاش اقتصادها منذ انتفاضة 2011 التي أعقبتها قلاقل أدت إلى عزوف المستثمرين الأجانب والسياح المصدرين الرئيسيين للعملة الصعبة بجانب انخفاض إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

كانت مصر سعت بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك إلى الاقتراض من صندوق النقد وكانت على وشك إبرام اتفاق إبان حكم المجلس العسكري بقيمة 3.2 مليار دولار.

لكن ذلك الاتفاق لم ير النور نظرا لانتقال الحكم في منتصف 2012 إلى الرئيس «محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين الذي سعت حكومته لاحقا لاقتراض 4.5 مليار دولار من صندوق النقد، وإن كان ذلك الاتفاق لم يكتمل أيضا بسبب عزل مرسي في منتصف 2013.

وقال «حسين شكري» رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار اتش.سي: «لا مفر من الاقتراض من صندوق النقد. كنا نعتمد سابقا على المساعدات الخليجية ولكن بعد توقفها لم يعد لدينا إلا الاتجاه للصندوق رغم أن ذلك قد يلزمنا ببرنامج إصلاح اقتصادي نحن نحتاج إليه بالفعل».

ويرى «هاني جنينة» من بلتون المالية أن الميزة الأساسية لقرض صندوق النقد الدولي هي الاشتراطات لأنها تكون بديلا عن ضعف الثقة.

وقال: «عادة ما تكون الدول التي تطلب قروضا من صندوق النقد الدولي هي تلك التي لم تعد تستطيع اللجوء لأسواق المال العالمية نتيجة تطبيق سياسات مالية ونقدية غير ملائمة وتعاني من ضعف ثقة المستثمرين».

وجاءت زيارة وفد الصندوق لمصر في وقت تسارعت فيه وتيرة تحركات لمواجهة أزمة العملة الصعبة.

فقد أخذ البنك المركزي خلال الأسبوع الماضي سلسلة إجراءات لتحرير حركة التدفقات الدولارية من وإلى البنوك حيث ألغى سقف الإيداع والسحب المصرفي بالعملة الصعبة لمستوردي السلع الأساسية والأفراد كما أطلق شهادات ادخار بالعملة الأجنبية ذات عوائد مرتفعة بل ولجأ للتدخل الشفهي لكبح سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق الحرة عند 9.25 جنيه للدولار.

وآتت تحركات المركزي أكلها سريعا إذ هبط الدولار بشدة في السوق السوداء ليصل يوم الاثنين إلى 9.20 جنيه قبل إعلان المركزي خفض قيمة العملة المصرية مقارنة مع 9.60 جنيه الخميس الماضي.

كما أخذ محافظ المركزي «طارق عامر» عددا من التدابير لتوفير الدولار والحفاظ عليه ومن بينها تقييد الاستيراد العشوائي تقييد عمليات السحب من بطاقات الائتمان بالدولار والتحويلات عبر ويسترن يونيون.

وطرحت مصر شهادات ادخارية دولارية وباليورو للمصريين في الخارج بجانب رفع العائد على شهادات الاستثمار بالدولار داخل مصر في محاولة لجذب أي عملات أجنبية وسط الشح الشديد الذي تعانيه في المعروض من العملة الخضراء.

وعقب إعلان المركزي خفض قيمة الجنيه يوم الاثنين قال «هشام عكاشة» رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري أكبر بنك حكومي في البلاد إن مصرفه وبنك مصر طرحا شهادات استثمار الإثنين، للأفراد الطبيعيين بعائد 15 بالمئة مقابل التنازل عن أي عملة عربية أو أجنبية.

وأضاف «عكاشة» في اتصال هاتفي مع رويترز يوم الاثنين: «الشهادات لأجل ثلاث سنوات بعائد يصرف كل ثلاثة اشهر. طرح الشهادات يبدأ من اليوم ولمدة 60 يوما.

وقال مسؤول مصرفي رفيع المستوى لرويترز طالبا عدم الكشف عن اسمه: «هذا هو الوقت المناسب للاقتراض من صندوق النقد لاحتياجنا لمنحه لنا شهادة ثقة في أداء الاقتصاد المصري من حيث سلامة الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية التي تعكف عليها مصر إلى جانب التدفقات النقدية التي سيتيحها القرض نفسه والتي ستضاف إلى أرصدة الاحتياطي من النقد الأجنبي لمصر».

وأضاف قائلا: «الشروط التي عادة ما يطلبها الصندوق تتمثل فى تحرير سعر صرف العملة المحلية وإصلاح منظومة الدعم وإصلاحات هيكلية فى عجز الموازنة العامة للدولة ومنظومة الأجور وأن تلك الإجراءات سوف تسهم فى جذب تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر».

