«فاينانشيال تايمز»: اكتتاب «أرامكو» إصلاح لاقتصاد أحادي المسار.. وقد يفتح «صندوقها الأسود»

السبت 21 مايو 2016 09:05 ص

قالت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، في تقرير لها، إن الاكتتاب الذي تعتزم السعودية طرحه على 5% من أصول شركة «أرامكو»، أكبر منتج للنفط في المملكة، هو جزء من خطة إصلاح لاقتصادها أحادي المسار؛ أي القائم على عوائد النفط بصورة رئيسية.

 وأضافت أن هذا الاكتتاب قد يفتح «الصنودق الأسود» لشركة أرامكو؛ حسيث سيكشف الكثير من بيانات الشركة التي لا  تزال سرية، معتبرا أن هناك الكثير من التعقيدات تواجه المستثمرين المحتملين في الشركة التي وصفتها بانها «دولة داخل دولة».

المقر الرئيس لشركة «أرامكو السعودية» لا يبعُد أكثر من ميل عن المكان الذي اكتشف فيه الجيولوجيون الأمريكيون رواسب النفط الخام الأولى في شبه الجزيرة العربية في عام 1938؛ الأمر الذي غيَّر وجه أسواق الطاقة.

اليوم، هناك مجمّع سكني هائل يمتد من مكاتب شركة أرامكو السعودية في مدينة الظهران، شرقي المملكة، ويضم منازل على غرار ضواحي المدن الأمريكية في الخمسينيات، جنباً إلى جنب مع المدارس والمستشفيات وملعب جولف وقوة أمن خاصة به، حتى شركة طيران، كل هذا يُذكر بدور الشركة الفريد كـ«دولة داخل دولة».

توظّف شركة أرامكو 65 ألف شخص، وكانت تتمتع دائما بدرجة عالية من الاستقلال عن العائلة الحاكمة في السعودية، لكن الآن يتم التدقيق (من قبيل المستثمرين المحتملين الراغبين في المنافسة في الاكتتاب) في العلاقات بين الحكومة والشركة التي تموّلها، على نحوٍ لم يحدث من قبل.

طبيعة علاقة «أرامكو» مع الحكومة، وبصفة خاصة مع ولي ولي العهد السعودي، «محمد بن سلمان، تُراقَب عن كثب بعد الإعلان الشهر الماضي عن خطة جذرية لتحويل السعودية عن «إدمانها» على النفط.

الكثير من هذه الخطة الاستثمارية، التي يُطلق عليها اسم «رؤية السعودية.. عام 2030»، يتمحور حول استخدام عائدات النفط من شركة أرامكو لتنويع الاقتصاد، وتعزيز القطاع الخاص، وتوفير فرص العمل لسكانها الذين أغلبيتهم الساحقة من الشباب؛ إذ أن ثُلثي عدد سكانها البالغ 28 مليون نسمة، هم تحت سن الـ30.

في الوقت الذي تستعد فيه الشركة لعملية اكتتاب عام أولي يقول مسؤولون إن ذلك يُمكن أن يمنحها قيمة تبلغ تريليوني دولار، إلا أن هناك عددا متزايدا من الأسئلة حول ما تعنيه هذه الخطة، والسياسات الناشطة الأخرى من الأمير «بن سلمان» بالنسبة للمستثمرين المحتملين.

يقول «جيم كرين»، وهو زميل في «معهد بيكر للسياسة العامة" في «جامعة رايس» بولاية تكساس الأمريكية: «هناك تكهّنات مختلفة للغاية حول إلى أي مدى ستكون عملية الاكتتاب العام الأولي ناجحة، لكنّ السعوديين ليس لديهم خيار سوى القيام بها بشكل صحيح. هناك حملة عاجلة لتنويع اقتصادهم الذي ينتهج مسارا أحاديا في الوقت الراهن».

السياسة النفطية

البعض يرى نشاط الأمير «بن سلمان» على أنه جزء من سياسة نفطية أوسع.

وأدى تدخل الأمير في الدقيقة الأخيرة إلى انهيار محادثات الدوحة، الشهر الماضي، حول تجميد إنتاج النفط؛ في محاولة لتعزيز الأسعار.

وبعد أسابيع، تم استبدال «علي النعيمي»، وزير النفط المُخضرم بوجه جديد كان في الأصل مثل «النعيمي» من رؤساء أرامكو؛ أي الوزير «خالد الفالح».

عملية الإدراج لجزء من أسهم أرامكو، المدفوعة جزئياً من شدة انخفاض أسعار النفط، يُمكن أن تحدث في وقت قريب ربما يكون العام المقبل، وذلك وفقاً للأمير«بن سلمان». وهي عملية أثارت شهية المصرفيين والمستثمرين والمحامين والمستشارين في العالم، ووضعت شركة الطاقة الكُبرى العالمية (أرامكو) تحت المجهر.

الموارد المالية في الرياض تعرّضت لإجهاد عنيف بسبب الانخفاض في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. الانخفاض من 115 دولارا للبرميل إلى 27 دولارا في يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق العنان لتخفيضات الميزانية وإصلاحات لدعم الطاقة من أجل كبح جماح العجز الذي بلغ 98 مليار دولار في نهاية عام 2015.

