«هارفارد بيزنس ريفيو»: المهمة الشاقة لإصلاح سوق العمل في السعودية

الخميس 7 يوليو 2016 04:07 ص

تقف المملكة العربية السعودية في منتصف تحول اقتصادي كبير، وهو تحول يستحق في مداه وشدته أن يوصف بأنه «غير مسبوق».

يأتي هذا الإصلاح كجزء من استراتيجية سعودية طويلة الأجل أطلق عليها اسم رؤية 2030، وهي خطة وطنية للتحول تهدف إلى فطم الاقتصاد السعودي عن إدمانه النفطي من أجل مساعدة البلاد على المنافسة في عالم انخفاض أسعار النفط. وتهدف الخطة الاستراتيجية الطموحة في المملكة إلى توليد أكثر من ثلاثة أضعاف الإيرادات غير النفطية بحلول عام 2030 وخلق أكثر من 450 ألف فرصة عمل، بما في ذلك وظائف للنساء في القطاع الخاص. وتأمل المملكة العربية السعودية في تخفيض فاتورة الأجور في القطاع العام الذي يوظف ثلثي المواطنين السعوديين، حيث تمثل هذه الفاتورة أكثر من 45% من إجمالي الإنفاق الحكومي.

ولكن هذه المهمة تبدو أكثر صعوبة مما هو متوقع.

واحد من أكثر الجوانب التي يتم التغاضي عنها في هذا التحدي هو المتعلق بمخزون المواهب في المملكة وغيره من حقائق سوق العمل المحلية. سوف يكون الإصلاح في تلك المناطق عاملا حاسما في مدى قدرة المملكة العربية السعودية على تحقيق أهدافها الاقتصادية طويلة الأمد.

ويعد التعليم هو نقطة الانطلاق. في حين أن المملكة قد استثمرت الكثير في نظامها التعليمي، فإن المال لا يشتري الجودة بالضرورة. التفكير النقدي والإبداعي، وكذلك التوقعات المجتمعية للأفراد للعمل بجد في مقابل نيل الدرجات والأجور هي أمور لا تدرس على نطاق واسع في المدارس أو الجامعات. وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد نظام التعليم في المملكة العربية السعودية بشكل كبير على المدرسين من الدول العربية الأخرى خصوصا سوريا ومصر ولبنان وهو يعكس القيم التربوية لتلك البلدان خلال حقبتي السبعينات والثمانينات.

طريقة توزيع الموارد البشرية وإدارة القطاع الخاص تمثل أحد المتغيرات الأخرى. وهو متغير جديد، وغير معروف إلى حد كبير، في سوق العمل السعودية الذي يعتمد على الأقدمية وطول مدة الخدمة وغيرها من مصادر التأثير، لاسيما في القطاع العام، حيث يعمل معظم السعوديين.

بمجرد أن يرتقي شخص ما إلى منصب إداري، يصبح من الصعب في كثير من الأحيان انتقاده أو حتى نصحه، وهو أمر يمثل مشكلة كبيرة خاصة في المؤسسات التي يكون فيها الشباب أفضل تأهيلا وأكثر كفاءة من مديريهم. غالبا ما تستخدم التواجد في المكاتب وطول مدة العمل كمعايير حاسمة للجهد وبالتالي لقيمة المنظمة على حساب الإنتاجية أو التأهيل أو المهارة.

ونتيجة لهذه التحديات فإن هناك أطقم من الموظفين المختلفين بشكل كبير في دوافعهم وقدراتهم حيث تكون الترقية في هذا النظام مرتبطة بعدد سنوات العمل في نفس الوظيفة أو عدد الشهادات الدراسية التي تم جمعها وهو أمر محبط بالنسبة إلى الكثير من الشباب السعوديين. يتسبب هذا الأمر في هجرة العقول، حيث يفضل الشباب الموهوبون الهجرة أو البحث عن العمل في مكان آخر.

ماذا عن توظيف المؤهلين من الأجانب من أجل شغل تلك المواقع ومعالجة هذا النقص في المواهب؟ يجعل برنامج «نطاقات» الذي يعطي الأولوية للعمالة السعودية في معظم الأحوال بعض النظر عن المؤهلات أو المهارات، توظيف الأجانب من بلدان أخرى صعبا للغاية. وحتى لو نجح الأجانب في إيجاد عمل، فإن الأعراف الاجتماعية المقيدة للمملكة سوف تظهر مشكلة أخرى عند محاولة جذب المواهب الأجنبية اللازمة للاعتماد عليها في تنويع الاقتصاد.