وتعرض الجنيه المصري لضغوط مع تناقص الاحتياطيات لكن البنك المركزي كان مترددا في السابق في خفض قيمته تخوفا من تأجيج التضخم الذي يقع بالفعل في خانة العشرات.

وقال «محسن عادل» عضو مجلس إدارة البورصة المصرية أن الطبيعي أن تكون هناك شروط أو قواعد عند الحصول على قرض من الصندوق. التوقيت الحالي يستلزم اتخاذ بعض الإجراءات قبل اللجوء للحصول على تمويل من مؤسسات مثل الصندوق من ضمنها اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي متوافق عليه شعبيا واقتصاديا من الحكومة المصرية.

ولم تعرض الحكومة المصرية برنامجها على مجلس النواب حتى الآن رغم انعقاده منذ يناير كانون الثاني.

وقال مسؤول مالي حكومي رفيع المستوى لرويترز مشترطا عدم نشر اسمه إن «المركزي استنفد معظم أدواته المالية في التصدي لأزمة الدولار ولم يتبق له سوى تحرير سعر الصرف بالكامل أو اللجوء لقرض الصندوق خاصة وأن قدرة الدولة على الاستدانة من أسواق المال العالمية سيئة للغاية بعد 2011 .

وجاء التدهور في سعر العملة المحلية في مصر رغم دخول إجمالي 1.4 مليار دولار خزينة البنك المركزي المصري في صورة قرضين من الصين والبنك الأفريقي للتنمية منذ بداية العام.

واتفقت مصر على قرض بمليار دولار من البنك الدولي لكنها لم تحصل عليه حتى الآن ولم تعلن الحكومة أسباب عدم الحصول عليه رغم تأكيدها سابقا أنها كانت ستحصل عليه قبل نهاية 2015.

وتأتي هذه الاتفاقيات على الاقتراض بعد أن حصلت مصر خلال فترة العامين ونصف العام الماضية على مليارات الدولارات من السعودية والإمارات والكويت في شكل مساعدات ومنح بعد أن عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو تموز 2013.

ويترأس محافظ البنك المركزى المصرى وفد مصر أمام اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين والتي ستنعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن خلال الفترة من 15 إلى 17 أبريل نيسان المقبل.

وقال «إيهاب رشاد» الرئيس التنفيذي لمباشر العالمية المتخصصة في أسواق المال: «صندوق النقد لا يمنح قروضا إلا إذا كان هناك برنامج اقتصادي واضح. مصر في حاجة إلي شهادة عالمية تفتح لها الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. لا تنس أن الاحتياطي النقدي في طريقه للتلاشي إذا لجأ محافظ المركزي لاستخدامه».

وتهاوت الاحتياطيات من 36 مليار دولار في 2011 إلى 16.5 مليار دولار في فبراير شباط ويعاني البلد من أزمة عملة أدت إلى نضوب السيولة الدولارية في القطاع المصرفي.

لكن المركزي توقع يوم الإثنين في بيان صحفي وصول الاحتياطي النقدي إلى 25 مليار دولار بنهاية العام الحالي.

وقال «جنينة»: «نحن نرى أن البنك المركزي المصري شرع في عملية تحرير سعر الصرف منذ أوائل 2016 ومضي في هذا السبيل خلال الأسبوع الأخير واليوم... في الوقت الحالي قد تشير مقاييس المخاطر في مصر - مثل ارتفاع هوامش عقود التأمين على الديون - إلى أن الوقت قد حان للحصول على قرض من صندوق النقد لضمان تمويل أرخص بالعملة الصعبة.

المصدر | إيهاب فاروق | رويترز

  كلمات مفتاحية

مصر صندوق النقد الدولي أزمة العملة الصعبة البنك المركزي المصري سياسة سعر الصرف الإجراءات النقدية خفض سعر الجنيه طارق عامر فاروق العقدة

«المركزي السعودي»: مستمرون في ربط الريال بالدولار

المستوردون في مصر يتحايلون لمواصلة نشاطهم وسط أزمة نقص الدولار

أزمة الدولار تدفع مصر لكبح الواردات

«المركزي المصري» يطرح 500 مليون دولار للبنوك لاستيراد سلع أساسية

صندوق النقد الدولي يدعو مصر إلى رفع الدعم عن الطاقة وتخفيض قيمة الجنيه

مصر تطلب قرضاً جديداً من صندوق النقد بـ7.11 مليار دولار

هل تنجح أموال «صندوق النقد» في إصلاح الاقتصاد أم تلقى «مصر» مصير «اليونان»؟

مصر تتلقى مليار دولار كشريحة أولى من قرض البنك الدولي