التحالف الخليجي التركي: هل يصمد في بيئة إقليمية مضطربة؟

السبت 30 أبريل 2016 05:04 ص

غالبا ما يكون الحديث حول العلاقات الخليجية التركية مثيرا للارتباك. بخلاف التأرجح التاريخي الذي ميز مسار العلاقات صعودا وهبوطا، فإن انتقام الجغرافيا ربما يكون قد وضع كلا المعسكرين في موقع يجعل من الصعب تجاهل المنافسة الجيوسياسية بينهما. قامت الدولة السعودية الأولى، البداية الأولى لنشأة الدولة السعودية الحديثة، على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. وقد اشتبك الملك المؤسس «عبد العزيز بن سعود» مع العثمانيين في معارك متتالية خلال محاولاته للسيطرة على الحجاز، ووفقا لمؤرخين فإن تحالف السعوديين والوهابيين الشهير (المعروف تاريخيا بتحالف الدرعية) والذي تأسست عنه الدولة السعودية الأولى كان يهدف بالأساس إلى منح الدولة الناشئة شرعية دينية مستقلة عن الخليفة العثماني في إسطنبول.

في نهاية المطاف فقد اعترفت الدولة التركية الحديثة مرغبة باستقلال الجمهوريات التي قامت على أنقاض الخلافة العثمانية. لذا فقد سيطر الركود على مسار العلاقات التركية الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، على مدار القرن العشرين، حيث لم يقم أي أي ملك سعودي بزيارة المملكة خلال هذه الفترة سوى زيارة عابرة للملك «فيصل» لحضور مؤتمر دولي في الستينيات. وقد شهدت العلاقات انفراجا نسبيا في منتصف الثمانينات لأسباب اقتصادية في المقام الأول، حيث زار رئيس الوزراء التركي «تورغوت أوزال» الرياض عام 1884 ثم عام 1985، بينما زار ولي العهد السعودي آنذاك، الملك «عبد الله»، تركيا عام 1984.

ساهمت حرب الخليج الأولى في زيادة مفاجئة في حجم الثقة السياسية والاقتصادية بين تركيا ودول الخليج وقام الرئيس التركي «سليمان ديميريل» بزيارة العديد من دول الخليج موقعا عقودا تجارية واتفاقات سياسية في منتصف التسعينيات. ولكن العلاقات قد تراجعت من جديد مع حرب الخليج الثانية التي شهدها تراجع في الاستثمارات التركية في الخليج.

في فهم منحنى العلاقات

يمكن تصنيف كل من دول الخليج وتركيا ضمن القوى الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة. تركيا هي دول عضو في حلف الشمال الأطلسي، في حين يعود تاريخ العلاقات الأمريكية الخليجية إلى منتصف الأربعينيات. كانت العلاقات مع الولايات المتحدة جزءا لا يتجزأ من عقيدة الأمن القومي لدى كلا الطرفين، ولكن مع رصيد تاريخي معقد فقد كانت العلاقات بين الطرفين غالبا ما تتسم بالجمود. غالبا ما يتم توطيد العلاقات التركية الخليجية في مواسم توتر علاقات الطرفين مع الغرب. بدأت العلاقات تتخذ إطارا رسميا بين تركيا والسعودية على سبيل المثال في عام 2003 مع إنشاء مجلس الأعمال التركي السعودي، في وقت كان العلاقات الأمريكية السعودية تشهد فيه جفاء بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وفي وقت كانت أوروبا خلاله تتحسس بحذر النظام الجديد الناشئ في تركيا.

يمكننا إذا أن نقرأ التقارب الخليجي (السعودي على وجه الخصوص) مع تركيا في ضوء سعي كلا الطرفين إلى ممارسة النفوذ بعيدا عن الفلك الغربي وفي ظل حالة الخذلان التي يشعر بها الطرفان تجاه الغرب. على الجانب الخليجي، تشعر المملكة العربية السعودية بحالة من الخذلان من قبل الحليف التاريخي، الولايات المتحدة، بعد قيامها بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وفي أعقاب التصريحات الأخيرة المنتقدة للمملكة والتي صدرت عن كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم الرئيس «أوباما»، وفي ظل مستقبل ضبابي ينتظر العلاقات مع الساكن القادم للبيت الأبيض. على الجانب التركي، تتعرض تركيا لانتقادات غربية متزايدة تمس النظام السياسي وفي مقدمته الرئيس التركي، في حين أن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تبدو مجمدة فعليا منذ بضعة سنوات. وتشهد العلاقات الأمريكية التركية توترا بسبب اختلاف مواقف البلدين بشأن سوريا وبخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية.

تجاوز المعضلات

ما قبل الربيع العربي، غالبا ما كانت فرص التقارب الخليجي التركي تتجلي في مظاهر اقتصادية في المقام الأول. ساهم الربيع العربي في تعميق الفجوة السياسية التركية الخليجية وقد مثلت العلاقات التركية القطرية استثناءا أوحد في هذا الصدد حيث راهنت كل من البلدين على موجات التغيير الجذري التي بدأت من سيدي أبوزيد في تونس في ديسمبر/كانون الأول من عام 2010.

