الجنيه المصري ونظام السعرين

الثلاثاء 21 يونيو 2016 05:06 ص

ظل الجنيه المصري يتمتع بسعر صرف مستقر تقريباً لسنوات عدة خلال الفترة السابقة لثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011. وسبب الاستقرار عوامل داخلية وخارجية. وشملت العوامل الخارجية توسع النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات المصرية، وفي مقدمها السياحة وخدمات قناة السويس، واستمرار نشاط حركة انتقال رؤوس الأموال إلى الدول النامية.

وكانت مصر من بين الدول التي احتلت الصدارة في جذب الاستثمارات الأجنبية. ونالت العوامل الخارجية دعماً من عوامل داخلية تمثلت في الاستقرار الأمني والسياسي على رغم التذمر الشعبي آنذاك من انتشار الفساد بين الطبقة الحاكمة والموالية لها من القطاع الخاص.

ويعتبر الاستقرار الأمني والسياسي عاملان مفصليان في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الطلب على السياحة وهما المصدران الأكثر أهمية في رفد إيرادات مصر من العملة الأجنبية التي بلغت قبل 2011 ما يعادل 36 بليون دولار. وساعد الارتفاع المتواتر في حجم الاحتياطات الأجنبية في الحفاظ على السعر الرسمي للجنيه البالغ آنذاك 6.85 للدولار.

لكن الأمور تغيرت بعد 2011. وأدى عدم الاستقرار الذي صاحب نظام الرئيس محمد مرسي ونهاية عهده، إلى إعطاء صورة غير مواتية عن الوضع السياسي.

وعلى رغم التفاؤل الذي صاحب مجيء الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي كان مصحوباً بدعم شعبي كبير، إلا أن أحداثاً أمنية، خصوصاً في سيناء، خلقت نظرة غير ملائمة عن سلامة الوضع الأمني والسياسي في مصر، فهربت استثمارات بـ 20 بليون دولار. وتلقت السياحة ضربات بعد هجمات على أهداف سياحية.

وتأثرت السياحة والاستثمارات الأجنبية والطلب على الصادرات وإيرادات قناة السويس سلباً بتباطؤ الاقتصاد العالمي وأزمة اليورو وانكماش اقتصادات دول «بريكس» وانخفاض حجم التجارة العالمية وحركة رؤوس الأموال الأجنبية. وحاول المحافظ السابق للمصرف المركزي هشام رامز، الذي استلم منصبه في 2011، حماية سعر صرف الجنيه من الانخفاض إلى ما دون مستواه الرسمي من خلال التدخل في السوق وضخ عملات أجنبية.

لكن سياسة التدخل في السوق بهذه الطريقة أصبحت عقيمة، وتركتها الدول بعدما أصبحت سرعة انتقال الأموال بين الدولة والخارج سريعة إلى درجة يمكنها أن تمتص أحجاماً كبيرة من المبالغ التي تضخها المصارف المركزية من دون أن يساعد ذلك في دعم العملة لفترة طويلة. وبعد إعفائه من منصبه اعتبر أن خطأه الأكبر كان التفريط باحتياط العملات الأجنبية.

لا شك في أن اختلال التوازن بين عرض العملات الأجنبية والطلب عليها تسبب بخلق سوق موازية للجنيه أو سوق سوداء أصبحت مصدر إزعاج للمصرف المركزي.

ونفذ المحافظ الجديد، طارق عامر، منذ استلامه منصبه إجراءات متعددة لوقف التدهور في سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار في السوق الموازية ومنها تقليص حجم الواردات خصوصاً غير الضرورية، وهي خطوة ملائمة، وخفض سعر صرف الجنيه بنسبة 14.3 في المئة ليصبح 8.95 للدولار، ومعاقبة مكاتب صيرفة وإغلاق بعضها لتشجيع المضاربة، وضخ عملات أجنبية في السوق لدعم سعر الجنيه. لكن إجراءاته لم تستطع وقف التدهور في سعر الصرف الذي وصل إلى 11.5 - 11 جنيه للدولار حالياً.

لا شك في أن الموضوع ليس سهلاً وليست له حلول سريعة أو سحرية. ويتحقق الحل الفعلي عندما يعود توازن العرض والطلب في سوق النقد وهي حالة ذات طبيعة متوسطة إلى طويلة الأجل. وإلى ذلك الحين، يستطيع المصرف المركزي أن يتبنى، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سعرين لصرف الجنيه وهو ما يسمى بالأدبيات الاقتصادية «نظام أسعار الصرف المتعدد». السعر الأول يكون السعر الرسمي الحالي للجنيه والبالغ 8.95 ويستعمل للتحويلات الرسمية واستيراد السلع الأساسية.

أما السعر الثاني فيتحدد بقوى العرض والطلب ويستعمل للأغراض الأخرى كالسياحة والتصدير واستيراد السلع غير الأساسية. وبذلك يستطيع المصرف المركزي تحويل مدخولات مصر من العملات الأجنبية من السوق الموازية إلى الجهة الرسمية وهي الجهاز المصرفي ومكاتب الصرافة التابعة له، والقضاء على المضاربة في السوق الموازية والتصرفات الضارة بالاقتصاد من قبل متعاملين.

وسيؤدي السعر الثاني للعملة إلى تشجيع السياحة والصادرات السلعية وتدفق تحويلات العملات في الخارج. وبذلك يتجنب المصرف المركزي ضخ عملات أجنبية في السوق التي تبتلعها من دون أن تترك أثراً إيجابياً، كما يتجنب إحداث تخفيضات متكررة في سعر الصرف الرسمي. وعندما تبدأ العملة الأجنبية الداخلة إلى مصر بالتوجه إلى الجهاز المصرفي بدلاً من السوق الموازية، تبدأ احتياطيات النقد الأجنبي بالارتفاع تدريجاً.

يُذكَر أن تبني أكثر من سعر صرف لا يسمح به صندوق النقد إلا لفترة محددة، وفي حال إقناع مصر للصندوق بالموافقة، سيمنع ذلك الشركاء التجاريين لمصر من القيام بإجراءات انتقامية نتيجة التصدير بسعر صرف منخفض. أما التفكير بتعويم الجنيه فلا يُنصَح به حتى إذا ارتفع حجم الموجودات الأجنبية إلى سابق عهده، لأن التعويم يلائم الدول المتقدمة ذات الاحتياطات الكبيرة جداً والعملات المهمة في التعاملات الدولية.

* ذكاء مخلص الخالدي كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية. 

  كلمات مفتاحية

مصر الجنيه المصري سعر صرف الجنيه ثورة 25 يناير النمو الاقتصادي العالمي أزمة الدولار

ارتفاع الأسعار يلقي بظلاله على فرص التعافي الاقتصادي في مصر

ارتفاع عجز الموازنة المصرية إلى 30.7 مليار دولار خلال 10 أشهر

عجز الموازنة المصرية يسجل 25.1 مليار دولار في 8 أشهر

عجز الموازنة المصري يرتفع لـ167.8 مليار جنيه خلال 6 أشهر

ارتفاع معدل التضخم السنوي بمصر إلى 11.9% في ديسمبر

حماية سعر الصرف والضرورات الاقتصادية

الدولار يقفز إلى 11.30 جنيهًا مصريًا في السوق الموازية

مصر تغلق 48 شركة صرافة في محاولة لضبط سعر الدولار