حتى مع وصول الأسعار الآن إلى سعر 50 دولارا للبرميل، فلن يكون هناك قدر يذكر من الراحة.

«رؤية 2030» هي تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وهذا التنويع سيدفع ثمنه صندوق سيادي بقيمة ما بين تريليوني دولار إلى ثلاثة تريليونات دولار، وستمول هذا الصندوق أصول شركة أرامكو والعائدات من أي عملية إدراج لأسهمها.

«أمين الناصر»، الرئيس التنفيذي للشركة، أخبر الصحفيين في الظهران، الأسبوع الماضي، بأن شركة «أرامكو السعودية موجودة في قلب هذه الرؤية».

رسالته رددت أصداء رسالة «خالد الفالح»، رئيس مجلس إدارة أرامكو.

إذ أخبر «الفالح» كبار التنفيذيين بعد فترة وجيزة من تعيينه وزيراً للنفط أنه لا بد للشركة من قيادة تحديث البلاد، وذلك وفقاً لشخص مُطّلع.

وعند سؤالهم عمّا إذا كانت عملية الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو هي ببساطة لضمان ضخ سيولة أولي من أجل صندوق الثروة السيادية الخاص بـ«رؤية 2030»، أصرّ التنفيذيون على أن شركة أرامكو ستكون بمثابة «قدوة» للخصخصة في المستقبل.

وهي بالأصل توسعت من كونها شركة إنتاج للنفط إلى شركة تكرير، وشركة تصنيع للمواد البتروكيماوية في محاولة للحصول على قيمة أكبر من كل برميل نفط.

دفعة لتوسيع نشاطات الشركة

تم تركيز مشاريع التوسّع الخاصة بشركة أرامكو في حقل الشيبة النفطي العملاق، الواقع بين الكثبان الرملية ذات اللون الأحمر بالقرب من الربع الخالي في المملكة، على مُضاعفة القدرة الإنتاجية إلى مليون برميل يومياً، فضلاً عن بناء مصنع لإنتاج المواد الأولية لأعمال البتروكيماويات التي تشهد نمواً في المملكة.

وهناك جهود تُبذَل أيضا في صناعات مثل الشحن والرعاية الصحية والبناء وتكنولوجيا المعلومات والنقل.

يقول «الناصر»: «سنقوم ببناء ناقلات النفط ومنصات الحفر، وسوف نبني الموانئ، وسوف نصنع المحركات»، حيث كان يعطي مثالا عن المجمّع البحري على ساحل الخليج في مدينة رأس الخير، شرقي السعودية، المُقرر أن يكون جاهزاً للعمل بحلول عام 2021.

يقول مراقبو الصناعة إن دخول مستثمرين من القطاع الخاص إلى أرامكو السعودية يُمكن أن يمنحهم السبق في أية عمليات طرح أخرى مستقبيلة، لكن بعض المستثمرين يرسمون صورة أكثر قتامة لاقتصاد البلاد.

إذ يسلّطون الضوء على حملات تنويع الاقتصاد السابقة الفاشلة، والانخفاض في الإيرادات النفطية، وارتفاع التكاليف الناتجة عن السياسات الاجتماعية في البلاد.

يقول أحد المصرفيين في مجال الطاقة: «شركة أرامكو بحاجة إلى التأكد أنها لن تُجهد نفسها. التوسع في أنشطتها يمكن أن تعني فقدان القدرة على التنافس. ينبغي عليهم التمسك بما يُجيدونه».

تتم إدارة الموارد الهيدروكربونية في السعودية من مركز التحكم في الظهران.

شاشات ممتدة من الأرض إلى السقف تُظهر حركة كل ذرة نفط من الحقول مثل الغوار، أكبر حقل نفطي على اليابسة في العالم، عبر خطوط الأنابيب، إلى المصافي وحتى الناقلات. كل هذا يجري تحت مراقبة الفنيين.

هنا، يتم عرض جيولوجيا السعودية وإدارة شركة أرامكو لأصول الطاقة فيها.

إن شركة أرامكو هي أكبر مُصدّر للنفط الخام في العالم، ومع أكثر من 260 مليار برميل، تملك أكبر احتياطات من النفط التقليدي والمكثّفات.

كما تملك أيضاً رابع أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي.

استثمار محفوف بالتعقيدات

شركة أرامكو تميز نفسها عن شركات النفط الوطنية الأخرى؛ حيث تقول إنها تبني حوكمتها على غرار شركة إكسون موبيل، ولديها سمعة بأنها تتمتع بالمهنية والبراعة التكنولوجية.

يُجادل أحد الدبلوماسيين الغربيين في الرياض بأنه إذا تمتعت أرامكو بدرجة أكبر من الرقابة والشفافية؛ فيمكن أن تكون أكثر جاذبية للمستمثرين.

ويقول: «الهدف من عملية الاكتتاب يتعلّق بفصل الحكومة عن شركة أرامكو بقدر ما يتعلّق بفصل شركة أرامكو عن الحكومة».