قادت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الموجة المناهضة للربيع العربي وازدادت الفجوة التركية الخليجية. وبلغت هذه الفجوة حدها الأقصى مع الإطاحة بالرئيس المصري المعزول «محمد مرسي» في يوليو/تموز 2013 في انقلاب عسكري وقفت منه دول الخليج وتركيا على طرفي نقيض. ومع توقيع الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وتصاعد الخلافات ين إيران وتركيا بشأن الملف السوري، وتغير القيادة في السعودية فقد كانت الفرصة مهيأ لتقارب خليجي تركي على أساس جيوسياسي. بدأت بوادر التحالف السعودي التركي تظهر إلى العلن مع الحرب السعودية في اليمن التي سارعت أنقرة إلى تأييدها بالتزامن مع توجيه انتقادات لاذعة إلى طهران. وقد ظهر أن هناك تقارب واضح بين تركيا والرياض على وجه الخصوص بخصوص الموقف من الأزمة السورية وبالأخص بعد توتر علاقات تركيا مع روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تبقى المعضلة الأكبر في التحالف الخليجي التركي هي العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة التي شهدت توترا متزايدا إثر الخلاف بشأن مصر. ولكن الضغوط السعودية قد دفعت نحو تجاوز نسبي لهذا الجمود مؤخرا ، وتجسد ذلك في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» إلى أبو ظبي، والتي التقي خلالها رئيس الوزراء «محمد بن راشد آل مكتوم» إضافة إلى ولي عهد أبو ظبي «محمد بن زايد آل نهيان». وقد أعلنت الإمارات العربية المتحدة عقب الزيارة أنها سوف تعيد سفيرها الذي سحبته قبل سنوات إلى أنقرة، وأوضح «جاويش أوغلو» أن السفير الإماراتي سيعاود عمله مجدداً بالعاصمة أنقرة، في 7 مايو/أيار المقبل.

يأتي هذا التوجه منسجما مع الحديث عن ضغوط سعودية على كل من أنقرة والقاهرة من أجل تطبيع العلاقات بينهما وهي الجهود التي لم تؤت أكلها بشكل واضح إلى الآن على ما يبدو. تتمتع علاقات أنقرة مع الدوحة باستقرار كبير حيث تقف البلدان نفس الموقف من القضايا الإقليمية منذ الربيع العربي. بينما تتمتع العلاقات التركية الكويتية بمستوى مقبول من الاستقرار والتعاون. وفيما يتعلق بالبحرين فقد سبق أن أشاد أمير البلاد مطلع العام الحالي بالعلاقات المميزة التي تجمع بين بلاده وبين أنقرة. وتشمل العلاقات بين البلدين التعاون المشترك في مجالات متعددة على رأسها المجال العسكري حيث يأتي التعاون بين البلدين ضمن إطار للجنة العسكرية البحرينية التركية المشتركة. كما ارتفع حجم التعاون التجاري بين البلدين 9 أضعاف خلال الأعوام الـ13 الأخيرة وصولا إلى 330 مليون دولار.

ظروف مهيأة

تبدو الظروف مواتية لإقامة علاقات قوية بين أنقرة ودول الخليج على أساس التقارب الجيوسياسي. تأتي هذه العلاقات في المقام الأول مدفوعة برغبة سعودية في تشكيل تحالف إقليمي مستقر في مواجهة النفوذ الإيراني من ناحية، ولسد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في استراتيجية الأمن القومي للبلاد. يمكن تفسير جهود الرياض الحثيثة في إحداث تقارب بين أنقرة ومصر في هذا الصدد أيضا.

ولكن مدى فاعلية هذا التحالف في الاضطلاع بمهامه المنشودة تبقى موضع تساؤلات كبرى. في سوريا يبدو التحالف السعودي التركي محصور بين خيارات أفضلها سيء على الأغلب في ظل استمرار تمدد النظام بغطاء من الطيران الروسي، وبتواطؤ أمريكي نحو الحدود التركية مع حلب وإدلب. كما أن القضايا موضوع الخلاف في هذا التحالف، وإن كان يجري تجاوزها بتأثير الضغوط الإقليمي إلا أنه لم يجر التوصل بعد إلى صيغة لحمسها لذا فإنها تظل معرضة للانفجار في أي وقت. على كل، سوف يبقى التحالف الخليجي التركي موضعا للتأويلات خلال الأشهر القليلة الماضية، في الوقت الذي ستبقى فيه المنجزات الناجمة عنه موضع تشكيك مستمر حتى إشعار آخر.

  كلمات مفتاحية

السعودية قطر الإمارات تركيا العلاقات الخليجية التركية العلاقات السعودية التركية الرياض التحالف

مستشارة روسية: التقارب السعودي التركي يقلق موسكو

البنية الجيوسياسية للقرار السعودي التركي

التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا في وجه التحديات

«الجبير»: مجلس التعاون الإستراتيجي مع تركيا يشمل تنسيقا عسكريا وأمنيا واقتصاديا

العلاقات السعودية التركية.. تقارب استثنائي متصاعد بتشجيع من الملك «سلمان» و«أردوغان»

هل بدأ موسم التقارب الإماراتي التركي؟

هل تضطر تركيا إلى الاختيار بين جماعة الإخوان وحلفائها الإقليميين؟

تركيا التي يظلمها الغرب

البحرين تستضيف المنتدى الخليجي التركي الثاني في نوفمبر المقبل