وبدأت الأزمات المالية تتجاوز شركات المقاولات والإنشاءات في السعودية، لتطاول الشركات الهندسية والتوريدات، بعد أن ألقى تقليص الإنفاق الحكومي جراء استمرار هبوط أسعار النفط بظلاله عليها لدرجة بات الكثير منها عاجزاً عن تسديد رواتب موظفيه.

وتواجه السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، عجزاً في الميزانية تقدره الحكومة للعام الحالي بنحو 87 مليار دولار، حيث تتوقع تحقيق إيرادات بقيمة 513.8 مليار ريال (137 مليار دولار)، مقابل نفقات تصل إلى 840 مليار ريال (224 مليار دولار).

ورفعت بعض الشركات والمؤسسات المتعاقدة على تنفيذ المشاريع الحكومية، خطاب تظلم إلى الجهات المعنية تشكو فيه من تأخر صرف مستحقاتها عن أوقاتها المحددة، حيث تعاني الشركات من تأخر المستحقات لعدة أشهر وبعضها لأكثر من عام، مما أثر سلبا على قدرتها على تنفيذ المشاريع.

وعلى الرغم من الظروف التي تعاني منها هذه الشركات، بدأت بعض الجهات الحكومية في فرض غرامات تأخير، على بعض المقاولين المتأخرين، كما سحبت بعض المشاريع دون مراعاة الأسباب التي أدت إلى ذلك، والتي غالبا ما تكون تأخر حصول المقاولين على مستحقاتهم المالية.

وطالب «عبدالرحمن بن عبدالله الزامل»، رئيس مجلس الغرف السعودية، وزارات المالية، والتجارة والاستثمار، والاقتصاد والتخطيط، بصرف كافة مستحقات المقاولين المتأخرة حتى تتمكن الشركات والمؤسسات العاملة في هذا القطاع من الوفاء بالتزاماتها.

وقال «الزامل» في خطاب للوزرات الثلاث إن «ما تعانيه شركات ومؤسسات المقاولات في مناطق السعودية المختلفة المنفذة للمشاريع الحكومية من تأخر صرف مستحقاتها المالية خلال الفترة الماضية والتي تجاوزت التسعة أشهر، أحدث عجزا لدى الكثير من الشركات، مما حال دون الوفاء بالتزاماتها التعاقدية المتمثلة في رواتب العاملين ومستحقات الموردين التي تقدر بمليارات الريالات، وهو ما أثر سلبا في سير تنفيذ المشاريع الحكومية».

الأزمة طالت الشركات الكبيرة

الأزمة طالت حتى الشركات الكبيرة مثل «سعودي أوجيه» و«بن لادن»، فالأولى لم تسدد رواتب موظفيها بمن فيهم السعوديون لأكثر من خمسة أشهر، والثانية تعاني من أزمات كبيرة دفعتها لدعوة المصارف لتأجيل تسديد قرض حل أوانه في 15 يوليو/تموز الماضي بنحو 217.8 مليون دولار كانت قد أخذته لتمويل أعمالها.

ورغم أن وزارة المالية بدأت في تسديد الكثير من مستحقات الشركتين، إلا أن الالتزامات المالية الضخمة والقروض التي تدين بها للمصارف جعل هذه الأموال تذهب لتسديد القروض أولا، الأمر الذي حرم الموظفين ومئات المقاولين من الباطن الذين تتعاقد معهم الشركتان من مستحقاتهم.

وانضمت الهيئة السعودية للمهندسين، لقائمة المطالبين بالمستحقات المتأخرة، بعد أن طالبت بصرف مستحقات المكاتب والشركات الهندسية لدى المالية.

وبحسب «جميل البقعاوي»، رئيس مجلس إدارة الهيئة فإن : «تأخر صرف مستحقات المكاتب والشركات الهندسية أثر سلبا على أعمالها، وعدم قدرتها على تنفيذ التزاماتها والاستمرار في صرف مستحقات موظفيها».

وتحاول وزارة المالية توفير الأموال لتسديد هذه المستحقات، عن طريق سندات تصدرها الحكومة، وهو ما اعتبره محللون يزيد من الضغط على المصارف العاملة في السوق.

من جانبه، قال «ربيع سندي»، خبير الاقتصاد في تصريح لـ«العربي الجديد»، إن هناك الكثير من المتضررين جراء تأخر صرف مستحقات الشركات، أبرزها القطاع المصرفي الذي بات عاجزاً عن تحصيل ديونه ليس لدى الشركات فقط بل حتى الموظفين المقترضين منه.

وأضاف: «المتضرر الواضح مما يحدث هي شركات المقاولات، ولكن لا يمكن وضع اللوم كله على الدولة، فالكيانات الإنشائية العاملة في السعودية كيانات ضعيفه، وتعتمد بالدرجة الأساسية علي الإنفاق الحكومي، وعندما تراجع هذا الإنفاق عانت هذه الشركات من الكثير من المشاكل».

«فيصل النماش»، الخبير الاقتصادي، قال لـ«العربي الجديد» إن «المصارف السعودية تعاني من أزمة في توفير السيولة، وتأخر كبار الشركات عن تسديد مديونيتها يضاعف هذه الأزمة، خاصة أن الأمر لا يجري فقط على الشركات، بل آلاف الموظفين المقترضين والذين تأخروا في سداد مديونياتهم».

وبحسب النظام المصرفي السعودي لا تستطيع المصارف فرض غرامات أو عقوبات على المتأخرين عن السداد، لأن الشركة الضامنة هي سبب التأخير، وفق «النماش»، مما تسبب في أزمات للمصارف خاصة التي لا تملك سيولة كبيرة.

وتسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها ومصادر دخلها في ظل تراجع الإيرادات الناجمة عن هبوط أسعار النفط بأكثر من 60% منذ منتصف عام 2014.