ومهما كان الاستثمار في أرامكو مُثيراً للاهتتمام، إلا أنه محفوف بالتعقيدات.

إذ أن القيمة الحقيقية للشركة غير معروفة.

يقول «الناصر» إن هناك فريق عمل ضخما من أرامكو يعمل على عملية الاكتتاب العام الأولي، التي يُمكن أن تكون الأكبر في التاريخ، والتي من شأنها طرح نحو 5 في المائة من أصول الشركة للاكتتاب.

ويجري النظر في خيارات الإدراج المُفردة أو المزدوجة.

يقول «الناصر»: «ما زلنا ننظر في مقدار ما ينبغي طرحه (من أسهم) وأين (سيتم طرح هذه الأسهم)؟ »، مضيفا: «وحدها أسواق الأسهم الكبرى، مثل نيويورك ولندن، يُمكن أن تتعامل مع حجمها الهائل» لشركة أرامكو.

هيكلة أية عملية اكتتاب تبقى غير واضحة.

قد يتم السعي من قِبل المستثمرين وراء حصة في الشركة الأم، التي تُسيطر على التنقيب وإنتاج الثروة النفطية في المملكة، والتي من شأنها أن تُحقق لهم أعلى قيمة.

يقول المحللون إن وجود شركة منفصلة داخل شركة قابضة تحتوي على أصول مُحددة (التي ستتطرح للاكتتاب) يُمكن، أيضاً، أن يكون خيارا مطروحا.

ويستند التقييم أيضاً على عوامل أخرى.

بيانات شركة أرامكو حتى تاريخه سرية؛ من الأرباح إلى تحويلات الحكومة، فضلاً عن معلومات عن الاحتياطات.

أي عملية اكتتاب عام أولي يُمكن أن تفتح «الصندوق الأسود» لأرامكو، على الرغم من أن بيع حصة أقلية ربما لا يمنح المستثمرين الكثير من النفوذ بقدر ما يملكون في شركات النفط الدولية الأخرى.

وفي حين أن الحكومة تمتنع تقليدياً عن المشاركة في شؤون الإدارة اليومية في شركة أرامكو، إلا أنها تُسيطر على سياسة الإنتاج. تحدث الأمير «بن سلمان» عن أعضاء مجلس إدارة مستقل وفصل شركة أرامكو عن الحكومة، لكن هذا سيواجه فترة طويلة لضمان نجاحه.

يقول «كرين»، عند سؤاله عما إذا كانت التزامات الشركة لهذه البلاد تشكل تهديداً لقدرتها على العمل لمصلحة المساهمين من القطاع الخاص: «أي أحد يريد المشاركة في عملية الاكتتاب العام الأولي هذه يعرف أن ذلك هو جزء من الصفقة».

وفي هذا الصدد، تقول «فاليري مارسيل»، خبيرة شركات النفط الوطنية في «معهد تشاثام هاوس»، المؤسسة الفكرية البريطانية، إن حقوق الريع وغيرها من المدفوعات إلى الحكومة يجب أن تؤخذ في الاعتبار لأي أرباح لكل برميل نفط وأية حسابات للتقييم.

وتُضيف أن الشركة تُسلّم ما يزيد على 90 في المائة من أرباحها إلى الدولة، التي يُمكن أن تزيد توزيع أرباح أسهمها حسب إرادتها.

  كلمات مفتاحية

السعودية أرامكو اكتتاب محمد بن سلمان

«أرامكو»: إطلاق مشروعات توسعية لزيادة إنتاج الغاز بقيمة 20 مليار ريال

أرامكو السعودية تعد خيارات الطرح الأولي وتخطط لتوسع عالمي

«أرامكو» السعودية تستعد للتوسع عالميا مع اقتراب الطرح الأولي

«أوبك»: خصخصة عملاق النفط السعودي «أرامكو» يشكل نقطة اقتصادية فارقة

«البترول» السعودية: بورصة نيويورك مناسبة لإدراج مزدوج لـ«أرامكو»

«أرامكو» السعودية: تكلفة إنتاجنا لبرميل النفط الأقل والأكثر فاعلية عالميا

«أرامكو» السعودية تخطط لزيادة إنتاج حقل شيبة النفطي إلى مليون برميل يوميا

«أرامكو السعودية»: اكتشفنا 5 حقول جديدة في 2015.. و«رؤية 2030» لا تقول للنفط لا

رئيس «مورجان ستانلي»: عملية «تحويل» مسار الاقتصاد السعودي «واعدة للغاية»

«المونيتور»: ربط السعودية بأحداث 11 سبتمبر قد يخفض قيمة أسهم «أرامكو»

إدراج أرامكو السعودية يغري البنوك بصفقات جديدة مربحة

«محمد بن سلمان» يبحث في نيويورك ملف اكتتاب «أرامكو»

السعودية: التغيير السياسي أمر «حتمي» لنجاح خطط التحول الاقتصادي

السماح للأجانب بالاكتتاب في السوق السعودية تمهيدا لطرح «أرامكو»

«بلومبيرغ»: «أرامكو» تستعد لاختيار مستشار طرحها للاكتتاب العام الأولي