أحد القضايا ذات الصلة بطبيعة الحال هي قضية مساواة المرأة. يتم تدريب اليوم العديد من النساء السعوديات، اللاتي يتمتعن بحماس للعمل أكثر من الرجال، ولكن وصولهن إلى العمل لا يزال مقيدا بالفصل الصارم بين الجنسين. ينطوي هذا التقسيم على أعباء مؤسسية إضافية من المؤسسات التعليمية والتدريبية المنفصلة إلى المكاتب والصالات المنفصلة. وهناك الجدال الذي لا نهاية له حول السماح للمرأة بالقيادة. هذا لا يؤثر فقط على حجم ونوعية الوظائف المتاحة للنساء، ولكنه يأخذ أيضا الانتباه بعيدا عن مساحات ذات أهمية قصوى مثل قوانين العمل، وطرق خلق مساحات عمل نابضة للحياة، والسياسات اللازمة لزيادة إنتاجية الشباب السعودي.

ما مدى احتمالية التغيير؟

التركيبة السكانية، بالإضافة إلى الواقع القاسي لانخفاض أسعار النفط، يقفان في جانب أولئك الذين بجادلون بأن المملكة العربية السعودية ليس لديها خيارات أخرى سوى التخلي عن طريقتها المعتادة. أكثر من 50% من السعوديين هم تحت سن الـ25 عاما وهم قد نشئوا في زمن الوفرة غير المتوقعة منذ عام 2000 حين ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية متسببة في تراكم العائدات عاما بعد الآخر. تسببت الثقافة المادية المحلية وعائدات الثروة النفطية الهائلة في زيادة توقعات هذا الجيل. من أجل الوفاء بهذه التوقعات فإنه يحتاج إلى وظيفة ذات راتب مرتفع في الوقت الذي يتم فيه النظر إلى الوظائف ذات الياقات الزرقاء على أنها أقل شأنا من ذات الياقات البيضاء. لذا فإنه ليس من المستغرب أن القطاعات كثيفة العمالة في المملكة العربية السعودية مثل البناء والتصنيع، وخدمات الضيافة، مشغولة بكاملها تقريبا من قبل الأجانب.

على الرغم من أن الميزانيات الحالية الأثر تقشفا قد جاءت بفعل الحاجة الملحة للتغيير بعد انخفاض عائدات النفط عبر أكثر من عامين، فإنها ذاتها قد تتسبب في إعاقة التغيير. يواجه القطاع العام نفس التحديات المتعلقة بالمواهب التي يواجهها القطاع الخاص، بالإضافة إلى تحدياته الخاصة. من أجل التصدي للتحديات المتعلقة برأس المال البشري التي تواجه المملكة، فإن الحكومة بحاجة ماسة إلى تعزيز قدرتها على التخطيط متوسط المدى والإشراف على الإصلاح. سوف تعزز تخفيضات الأجور في القطاع العام من هجرة الأدمغة في الوقت الخاطئ تماما. قد تكون التخفيضات في حزم الأجور والاستحقاقات عقلانية إلى حد ما، لكنها تخاطر بتنفير الباحثين عن عمل من المؤهلين تأهيلا عاليا.

دون إنفاذ منهجي لمعايير الجدارة داخل جميع مؤسسات القطاع العام والخاص فإن خطة الإصلاح السعودية سوف تواجه تعثرا. من أجل وضع رؤية 2030 موضع التنفيذ، فسوف يتعين على المملكة العربية السعودية إصلاح قوانين العمل التي أسهمت في خلق سوق عمل ذي طبيعة مشوهة للغاية.

 

  كلمات مفتاحية

السعودية رؤية 2030 إصلاح سوق العمال القطاع الخاص القطاع العام

«محمد بن سلمان» يوجه بربط استراتيجية سوق العمل بخطط التنمية الوطنية

السعودية: إطلاق خدمة «مستشارك العمالي» للحد من منازاعات سوق العمل

«بلومبرج»: السعوديات تغزون سوق العمل بأعداد قياسية.. والفضل للملك «عبدالله»

الفتيات السعوديات يزاحمن سوق العمل بقوة.. واتجاه حكومي لمزيد من الفرص

السعودية تحتاج لإنفاق 14.9 مليار ريال سنويا لإصلاح سوق العمل

السوق السعودي يسجل أكبر خسائر في 10 سنوات بتراجع 30.4%